أصاب القحط وادي المكسيك في القرن الثاني بعد الميلاد، وشقق الجفاف حلوق خمس سنوات عجاف، قضتها قبائل الأزتيك في هم وكرب ودعاء. واعتقد أهل الوادي الجديب أن الإله غاضب عليهم، وأنه يحتاج لاسترضاء من نوع ما. فأشار الجنرال تلاكال على أخيه الملك مونتيزوما بفكرة لا تخطر لشيطان على بال. اقترح تلاكال أن يسترضى الملك الرب بدماء بشرية، ولا أدري إن كان الرجل أول من شرع هذا الفساد في الأرض، أم أنه كان يتبع سنة غبية توارثها أبناء هابيل (ورثة الدم والخطيئة) عبر الأجيال.
الغريب أن الملك السفيه لم بجد غضاضة في الإنصات إلى ترهات أخيه، واتفق معه على شن حرب استعراضية على قبيلة مجاورة يعاني أهلها مثل الذي يعانون. وبعد اجتماع قصير، اتفق زعيما الأزتيك وتلاكسكالا على إشعال حرب مقدسة لا تسفك فيها الدماء في الميادين، بل تحفظ في قواريرها الآدمية حتى تهراق بين يدي إله دموي لا يرضي إلا بنخب حار من دماء عبيده. وفي حربهم ضروس اختلطت الأنفاس ورائحة العرق، وتدافع المتقاتلون باسم الحمق ليأسر بعضهم بعضا. وبعد كر وفر، تكومت القرابين على الجانبين، وشحذ عرابو القتل سيوفهم، ليجزوا بها الرؤوس التي ارتفعت عاليا قبل السقوط الأخير في مشهد مخجل في محراب نتن. وكعادة الرواة، الذين يكتبون التاريخ ليسبحوا باسم ملوكهم وينالوا الرضا والعطايا، نسي رواة الأزتيك أن يخبرونا بنتيجة فعلة كبرائهم المنكرة، وإن كان ربهم قد من عليهم من بعد الذبح بالعطاء، أم جزاهم بما يستحقون من ويل وثبور. لم يذكر لنا رواة الأزتيك كيف تحول الأحمر القاني في أرض الرب إلى سنابل خضراء وماء فرات. ومات رواة الأزتيك، ولم يتركوا لنا شاهدا واحدا ممن بقي من الجند، أو رسالة خطها أحد المأسوف على دمائهم وهو يتقدم حثيثا نحو محرابه الدموي ليروي عطش الإله. لم يطفئ غلاة المؤرخين نهمنا برواية المشهد الأخير من حكاية كتب علينا أن نشهد دوما فصولها الأولى. ليتركوا لنا سنة غبية تكرس لدورنا الهمجي فوق أرض لا تكاد تجف من الدماء.
يذكرني ما فعله الأزتيك ذات حمق، بما يفعله الغلاة من المتدينين في كل عصر، والذين يجمعون القرابين البشرية في صفوف منكسرة، لتقدمها عقولهم المريضة وأفكارهم المغلوطة، عن آلة جهنمية تسمى الإله لا تدور إلا بزيت آدمي فائر. ولو عدنا بالذاكرة للوراء قليلا أو كثيرا، وأدرنا عدسة الحقيقة فوق زوايا التاريخ المهملة، لوجدنا أن أكثر من سعر للحروب الدينية أناس لم يريدوا وجه الإله، وإنما حاولوا توطيد عروشهم وإشغال شعوبهم بأفكار لا ناقة للرب فيها ولا جمل. لم تكن حرب الأزتيك دينية أيها السادة، ولا الحروب الصليبية ولا الحرب الضروس التي استمرت عقودا بين الكاثوليك والبروتستانت ولا حروبنا المذهبية المقدسة بين السنة والشيعة. فالإله الذي يتحدث باسمه الجميع ويتقاتل باسمه الكل، إله رحيم ودود لطيف بالعباد في كل الشرائع والملل والأديان. مات تلاكال منذ تسعة عشر قرنا أو يزيد، لكنه لا زال حيا بيننا، يؤلب الجند ويشحذ السكاكين ويكتب تاريخا مؤسفا عن أقوام تركوا حرث الأرض واستنباتها، وتفرغوا لقتال بئيس يهلك الحرث والنسل، بحجة الدفاع عن إله لا يشرب نخبه إلا في أوان عظمية فارغة.
Shaer129@me.com
0 comments:
إرسال تعليق