وكالات-حافظ الشاعر
في الوقت الذي يفكر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، فإن تنظيم داعش الإرهابي بدأ يطل برأسه من جديد، وفقا لخبراء ومراقبين.
فرغم طرد مسلحيها من المدن الرئيسية التي سيطروا عليها قرب الحدود مع العراق، فقد أعاد مسلحون جمع صفوفهم في أماكن أخرى وقاموا بمراجعة تكتيكاتهم، وصعدوا مؤخرا الهجوم على مدينة حدودية شرقي سوريا، ووسعوا وجودهم داخل العاصمة دمشق نفسها.
وأثار الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا قلق الحليف الرئيسي لواشنطن هناك، الأكراد، الذين قاتلوا إلى جانب الأمريكيين ضد تنظيم داعش، وتقول قيادات من "قوات سوريا الديمقراطية" إنهم لا يخشون عودة ظهور التنظيم فحسب، لكن بدون وجود القوات الأميركية في البلاد، ستملأ تركيا وروسيا وإيران هذا الفراغ وتسيطر على شمال وشرق سوريا.
وقال البيت الأبيض يوم الأربعاء إن المهمة العسكرية الأميركية ضد تنظيم الدولة في سوريا ستنتهي "قريبا للغاية"، لكنه لم يقدم جدولا زمنيا لسحب القوات، البالغ عددها 2000 جندي، بخلاف القول بأنهم سيغادرون حالما يمكن هزيمة فلول التنظيم المتبقيين.
لكن ترامب قال لمستشاريه إنه يريد سحب جميع الجنود من سوريا في غضون ستة أشهر، وفقا لثلاثة مسؤولين أميركيين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث عما دار في اجتماعهم مع الرئيس، بحسب وكالة "اسوشيتد برس".
غير أن التطورات على الأرض تشير إلى أنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، القضاء على التنظيم تماما قبل هذه الفترة.
لا يزال "قادرا على الظهور"
"داعش لم يقضى عليه تماما"، حسبما قال قيادي في مجلس منبج العسكري - الذي تدعمه الولايات المتحدة- ويدير هذه المدينة الاستراتيجية شمال سوريا.
وأضاف القيادي - الذي تحدث شريطة ذكر اسمه الحركي فقط ، محمد أبو عادل، تمشيا مع اللوائح - "لا يزال لدى داعش خلايا موجودة في جميع المناطق، وهناك مشكلات تحدث من حين لآخر في المناطق التي لا تزال بها هذه الخلايا."
وقال القيادي إن تصريحات الولايات المتحدة بشأن الانسحاب كانت "سببا في قلق على مستوى الشارع، لكن المسؤولين الأكراد يتلقون تأكيدات من جنرالات أمريكيين بأن القوات الأميركية باقية."
والأسبوع الماضي قتل انفجار جنديين للتحالف، امريكي وبريطاني، اثناء عملية لاعتقال قيادي داعشي في منبج، حيث تحتفظ القوات الاميركية بوجود كبير.
وكان هذا هو أول انفجار يضرب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نشرت قواتها في البلدة بعد أشهر من تطهير قوات "سوريا الديمقراطية" المدينة من داعش في عام 2016 في اعقاب معارك شرسة استمرت نحو ثلاثة أشهر.
ومنذ ذلك الحين أصبحت المدنية نموذجا للاستقرار، ولكن مسؤولين يعبرون الآن عن قلقهم من محاولة عودة داعش للظهور.
وقضت قوات سوريا الديمقراطية على مسلحي داعش في كل المنطقة تقريبا التي كان يسيطر عليها المتشددون في شمال سوريا، بما فيها عاصمتهم الرقة في. وفي نوفمبر سيطر ائتلاف من القوات الايرانية والعراقية والسورية على اخر معقل للمتشددين وهي البوكمال في شرق سوريا على الحدود مع العراق.
لكن داعش يحتفظ بمنطقة صغيرة على طول نهر الفرات قرب البوكمال وبعض الجيوب في صحراء شوق سوريا وعلى الحدود مع العراق.ففي هجوم مفاجئ اقتحم المسلحون البوكمال يوم الاثنين مما اثار قتالا ضروسا قبل أن تطردهم ميليشيات موالية لدمشق، وفقا لما ذكرته جماعة مراقبة للحرب ونشطاء المعارضة السورية الذين لهم صلات بالمنطقة.
وعبر ما يقارب 400 مقاتل من داعش نهر الفرات ونصبوا كمينا في البلدة وفقا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الانسان، ليقتلوا 11 مقاتلا من قوات موالية للحكومة في اشتباكات ويخسروا خمسة من مقاتليهم.
ومن منطقتهم الصحراوية يضايق مقاتلو داعش القوات في محطات النفط أيضا وفقا لما يذكره محمد العيد، مدير شبكة تدمر الاخبارية.
عفرين.. وعودة داعش
وحذرت الولايات المتحدة وقيادات كردية من عودة داعش عندما هاجمت تركيا بلدة عفرين في مارس لطرد الفصائل الكردية من هناك.
وأدى ذلك الى توقف العمليات ضد الجيوب الرئيسية لداعش في سوريا. وقلص التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الضربات الجوية ضد داعش الى النصف منذ انتقل المقاتلون الذين يقودهم الاكراد بعيدا عن شرق سوريا، وفقا لما ذكره المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان ديلون.
وتعتمد الولايات المتحدة على المناورات البرية من قبل قوات سوريا الديمقراطية لإخراج مقاتلي داعش وتعريضهم للضربات الجوية، وفقا لما ذكره ديلون. وأضاف "مالم تواصل قوات سوريا الديمقراطية ضغوطها المستمرة على عناصر داعش، فإن يسمح ذلك لهم بإعادة التجمع" .
وفي هذه الأثناء ، مع تركيز الحكومة السورية على هزيمة مقاتلي المعارضة في معقلهم في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، ظهر مسلحو داعش من جيب من الأراضي التي يحتفظون بها على الحافة الجنوبية من العاصمة لانتزاع حي على مرأى من الحكومة.
فقد قتل حوالي 120 من المقاتلين الموالين للحكومة في معركة حي القدم، وفقا للمرصد، وهي خسائر لم تذكر في وسائل الإعلام الرسمية. وقال المرصد إن اشتباكات أخرى بين الجانبين رفعت عدد قتلى القوات الحكومية إلى 204 خلال 23 يوما.
وفقد تنظيم داعش تقريبا كل الأراضي التي كان يسيطر عليها في وقت ما في سوريا والعراق، وهي الأراضي التي شملت ثلث تلك البلدان. لكن الجيوب التي لا يزال يسيطر عليها توفر حماية.
ولدى مقاتلي داعش معرفة ممتازة بالمناطق الصحراوية على طول الحدود السورية العراقية، والتي تعود إلى الأيام الأولى للتنظيم، وحتى قبل ذلك، عندما كان يسمى القاعدة في العراق، حسبما قال جلال الحمد، وهو ناشط سوري مقيم في أوروبا والذي يرصد الحرب مع منظمة تدعى العدالة من أجل الحياة.
وقال الحمد إن لدى التنظيم أنفاقا ممتدة ويمكنه أن يتحرك بشكل غير متوقع نسبيا، متجنبا الضربات الجوية السورية والروسية، على الرغم من أن الطائرات الأميركية تستطيع اكتشافها. وأضاف أن المسلحين يستفيدون من سوء الأحوال الجوية وخاصة العواصف الترابية لعبور نهر الفرات.
مخاوف من فوضى شاملة
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على حوالي 25 في المائة من سوريا، لكنهم يخشون من أن الانسحاب الأمريكي سيتركهم غير قادرين على التمسك بمعظم ذلك.
ومن شأن ذلك أن يسمح لتركيا، التي نجحت في السيطرة على عفرين، بتنفيذ تهديدها بمهاجمة منبج ومحاولة السيطرة على الأراضي الأخرى التي يسيطر عليها الأكراد على طول الحدود السورية التركية.
كما يحذرون من أن الأمر يتنازل عن الشرق تماما إلى حليفتي دمشق، روسيا وإيران، اللتين أقامتا سلسلة من القواعد في البلاد خلال سبع سنوات من الحرب.
وقالت إلهام أحمد، وهي مسؤولة كردية بارزة في محافظة الرقة السورية، إن الانسحاب الأميركي سيفتح الطريق أمام "فوضى شاملة في سوريا".
يبدو أن ترامب غير مهتم بهذه النتائج المحتملة، مما أدى إلى تقليص كبير لأهداف الولايات المتحدة في سوريا وسط خلافات مع مساعديه وفريق الأمن القومي.
وقال ترامب: "فيما يتعلق بسوريا، مهمتنا الأساسية فيما يتعلق بذلك كانت التخلص من داعش ... لقد أكملنا تلك المهمة."
ويضع عدم اليقين المسؤولين الأميركيين في سوريا في موقف صعب، لا سيما تجاه شركائهم المحليين.
وقال ديلون، المتحدث باسم التحالف، إنه لن يتكهن بأي شيء سيحدث في المستقبل، وأضاف: "سنواصل عمل ما نقوم به حتى يتم إخبارنا بخلاف ذلك".
0 comments:
إرسال تعليق