صاحبة حياة طويلة، أخلصت فيها لميكروفون الإذاعة، فحفرت اسمها بين كبار الإعلاميين في مصر والعالم العربي، هي “ملكة الكلام” الإعلامية الكبيرة التي رحلت عن عالمنا.. بعد صراع مع المرض، آمال فهمي.
ولدت آمال فهمي بالقاهرة عام 1926، ولم يمض عامها الثامن حتى تأسست دار الإذاعة بالقاهرة، وذلك في 31 مايو عام 1934، لينطلق إرسالها عاليا مدويا بـ “هنا القاهرة”.
دخلت ماسبيرو لأول مرة طفلة في الخامسة من عمرها، لتشارك في برنامج للأطفال، ثم عادت إليه مرة أخرى وهي ابنة 20 عاما، لتتذكر أول مرة لها في المبنى الكبير الذي تدرجت فيه، حتى أصبحت أصغر وأول إذاعية تتولى رئاسة إذاعة الشرق الأوسط، يساعدها في ذلك تمكنها من اللغة العربية وحفظها للقرآن الكريم وألفية ابن مالك، ووصل اهتمام المبدعين بها إلى أن الفنانة شادية قدمت فيلم “مراتي مدير عام” بعدما قرأت في الصحف نبأ تعيينها مديرا للإذاعة، وأن زوجها المخرج محمد علوان هو كبير المخرجين في الإذاعة، أي يعمل تحت رئاستها.
امتلكت “ناصية الكلام” بلا منازع ..تماما كما كان برنامجها الإذاعي الأشهر “على الناصية”، الذي صادف نجاحا منقطع النظير مع المستمعين منذ انطلاقه في الخمسينيات، ليٌشكل “كيمياء” خاصة جدا مع الجمهور، من خلال صوتها الأخاذ عبر الأثير ..
ويذكر انه بعد انتهاء آمال من دراستها التوجيهية، التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، وهناك تتلمذت على يد كبار الأدباء والمفكرين، وعلى رأسهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والمفكر والأديب أحمد لطفي السيد أول رئيس للجامعة المصرية، والدكتورة سهير القلماوي، أول سيدة تحصل على الماجستير والدكتوراة في الأدب العربي.
عملت لفترة قصيرة بعد تخرجها في بلاط صاحبة الجلالة، وكان نجاحها اللافت سبب لنيلها جائزة مصطفى وعلي أمين للصحافة، وذلك بسبب مهارتها في المزج بين العمل الصحفي والإذاعي، حيث حولت تحقيقاتها الصحفية إلى إذاعية؛ مما لاقى إعجاب مستمعي الإذاعة، لتكون الوحيدة التي حصلت على تلك الجائزة بمبنى الإذاعة والتليفزيون.
ساهمت دراستها للغة العربية في أن تدخل الإذاعة من أوسع أبوابها، يساعدها في ذلك نطقها السليم لمخارج الألفاظ واختيار الكلمات، فاجتازت الاختبارات، وحجزت مكانها في دار الإذاعة بمقره القديم في شارع الشريفين، وذلك في عام 1951، وحفرت مكانتها منذ ذلك الحين ضمن الرائدات الأوائل للإذاعة المصرية مثل أم الإذاعيين صفية المهندس، ورفيقة دربها سامية صادق التي رحلت عن دنيانا في ديسمبر الماضي.
التحاقها بالإذاعة:-
ومنذ التحاقها بالإذاعة المصرية، أبت آمال إلا أن تكون رائدة للبرامج الجماهيرية، التي تعمل على الالتحام المباشر مع المستمعين، في وقت كان فيه الراديو هو الوسيلة الوحيدة للتواصل الاجتماعي، فقدمت أولى برامجها، والذي حمل عنوان “حول العالم”، والذي كان يقدم المعلومات الثقافية والجوانب الحضارية لدول العالم، وقد ساعد هذا البرنامج في زيادة الوعي الثقافي لدى جمهور المستمعين.
برامجها:-
توالت البرامج الجماهيرية التي قدمتها ، فكان برنامج “في خدمتك” الذي يعتمد على استقبال شكاوى المواطنين وإذاعتها، وبرنامج “عقبال عنكم”، ثم البرنامج المعروف “هذه ليلتي” الذي كان يستضيف عددا من نجوم السياسة والفن ونجوم الغناء ورؤساء التحرير، إلى جانب ” فنجان شاي”، والذي استضافت فيه شخصيات سياسية، وزعماء دول عربية منهم: أحمد بن بيلا، وهواري وبومدين، وجعفر نميري، والملك حسين.
ومنذ منتصف الخمسينات، كانت صاحبة السبق في إدراج “فوازير رمضان” إلى قائمة برامج الإذاعة، وكان يكتبها كبار الشعراء مثل بيرم التونسي، وصلاح جاهين.
وحين كان يتنافس الرواد مثل الإذاعي طاهر أبو زيد في برنامج “ساعة لقلبك” وفهمي عمر بـ”مجلة الهواء” ببرامجهم الجماهيرية الشعبية، استطاعت آمال فهمي أن تنافسهم ببرنامجها الشهير “على الناصية” منذ أن تسلمت تقديمه من الإذاعي أحمد طاهر عام 1958 وحتى اعتزالها العمل الإذاعي عام 2014، وقدمت في برنامجها العديد من القضايا المجتمعية والسياسية وساهمت من خلاله في أعمال الخير وجمع التبرعات للمستشفيات.
وكان الجمهور يرتقب أن تلتقي “سيدة الناصية” وتسجل معه في الشوارع، وكان البرنامج قد سجل في عامه الأول مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وذلك خلال تصور فيلم “حكاية حب”، حيث ظهرت آمال فهمة بشخصيتها الحقيقية، وقد غنى عبدالحليم آنذاك أغنيته الشهيرة “بحلم بيك” من كلمات مرسى جميل عزيز، وألحان منير مراد.
وقد اجتذبت آمال في برنامجها “على الناصية” المشاهير، مثل سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وعميد المسرح العربي يوسف وهبي، ورائد الفضاء الروسي جاجارين، صاحب أول رحلة حول القمر.
أفضل شخصية:-
حصلت آمال فهمي في عام 1960 على لقب أفضل شخصية في العام، وذلك مناصفة مع الرئيس جمال عبدالناصر، وفقًا لاستفتاء أجرته مجلة “المصور” عن أفضل الشخصيات في هذا العام.
وكيلة وزارة الاعلام:-
أُسند إلى آمال فهمي رئاسة إذاعة “الشرق الأوسط” منذ نشأتها عام 1964، ثم تدرجت في المناصب الإذاعية حتى أصبحت وكيلة لوزارة الإعلام، ورغم هذه المناصب لم تتخلف طيلة 56 عاما عن تقديم برنامجها “على الناصية”، والتي نالت عنه لقب “ملكة الكلام”.
حياتها:-
على المستوى العائلي اقترنت “ملكة الكلام” بالمخرج الإذاعي محمد علوان صاحب لقب “إمبراطور الإذاعة”، وقد أخرج علوان روائع التمثيليات الإذاعية عبر أثير الراديو، والتي نجحت نجاحا منقطع النظير قبل أن يتم تحويلها إلى أفلام عبر “الشاشة الفضية”، ومن هذه الروائع “، شيء في صدري، وجفت الدموع، في بيتنا رجل، نادية، نحن لا نزرع الشوك، أيام معه، أنف وثلاث عيون، الحب الضائع، صابرين”.
وحين قرر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أن يؤدي بطولته الوحيدة في المسلسل الإذاعي “شيء من العذاب” استعان بإمبراطور الإذاعة المخرج محمد علوان لإخراجه، وشاركته البطولة الفنانة نيللى، وكذا الحال مع العندليب الأسمر الذي استعان بعلوان أيضا في مسلسله الإذاعي الوحيد “أرجوك لا تفهمني بسرعة” الذي قدمه عبدالحليم مع نجلاء فتحي وعادل إمام فى رمضان من عام 1973، وتم تأجيله عام لنشوب حرب أكتوبر ليُعرض عام 1974.
لكن الانفصال وقع بين “إمبراطور الإذاعة” و”ملكة الكلام” بعد زواج استمر 18 عاما، في هدوء، ودون ذكر تفاصيل.
كانت آمال فهمي صاحبة فكرة البرنامج الإذاعي” الشعب يسأل والرئيس يجيب”، والذي كان يذاع في رمضان عام 2013، حيث كان يجيب خلالها رئيس الجمهورية على أسئلة من المواطنين، وذلك بعد الإفطار مباشرة.
اعتزلت آمال فهمي العمل بالإذاعة بعد تعرضها لظروف صحية إثر سقوطها على سلالم ماسبيرو وإهمال علاجها وهو ما جعلها تشعر بـ “إهانة تاريخها”.
وبعد قرار الاعتزال، تدخلت رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق عدلي منصور ود.درية شرف الدين، وزيرة الإعلام آنذاك، وتم إقناعها بالتراجع عن الاعتزال، وعادت لتقديم برنامجها لفترة قصيرة ثم توقفت، لتدخل في صراع طويل مع المرض، قبل أن تتوفى اليوم الخميس 8 ابريل 2018 عن عمر يناهز 92 عاما.. تاركة وراءها رصيدا كبيرا من محبة المستمعين."أخبار مصر"
0 comments:
إرسال تعليق