كتب: حافظ الشاعر
ما إذا كان هذا إنساناً
أيا مَنْ تَنْعمون بحياةٍ آمنة
في منازلِكُم الدّافئة
أيا مَنْ تَجدون عندَ عودَتكم في المَساء
الطّعامَ السّاخن والوجوه الحبيبة:
تأمَّلوا ما إذا كان هذا إنساناً
وهو يَعملُ في الوَحل
وهو لا يَعرف السَّلام
ويناضِلُ من أجل نصف رَغيف
ويموت بِسببِ نعم أو لا
تأمَّلوا ما إذا كانتْ هذه امرأة
وهي بلا شَعْر ولا اسم
بلا مقدرة على التّذكّر
خاويةٌ هي العيون وباردٌ هو الحضن
مثل ضفدعة في الشّتاء
تفكّروا في أنّ هذا ما حدث
وأنا أُودِعكم هذه الكلمات
اُنقشوها في قلوبكم
وأنتم في البيوت أو في الطّريق
أو تخلدون إلى النّوم أو تستيقظون
كرّروها على مسامع أبنائكم
وإلّا فلتتهدّمْ منازلكم
وليُقعِدْكم المَرض
ولتُشح ذرّيّتكم بوجهها عنكم.
...
صدر حديثاً، عن "منشورات المتوسط – إيطاليا"،
كتاب "ما إذا كان هذا إنساناً" للكاتب الإيطالي بريمو ليڤي، وبترجمة الكاتب
والمترجم العراقي گاصد محمد.
وهذا الكتاب الشهير ما هو إلا مذكّرات بريمو
ليڤي؛ أحد أبرز كتاب العالم وأشهر الكتاب الإيطاليين، وهو كيميائي وكاتب يهودي إيطالي،
يروي شهادته وتجربته الشخصية كمُعتَقَل في معسكر أوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية.
يصف إيتالو كالڤينو الكتاب قائلاً: "ليست
شهادة مؤثِّرة للغاية فقط، بل هو كتاب عظيم، ينطوي على صفحات ذات قوَّة سردية أصيلة."
أما فيلب روث فيصف الكتاب بأنه: " واحدة من أعظم الشهادات الإنسانيَّة في هذا
العصر".
تمّ نشر الكتاب لأوّل مرّة عام 1947، وفيه يصف
الكاتب الظروف القاسية التي عاشها المُعتَقَلون في المعسكر، بما في ذلك الجوع والبرد
والإذلال المستمرّ. يتطرَّق الكتاب، أيضاً، إلى موضوعات مثل اللغة المستخدَمة في المعسكرات،
والعجز اللغوي في التعبير عن المعاناة، واستخدام كلمة "مسلم" للإشارة إلى
المُعتَقَلين الذين كانوا في المرحلة الأخيرة من حياتهم.
هذا الكتاب هو شهادة مؤلمة على الفظائع التي
ارتُكبَت في معسكرات الإبادة النازية، ويهدف إلى تقديم وثائق، تفيد في إنجاز دراسة
متّزنة لبعض ملامح النّفس الإنسانيّة. وقد حظي بشهرة واسعة لقدرته على الجمع بين الملاحظة
الدقيقة والبصيرة الفلسفية مع الأناقة الشِّعرية والخيال، ممّا يجعله تحذيراً للأجيال
القادمة من سقوط البشرية.
وُلد بريمو ليڤي في مدينة تورينو في إيطاليا
عام 1919، وتوفي في 11 أبريل 1987. ليفي هو أحد الناجين من الهولوكوست، وقد كتب العديد
من الكتب والمقالات والقصص القصيرة التي تتناول تجربته في معسكرات الاعتقال النازية،
بما في ذلك كتابه الأشهر هذا.
نشأ ليفي في مجتمع يهودي صغير في تورينو، ودرس
الكيمياء في جامعة تورينو، حيث تخرج بدرجة امتياز في عام 1941. بعد ذلك، انضم إلى حركة
المقاومة في شمال إيطاليا، لكنه اعتقل وأرسل إلى أوشفيتز في عام 1944. بعد تحرير أوشفيتز
من قبل القوات السوفيتية في عام 1945، عاد ليفي إلى تورينو، حيث أصبح مديراً عاماً
لأحد المصانع.
أعمال ليفي الأدبية تتضمن كتابه الأول
"ما إذا كان هذا إنساناً" (1947)، وكتاب "الهدنة" (1963)، و"الغرقى
والناجون" (1986)، و"الجدول الدوري" (1975)، الذي يُعتبر أحد أعظم أعماله
النقدية والشعبية. ليفي أيضاً كتب الشعر والروايات والقصص القصيرة.
توفي عام 1987 نتيجة إصابات تعرض لها إثر سقوطه
من شرفة شقته في الطابق الثالث. حكمت المحكمة في تورينو على وفاته بأنها انتحار، رغم
أن بعض أصدقائه وزملائه شككوا في ذلك واعتبروا أنها قد تكون حادثة.
أخيراً، صدر الكتاب في 256 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب:
وباغتَنا الفجر كما تفعلُ الخِيانة، وكأنَّ الشَّمس
هي أيضاً تُسهِم مع القوم في إقرارِ إبادتنا. المَشاعرُ المختلفة التي تأجَّجتْ في
أنفسنا، كالقبول النّابع من الوعي، والثَّورة التي لا مآل لها، والاستسلام لإرادة السَّماء،
والخوف والقنوط، كلُّها تصُبُّ، بعد ليلة الأرق تلك، في لحظة جنون جماعيٍّ مُنفلت.
وقد فات أوان التَّأمّل والثَّبات، وانصهرتْ كلُّ خطوة عقلانيَّة في ذلك الاضطراب العارم،
وطَفَتْ فوقه خاطفة كالبرق، أليمة كطعن السُّيُوف، ذكرياتُ بيوتنا العذبة التي كانتْ
قريبة منَّا في الزّمان والمكان.
كثيرةٌ هي الأشياء التي قلناها لبعضنا البعض،
والتي دارتْ بيننا، على أنّه من الأفضل ألّا يبقى ذِكْرٌ لها.
عن المترجم:
گاصد محمَّد، كاتب ومترجم عراقي (مواليد بابل
عام 1981)، أستاذ اللغة والأدب العربي في جامعة بولونيا الإيطالية. نال شهادة البكلوريوس
في اللغة الايطالية في بغداد عام 2006. أكمل دراساته العليا في إيطاليا، فنال الماجستير
عام 2011 عن بحث مقارن ما بين الديكاميرون وألف ليلة وليلة، ثمّ أتمّ الدكتوراه عام
2015 عن بحث مقارن تناول فيه تأثير الحكايات العربيّة في الديكاميرون. يكتب بالعربيّة
وبالايطاليّة، وقد صدرتْ له مجموعة شعريّة باللغة الايطاليّة تحت عنوان "الحياة
ليستْ مقبرة جماعيّة"، عن دار النشر "لاركولايو". وصدرت له نصوص وقصص
في عدّة مجلات ودوريات ايطاليّة.
0 comments:
إرسال تعليق