• اخر الاخبار

    الخميس، 13 نوفمبر 2025

    قصة قصيرة بعنوان : زوربا خمسه ميل..بقلم : الأديب العراقى الكبير / عيسى عبد الملك

     


    في هذا الفجر البصري الندي، بعد أن طويت سجادة الصلاة، لم امسد لحيتي، فليست لي لحية أصلا، اعتدت ان ازيلها بأجود امواس الحلاقة الحديثة.. كثيرون ممن يدخلون بين الظفر والجلد انتقدوني الا انني واظبت على حلقها. من جيب دشداشتي الفضفاضة مثل جلباب مصري، أخرجت مرآة صغيرة اعتدت أصطحابها عند السفر. ومع اني منذ زمن اعتدت رؤية فروة شعري الخالصة البياض والتي  سجلت، قبل عقود ميلاد اول شعرة بيضاء غزت سالفي فيها. كنت يومها منفيا في أعمق اهوار البصرة، مكان اختاره لي محافظها لأنفق فيه كما قال لكنه نفق قبلي في ميتة لا يحسد عليها إذ تفحمت جثته في الجو وصارت حادثة احتراق طائرته اهزوجة لأطفال قرى المنطقة   الفقيرة الموبوءة!

    على عجل اخفيت مرآتي الصغيرة، لا لأنها دائما تخبرني الحقيقة بل لأن هناك، في الممر مرآة اكبر تعكس أدق التفاصيل. في غابة الشعر البيضأء. بحثت عن أول شعرة غزت مفرقي ولم أجدها. ربما شاخت هي الأخرى او اتت عليها موسى حلاق ذات يوم. هنا بوضوح ومثل مجسم كبير رأيت كل شعرات رأسي وتقاطيع وجهي  المليئ  بالأخاديد والحفر أيضآ. لم انكسر بل تذكرت زوربا، ذلك الفيلسوف الذي رقص وسط انقاض حياته وكيف اني رقصت، نعم رقصت. في شارع يوناني بهيج، وسط اثينا، في عرس انسان لم اعرفه رقصت. كنت الوحيد الذي يقف على الرصيف منبهرا برقصة زوربا الذي رأيت فيلمه مرارا في سينما الميناء في المعقل، حينما، من حلقة الراقصين، افلتت فتاة يدها وانطلقت نحوي. امسكت يدي وراحت مثل طفل تعلمه المشي تحثني مشجعة قائلة  بصوت مخملي   dance, dance . اتجهت كل الانظار نحوي مشجعة، تصيح بي، دانس، دانس وعندها وسط تشجيع المحتفلين وتصفيق الواقفين على الرصيف تخليت عن كل القيود المكبلة ورقصت.تماما كما رقص ذلك الكبير  زوربا والذي بعد اتمام رقصته صاح مبتهجا   وركض عاريا نحو البحر نازعا كل متاعب الحياة  ورمس فيه. .

     عندها شعرت بأني انا زوربا العراقي المكبل حتى العنق بالقيود، زوربا خمسة ميل، قد ولدت من جديد وعلى ذاك الرصيف، تحت الأقدام تركت ورقة استدعاء للمجلس العسكري العرفي تدوسها الأقدام. وعدت مسرعا إلى الباخرة العملاقة التي رست لبضع

    ساعات في ميناء بيريه اليوناني.

    ..............................

    خمسه ميل، محلة شعبية فقيرة على أطراف البصرة.في العراق.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة قصيرة بعنوان : زوربا خمسه ميل..بقلم : الأديب العراقى الكبير / عيسى عبد الملك Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top