• اخر الاخبار

    الاثنين، 24 نوفمبر 2025

    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية.

     

     


    في زمن صارت فيه المنابر الانتخابية أكثر ضجيجا من منابر الفكر، يخرج علينا أحد المرشحين في الدقهلية ، يلوح للتاريخ بيد مرتعشة، ويحاول أن يشده من سياق عمره أربعة عشر قرنا ليلبسه عباءة السياسة المعاصرة. يقول المرشح، في لحظة اندفاع أو ربما في لحظة جهل وطمس للمعلومة، إن “الإسلام في بداياته استغل المال السياسي”، مستشهدا بثروة سيدنا أبي بكر وسيدنا عثمان رضي الله عنهما.

    وليس أشد على التاريخ من أن يتحول إلى شاهد زور، أو أن تجتزأ منه كلمات باردة لغايات انتخابية ساخنة.

    إن أبا بكر رضي الله عنه حين أسلم لم يشتر ذمما، ولم يفتح صناديق مال ليشتري قلوبا؛ بل فتح قلبه أوّلا، وماله آخرا. إنفاقه كان فداء للمستضعفين الذين كانوا يعذبون في مكة. دفع من ماله ليحرر رقابا، لا ليجمع أصواتا. وقد نزل فيه قرآن يخلد فعله {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}

    فهل تزكية النفس تسمّى في قاموس السياسة الحديثة “مالا سياسيا”؟

    وأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان غنيّا قبل الإسلام وبعده، لكن غناه صار وقفا للأمة. يوم توسعت الدولة احتاج المسلمون إلى بئر للشرب، فاشتراها عثمان من ماله وجعلها للناس. ويوم كانت غزوة تبوك، قدم جيشا كاملا لا ليكسب “مقعدا نيابيا” في المدينة، بل ليحفظ حدود الدولة نفسها.

    وهذا الإنفاق لم يكن ليكسب سلطة، لأن السلطة يومها لا تنال بالمال، بل تحمل تكليفا لا تشريفا؛ فقد بكى أبو بكر حين بويع خليفة، وهرب عثمان من التباهي وهو يكتب اسمه في صحائف العطاء.

    كيف يمكن بعد ذلك أن نضع هذا التاريخ في خانة “المال السياسي”؟ المال السياسي، في تعريفه، هو شراء الإرادة، بينما مال الصحابة كان شراء الحرية ورفع الظلم ونصرة الدين.

    إن خطورة ما قاله المرشح لا تتعلق بخطأ معلومة فحسب، بل بمحاولة تسطيح التاريخ وجعله بمنطق “التمويلات” و“الرعايات” و“الصفقات” التي نراها اليوم. التاريخ الإسلامي لم يكن سوقا مفتوحا، بل مدرسة أخلاق وروح.

    ويليق بمن يطلب ثقة الناس أن يحفظ التاريخ قبل أن يستشهد به، وأن يميز بين إنفاق يثيب الله عليه وإنفاق يحاسَب عليه.

    إن التاريخ لا يغضب، لكنه يحزن..

    يحزن حين يتحول إلى موضوع دعاية انتخابية، وحين يسحب من عليائه ليستخدم كعبارة عابرة في خطاب يريد صاحبه أن يلمع ولو على حساب الحقيقة.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية. Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top