أَلعَندَلِيــــبُ عَلَـــــى الغُصُـــــونِ يُغَــــرّدُ
شَــدوًا بمكّـــــــــةَ للرّبيـــــــــعِ يُجـــــــدّدُ
يَــا سَاعَــــةَ الطّلـــقِ المُقدّسِ أبشـرِي
هٰـــذا
الوَلِيـــدُ نُبـــــــــوءَةً سَيُؤَكّــــــــدُ
فَتَهَلّلَــــت نُجُـــــمُ السّمــــــاءِ وكَبّــــرَت
فَعِبَـــادةُ البَـــــــــــارِي بَــــدَت تَتَوَحّـــدُ
هٰـــــذا الّــذي لِلدّيــــنِ يَبــــدُو حَافِظًــا
أوَهَـــــل يَكُــــونُ وَلِيِدُنــا هُـــوَ
أحمَدُ !
قَـــد أينَعَــت مِنــــهُ الزُّهُــــورُ تَيِمّنًـــا
فِــي مَولِدِ النّورِ المُبـــــــــــــارَكِ
تُورِدُ
جِبرِيــــلُ حَـــارِسُ مَهــدِهِ في بَهجَـــةٍ
يَدعُو لَـــهُ الرّوحُ الأمِيـــــــــنُ يُهَدهِـدُ
وقَفَـــت صُفُـوفُ الحُورِ حَاضِنَةً لَــهُ
كُلُّ
العُيُــونِ لِحِفظِـــهِ تَتَرَصّــــــــدُ
وُلـــــدَ الشّفيــــعُ وجِبرَئِيــــلُ مُكَبّــــرًا
هُـــوَ رَحمَــــــــــةٌ لِلعَالَمِيـــنَ سَتُحمَدُ
جَمَعَ الجَمَــــالَ مَـــعَ الخِصَـالِ كَأَنّــهُ
رُكنُ
الهِدَايَــــةِ لِلرّشَـــــــــادِ يُسَــدّدُ
مِـــن مَهـــدِهِ أنـــــوَارُهُ كَـــم أبهَــــرَت
كُـــلّ الحُضُـــورِ تَعَجّبًـــا قــــــد رَدّدُوا
مَـــن ذا يَكُـــونُ غُلامُنَـــا قُولُـــوا
لنَــا
أهُـــوَ
الّـــذي عِنــدَ الإلٰـــــهِ
مُحَمّــدُ
قُومِــــي
لَــــهُ يَــــا أُمّــهُ وتَهَجّــــدِي
نَزَلَ الأمِيـــنُ عَلَـــى الوَلِيـــدِ يُوَحّــــــدُ
هَاتِي القِمَــاطَ وَقَمّطِيـــهِ سَارِعِــــي
وَضَعِي الأمَـــانَ بِقَلبِهِ كَي تَسعَدُوا
هُوَ تُحفَــةُ النُّجَبَــاءِ فِيـــــــهِ نَجَاتُهُــــم
هُـوَ طَاعَــــــةٌ نَحـــــوَ الإلٰـــهِ وسُؤدَدُ
كُــلُّ الصّـــــوَابِ كَلَامُـــــهُ وبِحِكمَـــةٍ
وَعَنِ الهَوَى فـــي مَنطِقٍ هُوَ يَزهَدُ
فَمَحَــاسِنُ اﻷخـــلَاقِ مِنـــــهُ تَعَلّمَت
مِـــــن دُونِ مَبلَغِـــــهِ تَحَـارُ
وتَقعُــدُ
نَبـــعُ البَصِيرَةِ والهِدَايَـــةِ والتُّقَـــــى
ألمُرسَــــــلُ المَبعُــــوثُ والمُستَوفَدُ
صَلّــى عَليــهِ اللٰهُ فِــــي مَلَكُوتِـــــــهِ
فَتَشَعشَــــــعَ النّـــــورُ المُبِينُ يُمَجّـدُ
وَمِـــنَ الخَلِيـــلِ فَقَـد بَدَت دَعَوَاتُـــهُ
حَنَفِيّــــــــةً فِـــــي دِينِـــــــهِ تَتَمَــــدّدُ
هٰذا الّذي طَرَقَ السّمَــــــاءَ دَلِيلُـــــهُ
وهُـــــوَ الّـــــذي يُسـرَى بِهِ ويُعَضّــدُ
عِيسَــى وَمُوسَـــى بَشّــرَا بِمُحَمّــــدٍ
مِسكُ الخِتَــامِ هُوَ النّذيـــرُ المُرشَـدُ
سِمَةُ النّبُـــوّةِ تَرسِمُ الوَجــهَ الّـــذِي
فــي قَلبِــــهِ وَحــيُ
الإلٰــــــهِ يُرَدّدُ
سِحرُ البَيَانِ بِقَولِــــهِ
بَلَـغَ العُــــلَا
أفعَالُـــــهُ أقوَالُــــــهُ هِـــيَ تُعهَـــدُ
تَظَــنُّ أنّ الحُــــــبَّ حَــرفُ بَلَاغَــــــةٍ
إنّ المُحِــــــبَّ لِمَــــن أَحَــبَّ يُمَجّـــدُ
لَا شُبهَـــةً بَيــنَ المَجَــــازِ وَضِــــدّهِ
تَبقَـى الحقيقــــةُ دائمًــــا تَتَجَسّـــدُ
فَجَمَالُ يُوسُفَ مِن سِماتِ جَمَالِهِ
بِعَظِيــــمِ أخْـــــلاقٍ
لَـــهُ يَتَشَيّـــــدُ
أَلأَنبِيَـــــــاءُ تَفَـــاخَرَت
بِأُصُولِـــــــهِ
مَــــا مِثـــلُ مَولِـــدِهِ المَوَالِــدُ تُولَدُ
فَكَأَنّـــهُ النّبـــعُ
الأَصِيــلُ بمَجدِهِ
وَكَــأنّ مِــن صُلبٍ لَــهُ قَد أُولِدُوا
صَلَوَاتُنَـــا مِـــن دُونِـــهِ مَرفُوضَــةٌ
ألمَـــوتُ لا يُفنَــــي حَياتَـــكَ أحمَـدُ
أَيَمُوتُ مَـــنْ مَلَكَ القُلُوبَ بِذِكْره
تَفنَــى المُلُــوكُ وَذِكــرُهُ
سَيُخَلّـدُ
العنوان "دعوة ابراهيم"
قال سيدنا محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام
(( أنَا دَعوَةُ إِبراهِيمَ ، و كان آخِرَ مَن بُشِّرَ بِي عِيسَى ابنُ مَريَمَ)).الراوي
:عبادة بن الصامت| المحدث : الألباني|المصدر: صحيح الجامع الصفحة أو الرقم :1463 |خلاصة
حكم المحدث : صحيح.
قوله تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ
إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) البقرة :129
قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}
الصف :6
ومن هذه البداية النبوية تنطلق الشاعرة أحلام في
تغريداتها الشعرية الأنيقة بذكر العندليب (أَلعَندَلِيبُ عَلَى الغُصُونِ يُغَرّدُ)
ولابد من نبذة عن العندليب لنستشعر رونق الألحان وإيقاعها في النفس : هو من الطيور
المغردة الجميلة الصوت الذي يفتن الكثيرين بصوته الساحر وألحانه الرائعة، ويطلق عليه
أيضا اسم طائر العندليب الأحمر، ولأنه يمتلك صوتاً جميلاً فهو مصدر إلهام لمختلف الشعراء
والموسيقين، وكثير من الشعراء يمدحون طائر العندليب في أشعارهم، فهو طائر مغرد اشتهر
بتغريداته الجميلة، ويمكن سماع تغريده عند الفجر وخلال المساء، بعد غروب الشمس.
(شَدوًا بمكّةَ للرّبيعِ
يُجدّدُ) وبتقنية أسلوبية تواصل شاعرتنا العنصر البنائي لصدر البيت بصدى موسيقي
مؤثر بمستواه الحرفي والصوتي والإلتحام الدلالي بين (يغرد ولفظة شدواً) من أجل تحقيق
فاعلية قصوى في الوقت الزمكاني (مكة والربيع) حيث من حذاقة الشاعرة أن ضربت عصفورين
بحجر فللربيع وجهين .. فصل الربيع بتجديد نضارته حيث يزهر وتغرد الطيور فيه والوجه
الثاني وهو الأهم والأعمق في الإيقاع بضرب الدفوف فرحاً بذكرى ولادة المصطفى عليه الصلاة
والسلام.
(يَا سَاعَةَ الطّلقِ المُقدّسِ أبشِرِي) بنداءٍ
لايخلو من نبرة دلالية تثير بهجة الحرف رغم ثقل الكلمة وما يتأتى خلالها من وجع عند
(الطلق) وهذا اللفظ لايخفى معناه عن أحد فهو الآلام الناتجة عن تقلصات الرحم الذي تسبق
الولادة فسمّتْه الشاعرة بالمقدس وهو كذلك. واستأنست بإطلاق لفظة أبشري وكأنما يدور في خلدها الهلاهل بهذه المناسبة لما
لدى المبشر به من مكانة في السموات والأرض ﷺ لتكشف عن التعاضد والترابط في مستوى البنية الفنية
للنص والإيقاعية والذي يتولد عن التناغم الصوتي وطريقة التعبير الأسلوبية.
(هٰذا
الوَلِيدُ نُبوءَةً سَيُؤَكّدُ) ولتحقيق الإنفعال الداخلي بالإحساس
المرهف بجرس الحروف أشارت الشاعرة بـ(هذا الوليد) لتختزل كل التكهنات والنبوءات القديمة
بإيحاء تصديق دعوة ابراهيم وبشرى عيسى عليهما الصلاة والسلام بدراية من الشاعرة ومكنوناتها
العلمية والدينية مع مراعاة التركيب الدلالي الذي تجهر بفنيته الإيقاعية (سيؤكدُ) ليوازي
الطاقات الإيقاعية الداخلية في النص.
(فَتَهَلّلَت نُجُمُ السّماءِ وكَبّرَت) بهذا الصدر
الذي يحمل بين دلالاته تركيباً ذا قيمةٍ جمالية تحقق تناسب تماس الكلمات باستعارة بلاغية
مجازية يعول عليها في التهليل والتكبير لتعزيز التنوع من خلال الوحدة الصوتية واستثمار
تقنية الحرف في مضمار القصيدة المعاصرة.
(فَعِبَادةُ البَارِي بَدَت تَتَوَحّدُ) تستثمر الشاعرة صفات الأحرف الصوتية
في نسقٍ يطغى على النص في ايقاعه الخاص فيعمل داخل البيت مقابلاً للقافية الدالية من
باب المماثلة الصوتية بدلالة الإمكانية اللغوية العالية للشاعرة أحلام.
(هٰذا الّذي لِلدّينِ يَبدُو حَافِظًا) المقطع
يقوم على صعيد العنوان ( دعوة ابراهيم) بإسم الفاعل الذي يتسم بالحركة المتسلسلة من
الأصوات ترتبط بالفضاء الدلالي للنص مع تناسب إيقاعه.
(أوَهَل
يَكُونُ وَلِيِدُنا هُوَ أحمَدُ !) تعود الشاعرة بفطنتها الى عامل الوقت حين الولادة
لتتسائل باسفهامٍ حقيقي في ضوء الفرح القائم آنذاك والإنبهار بالصورة المرئية المرافقة
للحدث : هذا الوليد الذي بشر به المسيح هل هو أحمد؟ وفق آلية مشبعة بالنبر ووحدة النغم
كأنها تغني على صوت القيثار وموجات البحر الكامل.
ثم تأتي بانتقالةٍ زمنية تمهد للنص بروز فضاءه
الإيقاعي المتموسق بـ (قَد أينَعَت مِنهُ الزُّهُورُ تَيِمّنًا) وبرقته المتناسقة مع صدى الدلالة التي
تبوح ببواطن النفس لتسهم بشكلٍ ينبض في نسيج الإيقاع الداخلي المتسم بالليونة (فِي
مَولِدِ النّورِ المُبارَكِ تُورِدُ) ليشع في مكامن النفس إطلاق مسار الحياة بتنبيه
جرس المناسبة لشحن النفس بطاقة المحبة واستمرارها برفع نبرة الصوت بروي البيت (الدال)
وهو من الحروف الصامتة، المستفلة، المرققة الحركات في النطق، وهو صوت لثوي انفجاری
مجهور. وفي نطقه يلتقى طرف اللسان بأصول الثنايا العليا ومقدم اللثة، ويضغط الهواء
عند نطقه مدة من الزمن، ثم ينفصل فجأة تاركا نقطة الالتقاء، فيحدث صوت انفجاری مجهور.
(جِبرِيلُ حَارِسُ مَهدِهِ في بَهجَةٍ) وهذا الإيقاع
المترنم بثبات القيم الصوتية معتمداً على أذنها الموسيقية مستغلة البلاغة المجازية
في حراسة المهد من قبل جبريل لتتشح بظلال قدسية الذكرى بترنيمة تليق بالمقام وتواصل
مديات الحالة الإيقاعية بهدهدة الروح الأمين كما في قولها (يَدعُو لَهُ الرّوحُ الأمِينُ
يُهَدهِدُ) لتنبي عن كنزٍ تنوء به كل آلاتها الموسيقية بصفتها الشمولية وبطاقتها التركيبية
حين(وقَفَت صُفُوفُ الحُورِ حَاضِنَةً لَهُ) مستنبطةً الدائرة العروضية بصياغة القيم
الوزنية بالإيقاع المتنامي بصفوف الحور بفاعليةٍ معيارية تناسب ثروة الموسيقى في عطر
الذكرى.
(كُلُّ
العُيُونِ لِحِفظِهِ تَتَرَصّدُ) في استنباط مقادير وزنية محكمة تجعل
من عنصر الموسيقى ركيزةً حسيةً بصرية تترصد بتوازن ايقاعاتها مساحة الموقف القدسي هذا
بولادة الشفيع فداه أمي وأبي ونفسي. (وُلدَ الشّفيعُ وجِبرَئِيلُ مُكَبّرًا) تصب الشاعرة دفقاتها الشعرية
بهذا التمظهر الشعري لتجسيد الفكرة بانسراب الصوت بنبراته الموسيقية في بقية خطوط القصيدة
وعناصرها حين ترسم لنا احداثيات الرحمة والحمد بتدليل المعنى (هُوَ رَحمَةٌ لِلعَالَمِينَ سَتُحمَدُ) بحسن الألفاظ وحركة مكونات النص ونسيج
علاقته وتفاعله الموسيقي بالمعنى والمبنى.
(جَمَعَ الجَمَالَ مَعَ الخِصَالِ كَأَنّهُ) قيل
أن النبي يوسف عليه السلام نال من الحسن شطره وأما الرسول محمد فقد نال الحسن كله ولكن
الجلال غطى الجمال، من هذا التعريف وصفت الشاعرة نبينا (جمع الجمال) ونضيف أيضاً على
هذا ونقول – بلغ العلا بكماله ، كشف الدجى بجماله حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله.
(رُكنُ
الهِدَايَةِ لِلرّشَادِ يُسَدّدُ) استعانت الشاعرة بهذا الوصف لتجسد الفكرة
في خطوط القصيدة وما تتمتع به من إيقاعٍ متصلٍ يتمازج مع اللغة والرموز بكل تفاصيلها
وجزئياتها مستغلةً العلاقة الوطيدة بالإنفعالات والإيحاءات الدلالية لمعنى الرشاد بسعته
اللغوية.
(مِن مَهدِهِ أنوَارُهُ كَم أبهَرَت) بلحظة اختراق
للمألوف ومن بؤرة الجمال يلتحم هذا الصدر مع الصدر الذي قبله لينحت لنا معانٍ جديدة
تقوم على عنصر صياغة المحسوس من اللامحسوس في عملية اختراق وجه النص لتكوين الرؤية
المستنطقة من الخصائص المتجلية في بنية النص المزينة في (كُلّ الحُضُورِ تَعَجّبًا
قد رَدّدُوا) بروح محبوسة في صورها تصنع فرادة هذا الحدث.
(مَن ذا يَكُونُ غُلامُنَا قُولُوا لنَا) جاءت
الشاعرة بـ ذا بمعنى الَّذي وذلك لأنها إذا وقعت بعد ما ومن الاستفهامتين. وتقال للقريب... وبدأت بمحفزاتٍ صوتية إستفهامية
اندلقت بكاسة تضاريس النص على مسطحات الإيقاع وموسيقاه الواسعة وبعين الرؤية (من ذا)
وبنظرة عميقة تتخطى طبيعة التأويل لتؤسس صورةً أخرى تطابق في ثناياها تعجب الحضور.
(أهُوَ الّذي عِندَ الإلٰهِ
مُحَمّدُ) بتكرار السؤال الذي جاء متفرداً باللفظ يتموسق في لحمة السياق والنص
ولا ينزاح عن مراده ليكوِّن الدهشة والصدمة والتلذذ في أنه عند الإله محمدُ.
(قُومِي
لَهُ يَا أُمّهُ وتَهَجّدِي) بهذا البيت تعطي للجرس القوة الرؤيوية
بالتخييل اللامقصود بندائها لآمنة بنت وهب أن تتهجد لله رغم علم الشاعرة بأن الأم لاتعرف
التهجد آنذاك وربما لاتعرف حتى معناه.
(نَزَلَ الأمِينُ عَلَى الوَلِيدِ يُوَحّدُ) فتستشف
الشاعرة ماوراء الواقع بالقوة التي تطلّ بها على الغيب وتعانقه لتُجَسِّر المقطع الشعري
وتربطه بين الحاضر والمستقبل، والواقع وما وراءه، كما الرومانتيكيون عندما تناولوا
الحلم وعلاقته بالرؤيا والكتابة. فاللغة الشعرية كالحلم وشبيهة باللغة الهيروغليفية
نحصل منها في بضع لحظات على ما لانحصل عليه بلغة الكلام في ساعات كثيرة.
(هَاتِي القِمَاطَ وَقَمّطِيهِ سَارِعِي) يتسارع
الإيقاع بتسارع المشهد ويلائم المنظر المترائي بجعل الصورة هي لغة الكلام بشكلها المتماهي
في التأثير والترميز لواقعٍ متَخَيَّلٍ جديد تختلف دقائقه عن الواقع الأول عند الطلق
دون أن تلغيه.
للفائدة : الياء في هاتي ياء المؤنث المخاطب وليست
ياء فعل الأمر المقصور .. ولم يختلف النحويون عليها .. إلا أن هناك اشتباه يقع لدى
البعض بين ياء الأمر للمخاطب المؤنث وياء الفعل المقصور والصّواب حذف الياء والتَّعويضُ
عنها بالكسرِ للمُخاطبِ المُذكَّر. أما في حال مُخاطبة الأُنثى فتُثبتُ الياء في فعلِ
الأمر؛ لأنَّها ليست ياء العِلَّة إنَّما هي ياء المُخاطبة،
(القماط) قِطْعة قُماش مَتين يُلَفُّ بها المَولود
حديثًا، تَحْفَظ أَعْضاءَه مَشْدودةً إلى جِسْمه وتَمنَعها مِن الإِفْلات.
(وَضَعِي الأمَانَ بِقَلبِهِ كَي تَسعَدُوا) بتوظيف
حركة وجودة الإيقاع بحسن الألفاظ وائتلاف حروف القصيدة في مخارجها واتجاه الدلالة النصية
صوب حركة الداخل لإثارة التشويق وتدفعنا الى التأمل والتحايا لشاعرتنا الراقية.
(هُوَ تُحفَةُ النُّجَبَاءِ فِيهِ نَجَاتُهُم)
بهذا التماثل في تحفة النجباء تجتاز التفعيلة الصوتية أعلى مستوياتها ويعتبرها الشاكر
المؤثر الرئيسي في الإيقاع الموسيقي في هذا النص حيث لها البعد الجوهري في القصيدة.
وبذات النفس المتموسق تؤكد الشاعرة علو الجرس في السياق بقولها (هُوَ طَاعَةٌ نَحوَ
الإلٰهِ وسُؤدَدُ) تشهر إيقاع وعْيها الغائبٍ الحاضر للغة ثانية لاتدركها الأذن وحدها
بل الحواس، والذي يتناوب بموجبه المؤثر الصوتي والروحي والسيمائي بصيغة أمواج صوتية
وشكلية.
(كُلُّ الصّوَابِ كَلَامُهُ وبِحِكمَةٍ) بوضوح
النطق على السمع بتغليب المعنى أو تجانسها مع مفهوم التأثير في النفس من اتجاهين: تمكن اللفظ في النطق، ووضوحه السمعي، وهذا ما يتجلى
بالجانب الدلالي للحكمة التي يتمتع بها سيد الكائنات.
(وَعَنِ الهَوَى في مَنطِقٍ هُوَ يَزهَدُ) تتلمس
الشاعرة فكرتها بإيقاعٍ عالٍ يؤثر كثيراً في نفس المتلقي حين استخدمت الجرس الموسيقي
الحاد رغم طلاوة الهوى والزهد بتوشح حرف الجهر الدالي في قافيتها وبعمق الدلالة التي
تختزنها الأبيات السابقة في حسيتها الموسيقية لتؤازرها محاسن الأخلاق. (فَمَحَاسِنُ
اﻷخلَاقِ مِنهُ تَعَلّمَت) بإيحاءٍ من الشاعرة الى حديث المصطفى ﷺ" إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ"
فمستوى الفاعلية الشعرية تجاوزت الأشكال التقليدية فأسست لها مداراً أصاب البنية الإيقاعية
(مِن دُونِ مَبلَغِهِ تَحَارُ وتَقعُدُ) ليتولد
منه إيقاع يستمد أغلب مقوماته من تفاعل علاقاته الداخلية في سياق النص وكذلك من الحركة
الدلالية والصوتية في نسيجه فكان له الأثر في رفع الفاعلية الشعرية في خلق ترددات موسيقية
لتنظيم الإيقاع العام فيه.
(نَبعُ البَصِيرَةِ والهِدَايَةِ والتُّقَى ) محاسن
يتصف بها رسول الله ﷺ تأتي بها
الشاعرة بغناها الموسيقي في بروزٍ لافتٍ في آلية الإيحاء من بواطن الإنفعالات وخلجات
النفس بمعاني تمنح النص طاقته التعبيرية ليمثل بتقنيته الأسلوبية ويضفي عليه صدىً موسيقياً
مؤثراً ومركزاً على بؤرة دلاليته الجوهرية
(ألمُرسَلُ المَبعُوثُ والمُستَوفَدُ) بتآلف حركة المكونات الموسيقية وعلاقتها
بالحروف اللغوية وخصائصها وتوائم سلطنة النغم في تماس الكلمات في السياق المرسل، المبعوث،
المستوفد. وإدراك الإحساس المرهف في (صَلّى عَليهِ اللٰهُ فِي مَلَكُوتِهِ) لتتوالى
إشعاعات النور مع نبرة الصلوات في تحقيق فاعلية قصوى بالتحامٍ دلاليٍّ مبهج بظلاله
ورؤاه (فشعشع) كلمة اهتزازية تفوق بشدتها ما نتصور ففاعليتها تأتي في اندماج حرفين
متشابهين ( شع شع ) لشحن النص بطاقة تمنحه بعداً دلالياً يكتسب الإمتياز والتفرد.
(وَمِنَ الخَلِيلِ فَقَد بَدَت دَعَوَاتُهُ) بعودة رشيقة لعنوان القصيدة دعوة ابراهيم
لتمديد مساحة الدين وديمومته وفق ذكاء الشاعرة بترتيب لغتها بعسلية التواصل الشكلي
لمرام القصيدة ومازاتها من صور (حَنَفِيّةً
فِي دِينِهِ تَتَمَدّدُ) بدلالة الآية
الكريمة { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}.
(هٰذا الّذي طَرَقَ السّمَاءَ دَلِيلُهُ) بإشارة
الى معراج المصطفى وما أدراك ما المعراج ..
(وهُوَ الّذي يُسرَى بِهِ ويُعَضّدُ) بعد إسم الموصول
وكي لايكون مبهماً جاءت شاعرتنا بدفقة شعرية أخرى مشفوعة بلفظة (يُسرى) سبحان الذي
أسرى بعبده .. فعمدة المؤثرات الصوتية هي بتماثلها مع التفعيلات العروضية لتغني المشهد
اللغوي والصوري البديع هذا بأكبر كم مقطعي تتجسد في كل نغمات (الكامل) ليسمو.
(عِيسَى وَمُوسَى بَشّرَا بِمُحَمّدٍ) بدلالة الآية
الكريمة { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف: ١٥٧..
(مِسكُ الخِتَامِ هُوَ النّذيرُ المُرشَدُ) تعني أفْضَلُ مَا يُخْتَمُ بِهِ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ
"خِتَامُهُ مِسْكٌ". [قرآن]. ((إنَّ
مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ
وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ
به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ،
وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ))الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح
البخاري الصفحة أو الرقم : 3535 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]. وتتواصل الموسيقى واللحن المعطر بسيد الكائنات بتشكيلة
مسكية تتوائم والصفات في سمة النبوة المشعة من وجه قدوتنا لتُضرب الدفوف بترنيمات تتناغم
بالمعاني الموحاة بنبراتها والتي تعكس صدى وحي الإله بترديد سحر البيان الذي يعمّ ببلاغته
وذبذبات وقعه نفوس المحبين. وهذا التماثل الصوتي باستجلاء الكيفية الكمية في تشكيل
المقاطع بتوليف كل آلات الضبط الإيقاعية برسم الأقوال والأفعال التي تنتهي به الأبيات (يردد، تعهد، يمجد، تتجسد)
يعطينا هذا التماثل صورة لمديات المحبة القائمة والدائمة التي رضعناها بحب نبينا لتبقى
حقيقة متجسدة في دواخلنا يترنم صداها وفق قوة
الإيمان وحلاوته في صدورنا.
(فَجَمَالُ يُوسُفَ مِن سِماتِ جَمَالِهِ) تعيدنا
بالمعنى الى البيت التاسع من هذه القصيدة النبيلة المنتقاة بألفاظها وحركاتها وسكناتها
من عين اللغة وبلاغتها لتعطر الجو القدسي المشحون بأطهر حب لعظيم الأخلاق سيدنا أبا
القاسم وتكشف عن النمط التحتي للحقيقة بتفاخر الأنبياء به لتلفت الأذهان بصور الإيقاع
وترنيمات وحداته الموسيقية مشيرةً الى الذكرى بمولده بوقع كلمات الإفتخار بكمٍ صوتي
غائر في عمق المعنى في تواشيح الموالد وجودة جرسها لتكسب القصيدة قيمتها الزمانية في
اجتذاب الحس مدة أطول فتأتي بـ(فكأنه) لتشبيه مجد المصطفى بالنبع الأصيل ثمّ تأتي بأخرى
للتقريب أو للظن (وَكَأنّ مِن صُلبٍ لَهُ قَد
أُولِدُوا) بإثارة تشويقٍ ذي خصوصية خاصة تدفع الى التأمل والأمل والتمني.
(صَلَوَاتُنَا مِن دُونِهِ مَرفُوضَةٌ) بعلاقة
ثنائية لنظامٍ يتناوب بموجبه المؤثر الصوتي أو الفكري أو الحسي بمجموعة أصوات موجية
تتسم بالمعنى والشكل باستحضار اليقين بأن الموت لن يفني ذكرى الكريم محمدا ﷺ . وباستفهامٍ إنكاري (أَيَمُوتُ مَنْ مَلَكَ القُلُوبَ
بِذِكْره) وايقاعٍ تصويري تخيّلي مزاناً بالقيمة
الجوهرية المتسمة بعنصر الدلالة المتسع بفناء الملوك لتمنح الشاعرة نفسها مساحة أكبر
في الحركة غير متقيدة بكيان شكلي معد سلفاً بتقرير الجواب بتركيب لغوي يمد ترنيمته
بوحدات موسيقية لتنهي القصيدة النبوية بـ (وذكره سيخلدُ) ....
بعد تحية الإعجاب بالقصيدة وبفكر صاحبتها الثاقب
نقول: أن النص الشعري هو المرآة التي يتمرآى فيه قارئه على صورة من الصور ويتعرف من
خلاله على نفسه بمعنى من المعاني.
لذلك خرجت القراءة من دائرة النطق والصوت لتغدو
فعلاً إجرائياً مؤسساً على العديد من النظريات والمبادئ تتخطى حدود الأحكام الكلاسيكية
الجاهزة. ثم أن النص بدراسته هذه يحتمل قراءات عديدة وتأويلات مستمداً فاعليته بالتقاء
القيم والتأويلات المسافرة عبر اللغة وبين ثنايا الشعر من جهة وما يمتلكه المتلقي من
مرجعيات نفسية واجتماعية وثقافية وفلسفية من جهة أخرى..
نعتذر من الشاعرة ومن القرّاء إن لم نوصل رسالتها
كما يجب ولا ندعي بأنّ هذه القراءة أصابت كثيراً، بقدر ما أثارت من نقاطٍ يستذوقها
المتلقي، وأن ما فيها من جهدٍ يغفر ما يها من نقص.
يتألف البحر الكامل من ستة أجزاء هي:
مُتَفاعِلُنْ | مُتَفاعِلُنْ | مُتَفاعِلُنْ ** مُتَفاعِلُنْ | مُتَفاعِلُنْ | مُتَفاعِلُنْ
|
وزن البحر يتكون من:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن ** متفاعلن متفاعلن متفاعلن
ضابط بحر الكامل
كمل الجمال منَ البحورِ الكاملُ ** متفاعلن متفاعلن
متفاعل
وتحايا شاكر السلمان
0 comments:
إرسال تعليق