• اخر الاخبار

    الأربعاء، 3 أغسطس 2022

    مقاربة الفكر بالنصوص آلية رئيسة في تجديد الثقافة وإخصاب المساءلة الفكرية عبر توليد الاختلافات..بقلم : رسالة الحسن

     


    إن الزخم المعرفي والمعلوماتي الهائل الذي تعيشه الإنسانية جمعاء، يحتم علينا جميعاً بلورة نظرية متكاملة للثقافة، حتى يتسنى لنا كأفراد ومؤسسات الاستفادة القصوى من هذا الزخم الضخم.

    ومن الطبيعي أن بلورة نظرية للثقافة، لا تتأتى إلا بدعم وإسناد عملية التجديد الثقافي والفكري، لما توفر هذه العملية من آفاق ثقافية جديدة، ونظرات فكرية تجمع البعد التاريخي التأصيلي، وبعد العصر وتطوراته.

    تتعدد المناهج وسبل المقاربة والفهم، لمجريات الأحداث والتطورات التي تجري في المجتمعات الإنسانية، من جراء اختلاف الايدلوجيات، ومغايرة المعايير لبعضها البعض، وذلك لأن المناهج وسبل المقاربة، ومعايير التقويم كلها نتاج الايدلوجية أو الخلفية الفكرية، التي ينطلق منها الإنسان، فما يحدث في المجتمع، قد يعتبره البعض تطوراً وتقدماً، وقد ينظر إليه البعض الآخر، كمؤشر من مؤشرات التخلف والبعد عن الجادة، واتساع دائرة تأثير الوافد على حركة المجتمع.

    أن التجديد الثقافي، يتجه إلى إفادة المجتمع الإنساني، عبر تلبية حاجاته النظرية، والإجابة على تساؤلاته ومشكلاته الفكرية. ومن هنا يصبح التجديد ضرورة حضارية، باعتبار أن الإنسان الفرد والجماعة، لا يمكنهما مواكبة تطورات العصر، إلا بعملية التجديد في النظام الثقافي، الذي يدفع الإنسان نحو الإمساك بالقضايا الجوهرية التي تهم الراهن وتجيب على تساؤلاته المصيرية. ان العالم بأجمعه يتعرض اليوم لاهتــزازات وتناقضات فكرية خطيرة، تتجلى في شتى مظاهر الحياة، وأصبحت التغيرات الفكريــة السريعة حقيقة واقعة. بل هي جزء لا يتجزأ من الحياة المعاصرة، ولم يأخذ هذا التغـــير بعداً واحداً أو حقلاً واحــــــداً، وإنما تعددت أبعاد التغيرات وحقولها، وأصبح من المستحيل التغاضي عن هذه التطورات لهذا ينبغي العمل والاجتهاد، لإزالة العوامل والأسباب التي تمنع استفادتنا من هذه التغيرات والتطورات.

    ولا شك أن الجمود والتقليد، من العوامل الأساسية التي تحول دون استفادتنا من هذه التطورات، حيث أن الجمود والتقليد، هو الذي يمنعنا من فهم متغيرات العصر ومميزات الواقع وخصائص الحياة الحضارية، مما يؤدي إلى ضياع شخصية الأمة.ولا ريب أن هناك خيطاً رفيعاً، يفصل بين الأصالة، باعتبارها مجموعة من القيم الثابتة، التي ينبغي أن تبقى. وبين الأفكار والأشكال التي تنتمي إلى دائرة التقليد التي تبلى، وعلى الإنسان أن لا يبقى أسير حدودها أو متشبثاً بأشكالها.وبطبيعة الحال، فـــإن بيان الحدود الفاصلة بين الأصالة والتقليد من مهمة أولئك العلماء والمفكرين، الذين أدركوا متغيرات العصر بشكل دقيق، كما هم مدركون إلى حقائق الأصالة.وينبغي القول في هذا الإطار، إن إخضاع عملية تحديد الحدود بين الأصالة والتقليد لأي إنسان هو الذي جعل ساحتنا الثقافية والفكرية تعيش الفوضى والاضطراب المنهجي، لغياب الحدود واختلاط الثابت بالمتغــــير، وغياب المعايير الدقيقة، لبيان ما هو من الدين والقيم الكبرى وما هو أعراف وتقاليد.وكل هذه الأمور، بحاجة إلى التجديد الثقافي والفكري، الذي يزيل الرواسب العالقة، والنتوءات الثابتة في فضائنا المعرفي من عصور الانحطاط والتخلف.

    ولهذا نلحظ دائماً اختلاف وجهات النظر، وتباين المواقف، تجاه أي تطور أو منعطف رئيسي يكون في أي مجتمع، وذلك من جراء تباين الخلفيات الفكرية والفلسفية والايدلوجية.

    فظاهرة الاستعمار مثلاً في دول العالم الثالث، تباينت على المستوى الفكري والسياسي وجهات النظر، بفعل اختلاف الخلفية الفلسفية لكل نظرة فهناك من اعتبرها ظاهرة إيجابية في المحصلة النهائية، لأنها تقوم بتحديث وتطوير قسري لشعوب العالم الثالث، وهذا ما تحتاجه هذه الشعوب. ولذلك وقف تاريخياً اصحاب هذه النظرة، موقفاً مؤيداً، وفي أحسن الحالات محايداً، تجاه ظاهرة الاستعمار، وما يقوم به من أعمال وخطط في هذا المجال.وهناك من اعتبر ظاهرة الاستعمار، ظاهرة تدميرية، وكان لها الدور الاساسي في تقويض مشاريع النهوض والتقدم والتطور، التي انطلقت في بلدان العالم الثالث.

    ولا يمكننا فهم تناقض وجهات النظر والمواقف من هذه الظاهرة وغيرها، إلا انطلاقاً من الفهم المذكور أعلاه، الذي يؤكد على ان هذا التناقض هو وليد طبيعي لاختلاف الايدلوجيات والمنطلقات الفكرية والفلسفية.

    فكل ايدلوجية تشكل لها تجسيدات اجتماعية وثقافية وسياسية، تكون هي الامتداد الحسي والخارجي، لذلك النمط من التفكير والاختيار الايدلوجي، ومن جراء تشابك المصالح، وطبيعة العلاقة التي تحدث بين المسلك والتفكير، بين المدرسة الايدلوجية والفكرية واختيارات الحياة، تكون ممارسة هذا الانسان ومواقفه المختلفة استمراراً وتوليداً للنمط الاجتماعي والسياسي، الذي ينسجم مع الايدلوجيا المختارة، وفي اقل تقدير يكون مبرراً من قبل الترسانة النظرية، التي يعتمد عليها الانسان في تسويغ اعماله او تبريرها.لهذا فإن المدخل المنهجي، لمعرفة طبيعة الاختلافات السياسية والتناقضات المجتمعية، هو ادراك وفهم الخلفيات الفكرية والفلسفية لكل طرف، فهي الارضية المناسبة لمدخل منهجي - معرفي لاستيعاب ومعرفة طبيعة التباينات والتناقضات التي تجري في الساحة المجتمعية.

    وانطلاقاً من هذه المسألة: كيف نفهم المجتمعات العربية والإسلامية ومسار تطورها، أو إخفاقاتها.

    لا يمكن ان نجيب على هذا السؤال، من خلال عملية الاسقاط المنهجي والمعرفي، لأن هذا الاسقاط في المحصلة الأخيرة يزيف الواقع ولا يوصلنا الى فهم دقيق الى طبيعة التطور او الإخفاق في المجتمعات العربية والاسلامية.

    والكثير من التجارب الفكرية والسياسية التي حاولت ان تجيب على هذا السؤال من خلال تبني منهجيات وايدلوجيات خارجية، أو بالأحرى، ليست من طبيعة هذه المجتمعات وتطورها التاريخي، باءت بالفشل وكانت تأثيراتها سلبية وسيئة. وذلك لأن هذه المنهجيات هي وليدة مجتمعات انسانية مختلفة في مسار تطورها، وعوامل اخفاقها واللحظة التاريخية التي تعيشها، عن المجتمعات العربية والاسلامية هي عملية الإسقاط المذكورة، لا تلغي الفوارق والخصائص، وانما تحاول ان تتغافل عنها، ولكن تجارب مجتمعاتنا العربية والاسلامية تدفعنا الى الاعتقاد الجازم بضرورة حضور هذه الخصائص واللحظة التاريخية التي نعيشها حينما نسعى الى بلورة منهجية - معرفية لفهم المجتمعات العربية والاسلامية، لأن هذا الحضور، يساهم بشكل مؤكد، في الوصول الى وسائل منهجية وحقائق معرفية، من صميم مسيرة المجتمعات العربية والاسلامية وتجاربها التاريخية.مقتضيات الموضوعية والعلمية، لأن المنهج العلمي لا ينفصل عن ما يحمل من مفاهيم ومعايير ونماذج مجتمعية كما ان الذي يقرر عملية تتابع أي بحث هو مدى رؤيتها للاشياء كما هي، هو مدى دفاعها الى أخذ موقف صحيح الى جانب ما هو حق وضد ما هو باطل لانتسابها الى هذا المنهج او ذاك من المناهج الغربية التي تدعي احتكار العملية على حد تعبير الاستاذ منير شفيق.

    فرؤية الواقع الاجتماعي، وفهم دينامية المجتمعات العربية والاسلامية لا يمكن لنا إلا بمنهج يعرف معرفة دقيقة طبيعة هذه المجتمعات ومسار تطورها التاريخي، فالاسلام على سبيل المثال كان له الدور الحاسم في بناء نمط المجتمعات العربية والاسلامية وهو دور لا مثيل له في المجتمعات الاخرى.وتبني منهجية، لا تدرك هذه المسألة، لا يوصل الى فهم دقيق ومحكم الى طبيعة هذه المجتمعات.لذلك نرى ان التجارب التاريخية التي طبقت في العالم العربي والاسلامي من قبل النخب السياسية والعسكرية انطلاقاً من تلك المنهجية ادت الى انحلال وتفسخ في البناء المركزي لهذه المجتمعات وعدم مشروعية هذه المنهجيات ليس نابعاً كما قد يظن البعض من انها جاءت لنا من مجتمعات اخرى، وانما لأنها تزيد من الهوة والفجوة بين الرؤية والواقع الفعلي.

    من هنا فإننا نقول، انه لا يمكن ان نفهم حركة المجتمعات العربية والاسلامية من خلال القيم والمعايير والاولويات التي تؤكد عليها المنهجيات الغريبة عن بيئتنا وواقعنا القائم وذلك لأن لكل طبيعة اجتماعية مداخل منهجية محددة تنبع في الغالب من تجاربنا ومسار تطورها.لذلك فإن فهم المجتمعات العربية والاسلامية لا يأتي عبر استيراد المنهجيات الغربية عن واقعنا ومناخنا المعرفي كما ان هذه المعرفة لا تأتي من خلال التوغل في الاساليب التقليدية والتي تنتمي الى تجارب تاريخية محددة.ان فهم المجتمعات العربية والاسلامية يأتي في إطار البعد الحضاري القيمي الذي ينبغي ان يكون هو وعاؤنا وفضاؤنا في التقويم والاداء فعن هذا الطريق وحده نتمكن من معرفة مسيرة المجتمعات العربية والاسلامية.

    فالقيم والتطلعات النابعة من البعد الحضاري هي التي تحدد، هل ان مجتمعاتنا تسير في طريق الحضارة والتقدم أم ما زالت اسيرة على القوالب والمنهجيات والآفاق، التي لا يمكن ان نقول عنها، إلا انها ليست في مستوى مجتمعاتنا وطموحاتها المتعددة والمدخل الحضاري، الذي نراه هو طريق فهم المجتمعات العربية والاسلامية يعني:

    1) ان القيم والمعايير الحضارية هي التي تحقق التوازن المطلوب، والاستقرار الضروري في المجتمعات وان أي خلل يصيب المجتمع بحيث يفقد اتزانه واستقراره يعني بالنسبة لنا ان الجهد الذي بذل لتحقيق ذلك هو جهد حضاري يتجه الى تقويض المجتمعات من الداخل.

    وهذا يدفعنا الى القول: بضرورة العناية بكل القيم الحضارية، التي تحقق التوازن وتحافظ على الاستقرار الانساني وهذا لا يعني الجمود والرتابة وانما يعني بقاء القيم والمعايير الحضارية راسخة.وفرق شاسع بين من ينشد البناء والتجديد والتطوير على قاعدة الحضارة وقيمها، وبين من يتعامل مع التطوير، وكأنه التدمير المستديم لكل مقومات الذات.

    2. ان أشكال التقدم وسلع الحضارة ليست هي معيار تقدم المجتمعات والشعوب وانما المعيار هو القدرات الحضارية والإمكانات الإنسانية التي صنعها وخلقها المجتمع. فالمهم من المنظور الحضاري هو بناء الانسان لا الجدران وتهيئة الظروف الانسانية المؤاتية للتطوير والإبداع.

    وبالتالي فإن البعد الحضاري يجعلنا نبتعد عن معايير التقويم الشكلية والكمية، والتي قد تخدعنا وتجرنا الى مواقف او القبول بوقائع ليست من صميم العملية الحضارية المنشودة.

    3) ان طريق بناء القوة متعدد بتعدد مجالات الحياة لذلك ينبغي لمجتمعاتنا العربية والاسلامية، ان تبذل جهودها في مختلف الجهات الضرورية، والتي تحقق معنى القوة في الواقع الفعلي.

    لذلك فإن تنمية القطاعات الأصلية في مجتمعاتنا والحد من براثن النمط الاستهلاكي والعمل على تقوية مؤسساتنا البحثية والعلمية والحفاظ على مقومات الشخصية العربية والاسلامية ودعم مؤسسات الإنتاج الوطني كلها اعمال واستراتيجيات توصلنا الى بناء القوة الحضارية، ولا ندرك ذلك إلا بالبعد الحضاري الذي يجعلنا نتعرف بدقة على حاجات مجتمعاتنا ومتطلباتها المصيرية.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: مقاربة الفكر بالنصوص آلية رئيسة في تجديد الثقافة وإخصاب المساءلة الفكرية عبر توليد الاختلافات..بقلم : رسالة الحسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top