في تقديري إن ما يفزع الأعداء، القريبين
منهم والبعيدين، ليس خطاب الديبلوماسية، ولا المبارزة في ميدان فقه القانون الدولي
وما تقرره المعاهدات الدولية ولا حتى قرارات مجلس الأمن والمنظمات الحقوقية الدولية؛
نعم ،ذلك مطلوب وواجب في منطق الواقع العالمي ومقتضيات العلاقات الدولية.
ولكن الذي يفزعهم هو عقيدة الأمة بأجمعها
في قضية وحدة المملكة؛ والأمة، في معنى من معانيها، هي عقيدة وتاريخ؛ تتعالى على إكراهات
منطق الواقع وما فرضه الاستعمار الغاشم من حقائق زائفة، كان الباعث عليها استدامة تحكمه
واستغلاله وابتزازه للشعوب المستعمرة، وخلق حدود أزمات بين الشعوب العربية المسلمة؛
ما يفزعهم أن الأمة تحتكم إلى عقيدة دينها وحقائق تاريخها؛ فإذا كانت حقائق تاريخها
هي من نسج عقيدتها، كما هو واقع الأمة المغربية، إذ نشأت الدولة المغربية، أول ما نشأت،
على أساس الدين؛ فكانت كل مقومات الدولة، عقيدتها وجغرافيتها وثقافتها وتقاليدها من
نسج الإسلام.
وبالتالي فلا يمكن لأي مغربي ينتمي للأمة
المغربية المسلمة أن يفرط في مقوم من مقومات وجوده؛ لأن ذلك يعتبر بمثابة انتحار يحرمه
الدين قبل الوطن، إذ لا معنى للوطن، في عقيدة الأمة المغربية، بدون دين.
إذا كان الأمر كذلك فهمنا لماذا ينعق غربان
الماركسية المغاربية بمقولة تقرير المصير، ولماذا هاج أهل شنقيط وتندوف وسجلماسة لما
سمعوا ما قاله أحمد الريسوني؛ فهم فهموا أن الريسوني تكلم منطلقا من مرجعية أعلى وأسمى
وأقوى من مرجعية استعمارية كتبت بنودها بالدم، وأن الحق الذي تؤمن به الأمة، وهو أساس
وجودها، يعلو ولا يعلى عليه، وأن زوبعة الانفصال وتقرير المصير، وفرية القانون الدولي،
لن تلبث أن تندثر، ويصير الأمر، كما كان، إلى ما أقرته حقائق الدين والتاريخ، وما توجبه
مسؤولية أداء الرسالة التي أناطها الله، بفضله، بالأمة المغربية.
والكل يعلم، إلا من تعامى، ما قامت به الأمة
المغربية، طوال تاريخها، جهادا، في سبيل الدفاع عن الإسلام ونشره وحفظه، بحفظ الله،
في إقريقيا وحتى آسيا، ويعلم الجميع كم من الدماء بذل المغاربة في نصرة قضايا الإسلام
والمسلمين.
ولهذا يتوجس الانفصاليون والعاقون للأمة
المغربية من الهبّة المنتظرة للمغاربة، وهو نفس ما أشار إليه الريسوني وألمح إليه،
للدفاع عن الأمة والجهاد بالمال والنفس في سبيل محو آثار جرائم الاستعمار وتحقيق الوحدة
المغربية. وسيأتي اليوم الذي تعود فيه شنقيط وتندوف وسجلماسة كلها. و إلى حكم سيادة
الأمة المغربية.
وأما ثقل إكراهات الواقع الدولي الحالي فهي إلى تبدل
وزوال، وقد بدأت معالم التبدل تظهر فعلا، وبدا ذلك أيضا، لمن يفهم لغة الإشارة والدلالة،
في خطاب جلالة الملك؛ فخطاباته، في عمقها، تمتح من معين حقيقة وجود الأمة المغربية،
وهو في كل مرة يشدد على هذه الحقيقة الثابتة الراسخة. نحن نعلم أن شعور حكام الجزائر،
وبدرجة أقل شنقيط، يشعرون بعقدة الذوبان، دينيا وتاريخيا وحضاريا وثقافيا، في الهوية
والخصوصية المغربية، وهم يجتهدون في اختلاق هوية خاصة بهم، ولكن المساكين يسقط في أيديهم
حين يسمعون ماكرون يذكرهم، وقبله ديغول، أن ما يسمى بالجزائر هو كيان في صناعة فرنسية؛
نعم تلك هي الحقيقة، ففرنسا هي من صنعت جغرافية الجزائر، وهي من بنت عاصمة الكيان،
وكذلك الأمر بالنسبة لشنقيط. وقد انتفظ بالأمس علال الفاسي، رحمه الله، وانتفض الريسوني،
مذكرا، اليوم، وسيأتي اليوم، الذي يهيئه الله تعالى،الذي ينتفض فيه المغاربة كلهم ملكا
وشعبا، ويقولوا بصوت واحد: كفى عبثا.
0 comments:
إرسال تعليق