ظهرت في السنوات الأخيرة القريبة وقبل سُنياتٍ قليلةٍ ظاهرة المتاجرة بالقرآن الكريم، حالها حال المتاجرة بالأعضاء ، والمتاجرة ببيع المعلومات الدولية وغيرها ، فالبعض من أنصافِ المثقفين حاول الصعودَ وكسب الشهرة من خلال التّكسّب المحرّم والتلاعب بالآيات القرآنية الكريمة، ولا أعتقد أنّ هؤلاء من المصلين، فغالبيتهم لا يعرفون أين هو اتجاه القبلة الشريفة ، فشّمروا عن أيديهم وجهّزوا أقلامهم ليعلنوا اكتشافهم الموهوم بوجود بحور الشعر العربية في القرآن العربي !!
وكأنّ العالم الإسلامي
وجامعاته ومؤسساته ورجالاته بشتى مذاهبهم في سباتٍ عميقٍ لا يعرفون القرآن ولا يجيدون
اللغة العربية، ليأتي هذا الجاهلُ أو ذاك باكتشافه الذي يسميه ضخمًا مدّعيًا أنّه اكتشف
وجود بحور الشعر بالقرآن الكريم !!
فحمل قلمه وشمّر
عن ذراعيه من أجل أن يقوم بتأليف كتابه المزعوم هذا ، فجمع بعض الآيات والتي قام بإعادة
تدويرٍ لبعض التفعيلات الشعرية، ولم يترك زحافًا ولا قبيحًا إلّا واستخدمه من أجل أن
يثبت بأن هذه الآية على وزن الوافر، وتلك الآية على وزن بحر الكامل، وأخرى على بحر
الطويل، وإلى الآن مازلنا نحمله على محمل الجهل المركب ولربما هنالك عملية متاجرةٍ
وتكسّبٍ ضخمٍ خلف الكواليس، فكتابه هذا لن يُقبل على قراءته إلا الباحث أو الجاهل،
أما الإنسان الواعي فلا حاجة له به، ولعلّ عملية تسويق الكتاب هو الدفة الثانية والمكسب
اﻷصغر لهذه المتاجرة ، لتبقى الدفة الثانية هي اﻷدسم واﻷربح والأثقل .
إنّ التلاعب والمتاجرة
بالقرآن الكريم ليست باﻷمر الهيّن، لذلك ليس من عاقلٍ يعرض نفسه ودينه لهذا إلّا أن
يكون له هدفٌ من ورائه جني أموالٍ ليست بالقليلة طمع بها وباع دينه وضميره لأجلها،
ولو كان المؤلف أجنبيا وغير مسلمٍ لربما له العذر بسبب اختلاف الدين والعقيدة ، لكن
أن يكون هذا المؤلف مسلمًا عربيًا فهنا الطامة الكبرى .
وألخصّ أهمّ نقاط
الإيضاح اللغوية في الآتي :
١- تتألف كلمة
اللغة العربية من حرفٍ واسمٍ وفعل " من رغب بالمزيد فليرجع لكتب النحو والصرف
".
٢- وردت في القرآن
الكريم كافة التفاعيل العربية الرباعية والخماسية والسداسية والثمانية إضافة إلى الثنائية والثلاثية القصيرة، والتي عادةً ما تأتي في أفعال
اﻷمر.
٣- تفاعيل الشعر
العربي الذي توصل إلى إدراكها الخليل بن أحمد رحمه الله لا تخرج عن تفاعيل القرآن الكريم،
بل هي أقلّ من ذلك ، حيث لم ترد التفاعيل الثمانية أو السداسية في بحور الشعر الخليلية
، ووردت مؤخرا على أيدي بعض الشعراء المستحدثين.
٤- * القرآن الكريم
نزل عربيًا بحتًا، وبلغة العرب، وبالتفاعيل العربية، ولم ينزل بغير العربية .
* الشعر العربي وأوزانه كتب باللغة العربية وبالتفاعيل
العربية .
فمن الطبيعي جدًا وجود تفاعيل اللغة العربية
بالقرآن الكريم و بالشعر
العربي طالما جمعتهما لغةٌ واحدة فسبحان من
علّم الانسان مالم يعلم.
. * وجود تفاعيل اللغة العربية بالقرآن الكريم لا
يعني مطلقا بأنّه شعر، فالشعر له قواعده الخاصة به، والملزمة له من اتحاد تفاعيل الشطر
اﻷول بالشطر الثاني، ولكل بحرٍ تفعيلاته الخاصة به ليخرج في النهاية بقصيدة تتساوى
فيها كل أبياتها وقوافيها، وهذا مالا وجود له مطلقًا بالقرآن الكريم، فتفاعيل اللغة
العربية لا تغيب مطلقًا عن أساتذة الآداب واللغة
العربية، والشعراء والمثقفون.
٥- على هؤلاء الّذين
يزعمون وجود البحر كذا والبحر كذا في القرآن الكريم عليهم الرجوع ثانيةً لمقاعد المرحلة
الإبتدائية كي يتعرفوا على تفاعيل اللغة العربية بدلًا من هذا التّخبط العشوائي .
٦- نجد في القرآن
الكريم أسلوبًا بلاغيًا عذبًا يشدّ ذهن المستمع له، تقوم بلاغته على استخدامات هذه
التفاعيل من تناسقٍ بلاغيّ للكلام فهو ليس بشعرٍ، وليس بسجع، بل هو إعجازٌ بلاغيٌّ
تحدّى الله به الجاهلية وإلى الآن بأن يأتوا بسورةٍ من مثله، ولا يخفى بأنّ هنالك دراساتٌ
علمية وأكاديمية في بلاغة القرآن الكريم تشير لمثل هذه التفاعيل والأوزان والتناسق
الجمالي في سبك جُمل القران الكريم ومفرداته من قبيل الدراسات البلاغية القرآنية، لا
العبثيات الناجمة عن جهلٍ أو تضليل.
0 comments:
إرسال تعليق