أيها السيد العارف... أما كفانا موتاً؟ ص11 من الرواية
ينشأ قلق الموت
الوجودي من المعرفة الأساسية التي تنص على أن حياة الإنسان لابد وأن تنتهي، ويعتبر
هذا النوع أكثر الأنواع قوة. يقال أن اللغة قد أوجدت أساسيات قلق الموت الوجودي عن
طريق التغييرات التواصلية والسلوكية.
قام عالم النفس
التربوي ايريك ايريكسون بصياغة نظرية نفسية اجتماعية توضح أن الناس يحرزون تقدماً من
خلال سلسلة من الأزمات مع تقدمهم في العمر، وتفسر هذه النظرية أيضاً المفهوم الذي يقول
أنه بمجرد وصول الشخص إلى آخر مراحل حياته فإنه يصل إلى مرحلة أسماها ايريك «مرحلة تكامل الذات». يحدث تكامل الذات عندما يتصالح المرء
مع حياته ويتقبلها. ويقال أيضاً أن وصول الشخص إلى مرحلة الرشد المتأخرة يجعله يرى
حياته بنظرة عامة حتى تلك اللحظة. عندما يستطيع المرء إيجاد معنى لحياته فإنه يكون
قد وصل إلى مرحلة تكامل الذات، وعكس ذلك فإنه عندما ينظر الفرد إلى حياته كسلسلة من
الفرص الضائعة فإنه لن يصل إلى مرحلة تكامل الذات. يُعتقد أيضاً أن كبار السن الذين
وصلوا إلى مرحلة تكامل الذات هم أقل عرضة للتأثر بقلق الموت.
ومن هنا كتب شوقي
كريم حسن روايته نهر الرمان( تجربة موت) وهو قد شارف على السبعين وأن كان يحمل ألق
الحياة ونشاطها، ولكنه قد يرى أنه وصل إلى مرحلة تكامل الذات.
(حين تلج فراغ
أزمنتك، ما عليك سوى تأمل المساحات التي يتوجب عليك محو أثارها لتكون الحقيقية هي المشعل
الوحيد الذي يضيء لك الدروب، ولكن غبار الوحدة يرمي أمام اجاباتك المسدوحة مثل توابيت)
ص11
وهنا الدلالة على
مخاطبة شوقي ذاته، من خلال التكامل في التأمل.
كعادته يذهب شوقي
ومع اغلب رواياته الهم الانساني في رصد الخراب
العراقي في أزمنة الدكتاتورية والحروب والاحتلال وسلطة الطوائف، والأطلالة على حياة الناس وعواطفهم
وارهاصاتهم الانسانية
ولا ينفك اسلوب شوقي من ان يكون بلغة شعرية رشيقة
مباشرة مبسطة تجتاح القارئ لتدعوه لان يعيش مع رواية عبر سياق
زمني ومكاني بما يمكن الكاتب والمتلقي من كشف حجاب الفكرة وما
قد تستره اللغة الانية في النص الروائي الذي
لا يحتمل فوق طاقته اي مساحة او مسافة بينهما.
( موتكم عند ابواب
الحانات والأمكنة الفاسدة هو خير ألف مرة من أن تتحولوا إلى اشلاء تفتح الطرقات إلى
موت أخر)ص13
للسرد الروائي
وبحسب الناقد الفرنسي رولان بارت الذي يرى
انه لا يوجد شعب في اي زمان او مكان من غير
قصة او نص سردي، وضف شوقي المحنة والموت معًا لمحنة لوجود علائق مشتركة، لذلك فمن الوهلة
الاولى تجده يتماهى مع متن الرواية.
( خشبة المسرح
مكتظة بالفراغ الذي نعيشه، منذ اندلاق نيران الحروب) ص15
راوغ الكاتب وهو
تحت وطأة أيديولوجية ما تتحكم بالكتابة التنوع الذي قد يكون إشكالياً، خصوصاً عندما
تترجم جمله إلى خطابات السياسية وصراعات في
رسم خارطة لما يمكن الكتابة عنه أو حتى تخيله، فكان فعل الكتابة هو نقيض المحو بكل معانيه في الرواية، اختراق عوالم غريبة وتقمص الآخر والتسلل إلى مناطق
أخرى، وهذا إلى محنة الفرد في وصراعه.
شوقي مهووس بالمهمّشين
والمسحوقين والمسجونين، ويؤرخ أن التاريخ السياسي والبيئي عمل كجرافة تسحق كل من يقف
في الطبقات والطوائف على الجثث والركام ويبني قصوراً ونصباً تمجد المنتصرين، هو معني بالمهزومين
والمقبورين وبانتشال أشلائهم من تحت الأنقاض والاستماع إلى حكاياتهم، وهو واحد من هؤلاء
الذين حشرهم التاريخ في زاوية لا يستطيعون الفكاك منها، بالرغم من كل شيء، فهو يصطدم
بالموت بشكل يومي ولا ينجح في الهرب منه.
0 comments:
إرسال تعليق