في كل يكتب الروائي
شوقي كريم يتجسد بين طيات حروفه المنهكة كل معنى للضياع وتيه الإنسان واغترابه داخل
روحه المعذبة التي تبحث بين انقاض الزمن عن وسيلة تصل بها إلى بر الأمان عند تلك الاعتاب
البعيدة للامل المنشود والرغبة الجامحة لعناق الأشياء الجميلة التي لطالما ظلت تحلم
في الولوج بدهاليزها المقفرة والموحشة ،لكن بصيص الأمل يظل يراودها بين الفينة والأخرى
حتى تتكدس الأيام معتمة ثقيلة عند بواباتها المشرعة لرياح عاصفة مايزال صفيرها المرعب
يملأ الارجاء من حولها...
وفي روايته( نهر
الرمان) يتحدث شوقي كريم مرة أخرى عن عوالم غريبة وتجارب لموت محقق..موت قد يبدو للوهلة
الأولى أنه رحلة إلى العالم الآخر العالم الذي يرعب الكثير من الناس، ويظل هكذا يتحدث
إلى نفسه وجها لوجه وبصراحة عهدها هو منذ أن انفلتت لجام خيله وغادرت إلى حيث الفضاء
المفتوح...( لا تجرؤ،الليلة، على اجتياز حواجز الأسئلة التي دوت مثل إنفجار عبوة، وسط
ضجيج الراكظين بحزن صوب فراغ اعتادوا العيش بين ركام خرابه، تظل روحك تنفش ريش انهيارها،منذ
عدة أعوام وهي تقاوم الوجع الذي صار مستحيلا ،في الزمن الذي نعيش فيه، كسرت جناحيك
الأيام وكل ما عليك فعله، رفع رايات قبولك واستسلامك لا طائل من مقاومة تلك الأنقاض التي تسميها(انا)
...) في هذا المشهد يوضح لنا شوقي كريم عن كم هائل من الخوف و الهواجس وهي تجوس أعماقه
بعد أن تقرر أن يدخل ذلك العالم المريب الذي فرضته الظروف عليه وحتمية القدر ،في البحث
عن إجابات عديدة وفريدة لما يجول في خياله الجامح من أسئلة غريبة تراودها أحلام النهاية
التي ما بعدها عودة إلى الحياة، و هو ينظر إلى طبيبة التخدير والمكان المحاط بأجهزة
مختلفة تساعد على إعادة دقات القلب الموجع والمتعب إلى وضعها الطبيعي، ونراه يحاول
أن يتخطى تلك الحدود التي يرسمها شبح الموت الآتي..ووجع الفؤاد الذي يحمله كصليب في
منافي الهموم والقهر والضياع فيحاول جاهدا أن يبعد تلك الهواجس والمخاوف بأن يهمس لها
:
- ماذا لو طلبت
منك الارتباط الآن؟!
وبعد أن تنفجر
بضحكة عسلية..ترد عليه
- قل لي كيف ؟!
وانت تغادر إلى حيث لا أحد يدري ؟!!
لقد تمكن الروائي
شوقي كريم في هذه المشاهد والحوارات أن يوهم من حوله بأنه لا يخاف ولا يخشى أي احتمال..ويعبر
عما في داخله من يأس وقنوط على الحياة التي لم تتسع في يوم من الأيام إلى منحه مساحة
كافية لتحقيق حلم واحد من أحلامه التي رافقته منذ طفولته وهو مازال يتذكر إلى الآن
تلك المرأة المتشحة بالسواد وهي ترتل التسابيح التي اعتادت ترتيلها عند كل غروب( ربي
منك أطلب لا من سواك، امنحه حكمة القول وجلال الفعل وابعده رعونة الطريق ) ...
يذكرني الكاتب
شوقي كريم برأي سديد للباحث والروائي التونسي جميل فتحي الهمامي حول جمالية الموت في
الرواية...بقوله..فالثابت في جمالية الموت في الرواية يبدو في مستوى التحولات الافقية
والعمودية للخط السردي داخلها أي في الزمان والمكان وفي إختيار بطل يعمل مع الموت وجها
لوجه ...
ومما تقدم أقول
أن شوقي كريم في روايته( نهر الرمان ) تجربة موت، كان يخوض معركة مع نفسه ومن حوله
وفي خضمها تولدت لديه قناعات بأن لكل إنسان نهاية يحتمها القدر عليه فيطاله ..وقد أعترف
هو صراحة عند قوله ( ما الموت ذلك السؤال الذي لا يمكن أن تجد له اجابه مهما حاولت
البحث والتقصي، تلك رحلة بدأت منذ التكوين الإنساني الأول ولم أجد لها توقفا أو انتهاء
الا عند تلك اللحظة التي لا ملامح لها، لحظة غريبة تأخذك إلى نظرات الجراح ولهفة مرافقيه،
الخالية من الود والالفة والشفقة، حين رأيت إليهم ابتسمت ،لأنهم وعن قصد حولوني إلى
كائن يشبه الفراغ، تلك اللحظة عشتها بكل مخاوفها واحباطاتها، وأنا احمل على ظهري صليبا
وطراوة حنجرة تردد ذات السؤال الأزلي: ما الموت،!)...
أقول أن( نهر الرمان
) رواية كتبت بأسلوب التداعي والسرد غير الممل عالم غريب مشحون بالكثير من الفلسفة
الروحية والوجدانية التي كان يعيشها الكاتب وهو يقترب من جادة الموت بخطى تزحف أمامه
مثل الأفاعي تنشر في صحراء قاحلة ...لكنه ورغم كل ذلك الخوف والفزع من شبح الموت الذي
يراوده ظل في أعتى حالة من الصمود والرضوخ إلى الأمر الواقع وإلى نظرات حالمة كانت
تشاغله عن بعد وتبعث في روحه الطمأنينة والأمل بالعودة إلى الحياة مرة أخرى...حقا أنها
رواية وجدانية وممتعة.
0 comments:
إرسال تعليق