الشاعر عادل الغرابي ... يعرفه الوسط
الأدبي شاعراً يصنع من يأسه أملاً ، ينحته من قلبه وروحه .
غير اننا نتفاجأ حين نراه في قصيدته
الرائعة ( رحيل نبي ) عاكفاً على تصوير يأسه ، مبدعاً فيه وكأن وقدة الحياة في دمه
قد خمدت ، وان المطامح عند سنيّهِ قد ضعفت ، فيفزع بنفسه الى محراب النعي .
وشاعرنا قد اعتمد في تصوير رحيل نبيّهِ
على الملكة والذوق اللذين وفّقا بين
الخواطر ، ونسّقا بين المشاهد التصويرية على اساس الوجدان لخفايا جسدٍ عليل ،
وبواعث حيوية لنصّ جميل . وهنا يقف القارئ
متحيراً امام هكذا نص اعتمد الوضوح والدقة ليكوّن منهما خليطاً رائقاً ، وشعوراً
نبيلاً لصور وأشتات من الأحاسيس التي لاتحدّها حدود .
ذلكم هو الاخراج الفني لقصة أمل انفرطت
حباته فتناثرت ، حتى انفرد شاعرنا بلياليه للنجوى اذ ْ تستيقظ فيه الذكريات في وقت
تهجع فيه كل الكائنات .
رجل هو درّة عصره ، ينفر ُ من الضوء
فيلتجئ للعتمة ، ويستنكر الضجيج فيلتحف الوحشة ، ولايتأبط في سفر خلوده سوى السكون
العميق ، فهو وان كان سيرويه الحمام ندياً ، الا انه فنان يخلق من موته نبوءة فنية
حين تتوقف قيمة الفنان على خبرته بعلم الغيوب والأجواء ، وهو شاعر سيفصح المعنى
بذاك جلياً حين يركّز على الإنفعال عند نقطة الإثارة والترميز ، وهو سيد الرؤيا
وفارسها حين يكون أشبه بمولود خرج الى الحياة قبل موعده .
انها قصة الألم الإنساني وحكاية نبيء داخلي ،
حين تتوجه الأنغام من نبض فؤاده الى مستودع عميق تنطمس فيه معالم الطريق وتنمحي
عنده الأبعاد ، فهو وان كان كوناً من النبض البياض فؤاده المبتل حباً بكرةً وعشياً
، لكنه يحمل على كفّيه أسطورةَ موته ، ويسعى الى تأكيدها لكل المصحرين بألواحه
التي نطقت بوابل غيثه .
لقد التقت خواطرُ نبيئه ، وآلامُه ، في
صلاة واحدة ، عند محراب واحد ، وكلاهما صادق في هويته ، مخلص في تجربته ، يربط بين
الخيوط الوجدانية لينشرها على شفاه قرّائه نبوءةً ثكلى ، ولحناً علوياً طاهراً
يتجلى ، وكأنه يربط الوفاء لذكراه عند عدل
مضاع ، مع الإنصاف في آخر المطاف ، حين لايجوز هنا الا الإنصاف ، هذا الوفاء الذي
يترك جو الطبيعة الأم الى جو الأمل اليائس في صرخة يطلقها نبيّهُ تنهار أمامها معاول
الرياح ، وتنهال من تحتها روافد الشعر وهي تتصل بنهره العذب وتحاذي مجراه المستمر
وتمتد معه بإمتدادها الأخير وتتشابك مع بقية الخطوط الأخرى لتجتمع في خط واحد حيوي
هو الإبداع عند نبيء عادل الغرابي .
وفي ( رحيل نبي ) نجد تنوع الرؤى
والأطياف لهذه المقطوعة الإبداعية التي يجب ان تطول لجمالها ، وكذلك لأنها بمكان
القلب في قصائده حين يكون قادراً على تنظيم حركات
النبض في كل شرايين مقطوعاته الشعرية .
وهو في هذه المقطوعة الرائعة يصور لنا
ختام المعركة بين بنات خياله وآلام واقعه
حين تنشب داخل نفسه أوارها ، فيكتوي بنارها قلبُه ، وتمتلئ بغبارها عيناه .
واذ تُختتَم هذه المعركة فإنها تنجلي
عن شهيد أملٍ ، وصريع ظنونٍ ،متضرعاً ومستجيراً بذكرى علّها تنصف فيه نبيئه
المغترب .
رَحـيـلُ نَـبـي / الشاعر عادل الغرابي
//////////////////////
رَجُـلٌ سَـيَـرويـهِ الـحَـمـامُ
نَـديَّــا
وَسَـيُـفـصِـحُ الـمـعـنـى بِـذاكَ
جَـلـيَّــا
:
:
رَجُـلٌ سَـيَـرحَـلُ وَهـوَ دُرَّةُ
عَـصـرهِ
مُـتَـأبَّـطـاً سِـفْـرَ الـخُـلـودِ
فَـتـيَّــا
:
:
هـوَ سَـيِّـدُ الـرُّؤيـا
وَفـارِسُـهـا الـذي
خَـبَـرَ الـغُـيـوبَ الـرَّائِـعـاتِ
نَـبـيَّــا
:
:
هـوَ مَـنْ أَحَـبَّـتْـهُ
الـسَّـمـاءُ فَـأَرسَـلَـتْ
أَمـلاكـهـا كـي تَـجـتَـبـيـهِ
صَـفـيَّــا
:
:
كـونٌ مِـنَ الـنَّـبـضِ الـبَـيـاضِ
فُـؤادُهُ ال
مُـبـتـلُّ حُـبَّـاً بُـكـرةً
وعـشـيَّــا
:
:
أَلـواحُـهُ نَـطَـقَـتْ بِـوابِـلِ
غَـيـثِـهِ
لـلـمُـصـحـريـنَ وأَيَّـدَتْـهُ
زَكـيَّــا
:
:
لـكِـنَّـهُـمْ جَـحَـدوهُ ذاتَ
قَـطـيـعَـةٍ
لِـيُـسَـفَّـهـوهُ وَيُـعـلِـنـوهُ
شَـقـيَّـا
:
:
نَـبَـذوهُ فـامـتَـهَـنَ الـبُـكـاءَ
مَـديـنـةً
تَـنـأى بِـجـانِـبِـهِ الـطَّـهـورِ
قَـصـيَّــا
:
:
وَلَـسَـوفَ يَـقـضـي نَـحـبَـهُ
مُـتَـجَـرِّداً
عـن كُـلِّ ألـوانِ الـنِّـفـاقِ
عَـصـيَّــا
:
:
لـم يُـمـعِـنِ الـتَّـأريـخُ عِـنـدَ
حَـيـاتِـهِ
فـيـمـا رواهُ عـنِ الـسَّـمـاءِ
حَـفـيَّــا
:
:
لـكـنْ سَـيُـفـضـي بَـعـدَ ذلـكَ
مُـرغَـمـاً
لـلـمُـتـعَـبـيـنَ لِـيَـنـدِبـوهُ
بُـكـيَّــا
:
:
ولـيـنـشـروهُ عـلـى الـشِّـفـاهِ
قَـصـيـدةً
ثَـكْـلـى وَلَـحـنــاً طـاهـراً
عَـلَـويَّــا
:
:
لِـيُـرَمِّـمـوا الـذِّكـرى هُـنـاكَ
ويُـنـصِـفـوا
مَـنْ كـانَ لِـلـعـدلِ الـمُـضـاعِ
سَـمـيَّــا
0 comments:
إرسال تعليق