بعد نزول الوحي، بدأت مرحلة جديدة في حياة النبي وصحابته، حيث واجهوا أقسى صور العناد والاضطهاد من قريش. لم تكن الدعوة إلى "لا إله إلا الله" مجرد كلمة، بل كانت ثورة على الموروثات الباطلة ومصالح السادة المتجبرين.
تعرّض النبي لألوان شتى من الإيذاء: سخرية، تشويه،
حصار، مقاطعة، بل وصل الأمر أن وُضِع سَلَى الجزور على ظهره وهو ساجد عند الكعبة.
ومع ذلك، لم يرد الإساءة بإساءة، بل قابل الأذى بالصبر والثبات، وغرس في أصحابه
قيمة الصمود أمام الظلم.
أما المسلمون الأوائل، فقد دفعوا أثماناً باهظة: عُذِّب
بلال تحت الشمس وهو يردد "أحدٌ أحد"، وهاجر بعضهم إلى الحبشة فراراً
بدينهم، وذاق آل ياسر مرارة العذاب حتى استُشهدت سمية، أول شهيدة في الإسلام. ورغم
ذلك لم يتراجعوا، بل ازدادت عزيمتهم رسوخاً.
بلغ الأذى مداه حين قررت قريش فرض حصار اقتصادي واجتماعي
على المسلمين في "شِعْب أبي طالب"، فذاقوا الجوع والعزلة لسنوات. لكنهم
صبروا محتسبين، حتى جاء الفرج. ثم جاء القرار الإلهي بالهجرة إلى المدينة، لتبدأ
صفحة جديدة من الدعوة، قائمة على بناء المجتمع والدولة.
إن تجربة مكة والهجرة تحمل رسائل بليغة لشباب اليوم:
*أن طريق الإصلاح مليء بالتحديات، ولا نجاح دون صبر.
*أن الثبات على المبدأ هو أعظم سلاح في مواجهة الظلم.
*أن كل محنة قد تكون مقدمة لمنحة، فالهجرة التي جاءت بعد
المعاناة كانت بداية الانتصارات.
*وهكذا يعلّمنا التاريخ أن الصبر ليس ضعفاً، بل هو قوة
تُبنى بها الأمم، وأن الهجرة لم تكن فراراً بل انتقالاً من مرحلة الصبر إلى مرحلة
البناء.

0 comments:
إرسال تعليق