في ليلة من ليالي رمضان المباركة، وفي غار حراء على جبل
النور، كان شاب في الأربعين من عمره يعتزل ضوضاء مكة وضجيجها، يتأمل في الكون
ويبحث عن الحق وسط ظلام الجاهلية. إنه محمد بن عبد الله ﷺ، الذي هيأه الله منذ
صغره ليكون رسولاً للعالمين.
وفي تلك الليلة العظيمة نزل جبريل عليه السلام بالوحي
لأول مرة، فكان النداء الخالد: "اقرأ". كلمة واحدة هزّت قلب النبي ﷺ،
وأرست دعائم حضارة تقوم على العلم والوعي والمعرفة. لقد كان هذا النداء إيذاناً
بانطلاق أعظم رسالة عرفتها الإنسانية، رسالة تُحرر الإنسان من عبادة الحجر والبشر
إلى عبادة الله الواحد الأحد.
أحس النبي ﷺ برهبة التجربة، فعاد إلى بيته يرتجف، وهو
يردد: "زملوني.. زملوني". وهناك كان الموقف العظيم للسيدة خديجة رضي
الله عنها، التي أحاطته بالثقة والطمأنينة، وقالت كلمتها المضيئة: "والله لا
يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم،
وتعين على نوائب الدهر". لقد كانت أول من آمن به، وأول من ثبت قلبه في لحظة
التردد.
فيا عزيزى القارئ -القاصى والدانى - إن بداية الرسالة
تحمل في طياتها دروساً خالدة لشبابنا اليوم:
*أن أول كلمة في الإسلام كانت "اقرأ"، أي أن
طريق النهضة يبدأ بالعلم والوعي، لا بالجهل والتبعية.
*أن النجاح يحتاج إلى سند معنوي، كما كان النبي ﷺ يستند
إلى خديجة، مما يؤكد قيمة الشراكة والدعم الأسري والاجتماعي.
*أن التغيير الحقيقي يبدأ من النفس، ثم يمتد ليشمل
المجتمع بأسره.
فى النهاية بقى أن أقول: إن نزول الوحي لم يكن حدثاً
دينياً فحسب، بل كان إعلاناً لبداية حضارة العلم والحرية والعدل. حضارة لا تزال
تدعو شبابنا اليوم إلى أن يجعلوا من "اقرأ" شعاراً ومنهجاً في حياتهم،
حتى يكونوا بحق ورثة هذه الرسالة العظيمة.

0 comments:
إرسال تعليق