لم يكن مولد سيدنا محمد ﷺ مجرد بداية لحياة عادية، بل
كان تمهيداً لمسيرة إنسانية عظيمة. وإذا كان اليُتم قد شكّل أول ملامح حياته، فإن
شبابه جاء ليعلن عن شخصية استثنائية تُعدّها العناية الإلهية لتحمل الرسالة
الخالدة.
ففي سنواته الأولى عمل راعياً للغنم، وهي المهنة التي
غرست فيه قيم الصبر والتأمل والمسؤولية. لم يعرف الرفاهية، بل عاش حياة الكدّ
والاعتماد على النفس، ليكون قريباً من واقع البسطاء والفقراء. ثم دخل عالم
التجارة، فأثبت أمانته ودقته وصدقه، حتى لُقّب بين قومه بـ"الصادق
الأمين"، وهو اللقب الذي لم ينله أحد قبله ولا بعده.
فلم يكن هذا اللقب مجرد وصف، بل شهادة من المجتمع كله
على صفاء سريرته ونقاء معاملاته، وهو ما دفع السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
إلى أن تثق به في تجارتها، ثم إلى أن تختاره زوجاً شريك حياة، بعد أن رأت فيه
رجلاً يختلف عن بقية رجال مكة خُلقاً وقيماً.
إن شباب النبي يقدم لنا صورة حية للشباب الناجح: لم
يسلك طريق الانحراف الذي كان شائعاً بين أقرانه من لهو وعبادة أصنام، بل رسم لنفسه
خطاً متميزاً يقوم على الصدق والأمانة والإخلاص في العمل. تلك القيم التي جعلته
مؤهلاً لقيادة الأمة فيما بعد.
وشباب اليوم أحوج ما يكونون إلى استلهام هذه القيم:
*إن البدايات المتواضعة ليست عيباً، بل قد تكون طريقاً
للريادة.
*أن الصدق والأمانة في الكلمة والعمل هما رأس المال
الحقيقي في زمن كثرت فيه المغريات.
*أن النجاح لا يقاس بالمال فقط، بل بما تتركه من أثر
وثقة في نفوس الناس.
فى النهاية بقى أن أقول؛ يظل لقب "الصادق الأمين"
أعظم وسام حصل عليه شاب في التاريخ، وأقوى رسالة إلى شبابنا بأن بناء الشخصية يبدأ
من القيم لا من المظاهر، ومن الصدق لا من الادعاء.

0 comments:
إرسال تعليق