كتب: حافظ الشاعر
صدرت عن منشورات المتوسط_إيطاليا،
الرواية الأولى للشاعر والمترجم المغربي مبارك وسّاط، حملت اسم السيدة وديعة خُفاف
والتي حين سنتعرف عليها لن يتبادر إلى أذهاننا سوى الحب في أشد المراحل عنفواناً
وتأثيراً، الحب في مرحلة المراهقة. ولكنه لفضل نهايته التراجيدية جعلته مهيمناً
على الذاكرة حتى في مرحلة النضج، وكأنه هو الذي يصنعها باستمرار.
قد تبدو فكرة الرواية شعرية،
فحضور «وديعة خُفاف» يبدو وكأنه حضورٌ عابرٌ، فقد تم ذكرها مرات قليلة، ولولا أن
اسمها هو عنوان الرواية فقد لا يلفت نظر القارئ، إنه حضور متخفٍّ، كامنٌ خلف
الرواية، وخلف الشخصيات، لكنه متأهّبٌ للانقضاض بأية لحظة على الأحداث. هو، أيضاً،
مترقَّب، فالقارئ لا ينفك يبحث عن «وديعة» هذه، ولن يجدها إلا عبر مصيرها الصادم.
ومن خلال ذاكرة «فارس» الحاضرة
والمتوهجة، سنتعرف على الاتجاهات السياسية لـه ولأصدقائه، في مطلع ومنتصف
السبعينيات من القرن الفائت. ثم نتعرف على المجموعة ذاتها في منتصف الثمانينيات
حيث النضج والمصائر التي قُرّرت.
في هذه الرواية الأولى لهذا
الشاعر «الكثير» سنكون مع الناس في تعدد اتجاهاتهم وميولهم الثقافية والاجتماعية
والدينية، ونذهب حتى إلى القرى المجهولة وأبعد.
عن الكاتب: مبارك وسّاط
مبارك وساط: شاعر ومُتَرجِم
مَغربي. وُلِد في 16-10-1955. اشتغل بتدريس الفلسفة حتّى 2005.
صدر له في الشعر: مجموعة “على
دَرَج المياه العميقة” 1990-2001، و”مَحفوفا بأرخبيلات...” 2001ـ و”راية الهواء” 2001،
“فراشة من هيدروجين” 2008، و”رجل يبتسم للعصافير”، و”عيون طالما سافرتْ” 2017. وبالفرنسية
مجموعة “برق في غابة” 2010.
ترجم الكثير إلى العربية ومنها: “نادجا”
لأندري بريتون 2010، و”التّحوّل” لفرانتس
كافكا 2012. حَصل على جائزة سركون بولص للشِّعر وترجمته 2018.
أمّا “وديعة خُفاف”، فهي روايته
الأولى.
من الكتاب:
... والآن، فهو يتأمَّل السّقف. وبعض البُقع
الداكنة سوداء الحوافِّ تتحوَّل إلى أجزاء من عجلات مُسَنَّنة، وأُخرى إلى قِطع
معوجَّة منْ مناشير، وثالثة تكبر وتنتشر، ورابعة تنقلب وجوهاً تُقَهقه، تُقَهقه،
وفارس يُسايِرها في القهقهة قليلاً، لكنّه، في لحظةٍ مَّا، يجد نفسه في الخارج،
وها هو يستمرُّ في المشي، ويقطع أرضاً خَلَاء، في اتِّجاه مدينةٍ مَّا. تمرُّ
سيَّارة بجانبه، تسير متقلقلة، يُطِلُّ مِنها حَمَّا ويضحك، لكنَّه لا يتوقَّف
لِيُرْكِبَه معه. يَحزن فارس لذلك، لكنَّه سرعان ما يَفهم: فواحدة مِن العجلَتَيْن
الخلفيَّتَيْن للسَّيَّارة لم تكن موجودة في مكانها. لقد طارتْ كما نقول، يُفَكِّر
فارس ويضحك. يسأم مِن المَشي. لا سيَّارة تتوقَّف وتُقِلُّه. لكنْ، مِن حقلٍ إلى
يمينه، تُقْبِل نحوه دجاجة روميَّة. وكلَّما اقتربتْ منه أكثر، يتعاظم حجمُ جسمها.
تنطلق أُغنيَّة مِن حلق فارس: تعالي يا بيبيَّة تعاليْ، تعاليْ تعاليْ ... وتتوقَّف
أمامه تلك «البيبيّة». يقول لنفسه: إنّها شبيهة بالتي حجَّ عليها شْوِيرْفَة، وقد
تكون هي. يا هَلا، يا هَلا بكِ، أيَّتها البيبيَّة الرّائعة ... لقد جِئتِ في
الوقت المُناسب، أيَّتها الضخمة القويَّة السّريعة. ويمتطي ظَهْرها، فَتَخُبُّ به
قليلاً، ثمَّ تُطْلِق ساقيها للرّيح..» ...
0 comments:
إرسال تعليق