• اخر الاخبار

    الأربعاء، 28 يونيو 2023

    من وحي العيد ..بقلم/ أحمد النقاش.

     

     


        "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.." .. على أصوات هذه التكبيرات كنا نستيقظ صباح يوم العيد؛ فقد كنت أسكن وأنا صغير في إحدى عمارات شبرا، وكانت مكبرات الصوت تُعَلَّقُ فوق المبنى حيث الساحة الكبرى أمامنا فيجتمع عدد كبير من سكان قريتنا وما يجاورها.

      يظل الأطفالل يلعبون ويقفزون طيلة الليل، كنا نشعر بالعيد شعورا لا تستطيع أيادي الزمن أن تمحوه من ذاكراتنا.. تجد الناس والأطفال خاصة على شكل حلقات يتسابقون أمام مكبرات الصوت على التكبير وذِكر الله بشتَّى الطرق .. أجواءٌ كلها بهجة وفرحة كبرى ننتظرها صغارا وكبارا كل عيد.

      وبعد صلاة العيد كان أبي – رحمه الله- يُرسلني على وجه السرعة فأجدني أقوم بمغامرات وأنا أتلاشى صدام الناس الكثيرين في كل مكان في الشوارع، حتى أصل إلى أقرب بائع جرائد، وربما ليس من أحد سواه يبيعها في المنطقة؛ فأقف في صف طويل وكم كانت سعادتي عندما أجد نفسي الرابع أو الخامس في الصف فأقوم بشراء الجرائد المختلفة، فأجد أبي سعيدا جدا بوصولي إليه بعد عناء حاملا الصحف التي يتصفحها بعناية صبيحة يوم العيد..  ثم أجده  يتناقش ويعلق تعليقات سياسية في منتهى الدقة والفَهم لما بين السطور؛ فقد كان –رحمه الله- واسع الثقافة شديد الذكاء اجتماعيا بشكل غريب؛ فلا يحب مجالسة الناس من تلقاء نفسه، وإنما لا يرد أحدا أبدا بشوشا يحبه الجميع، يتمنى الخير وتقديم المساعدة قدر استطاعته لكل مَنْ يقع في طريقه.

    كانت لحظات القرب ومشاهداتي لتصرفات أبي البسيطة من أمتع لحظات حياتي، فقد كان العيد عيدا بوجوده .. كم كانت سعادتي حتى بعد أن أصبحت مسئولا عن أسرة وأنا آخذ العيدية منه، وكم كانت سعادته ونحن نقف صفا واحدا أمامه ليعطينا؛ فقد كان كريما لأبعد الحدود، وطيلة حياتي لم يحرمنا أي شيء.

     في عصرنا الحاضر لم تتغير مظاهر العيد وشكلياته عن الماضي، ولكنَّ مشاعرنا العميقة وبراءتنا وطفولتنا هي التي تغيرت؛ فاللهفة والفرحة الكبرى التي كانت تسيطر علينا فلا نفكر سوى في مظاهرها لم تعد كما كانت .. كم أحسد الأطفال وأنا أراهم يفرحون فرحتنا في الصغر لكن ماذا نقول فتلك طبيعة الأيام، ولا شيء يدوم والكل إلى زوال سوى خالق هذا الكون!

    حقا ما أجمل أن تظل براءتنا وطفولتنا حاضرة مهما تقدَّم بنا العمر! فالقلوب النقية والأرواح الطاهرة لا تعترف بعُمر معين وإنما تستنشق نسمات الحياة الحقيقية وتتنفَّس الرُّقي والجمال. 

     

              أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي:

                                                 ahmedabdelhakim44@gmail.com

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: من وحي العيد ..بقلم/ أحمد النقاش. Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top