لم يكن ربيع الحكم خلال العقد الأول من استقلال
الجزائر سوى صيف جاف بالمطلق أو شتاء كثيف الرياح والعواصف ، رؤوس بعضها في سويسرا
وأماكن أخرى في أوربا منها فرنسا لا تغادر طبعها النضالي المعارض بعلل أو
غيرها وبعضها بقيت في العاصمة تكتسح
أرْيَحَ الوظائف ، ليتولَّد الصراع الصامت أولاً ثم تتصاعد وثيرته فتكون الحيرة
بين الامتثال لدكتاتورية الهواري بومدين أو الولوج في مغامرة لا تخلو من استقبال
قذائف ، تمسح جوانب النظام من أطماع شحنها الولاء السريّ للغرب المتقدم أو الشرق
ذي الفيافي ، طبعا الاتحاد السوفيتي شكل آنذاك الجدار الواقي الذي اتكأ عليه
الرئيس الجزائري الماسك كل الخيوط حتى الهشة منها في أواخر أيام مرضه بلا دواء منه
يَشفِي ، ما كان الاستقرار المجتمعي يتجسد مُطولاً بفاعل تنفيذ ما سماها الهواري
نفسه بالثورات الثلاث الاجتماعية الاقتصادية والثقافية لتجعل من مكونات الشعب بضع
طوائف ، لأسباب تتعلق بالجذور الأصيلة للشعب الجزائري المتشبث قبل هذا وذاك
بتقاليده وأعرافه وما ابتدع من مميزات جعلت منه المخلص الوفي لوصايا الآباء
والأجداد وما تركته الثورة المجيدة في أعماق أعماقه من صور خالدة لا تقبل بأي دخيل
سخيف ، تنصح فقط بالإبقاء على الهوية الجزائرية المعتمدة على أسسها المتينة
المواجهة في تصدِّي مثالي التحديات دون
الانحناء لاكراهاتها تحت أي مُسمَّى كان
للتعريف ، ومهما سخَّر الرئيس الهواري من ميزانيات ضخمة لنشر ثقافة اجتماعية
حسِبها ناقلة العقلية الجزائرية من عفوية التصرف بنية التشبث بشيم الماضي إلى تطور
لا يهم مصدره بل الأهم قدرته على توفير نمط من الحياة تتوخى الإنتاج لتغطية
الاستهلاك لضمان توازن يمكِّن الدولة من بلوغ أهدافها الممثلة في إسعاد الشعب
وقضاء حوائجه بالكامل دون عجز حاصل لسوء تدبير مستجدات مواقف .
المغرب ظل على بُعدٍ ممَّا يحدث
بجواره وهو بما يجول هناك عارف ، عيونه حيث استقرَّت لم تترك أي التفاتةٍ تخصٌّه
إلا وتابعها عن كثب باهتمام مباشر بالغ منزوع الهواتف ، بل تهيأ لكل ما عساها
تفرزه ليقينه أن من وراء الرئيس الجزائري قوى خارجية ثالثة تعمل جاهدة ولكل عرف دولي في هذا الصدد تُخالف
، لخلق القلاقل وسط بلد استطاع استرجاع ما ضاع منه بسبب الاحتلال الاسباني نازعا من مستقبله أية مخاوف ، بكيفية
أبهرت العالم وفتحت أفاقا جديدة لمن يريد تحرير أرضه من مذلة الاحتلال دون اقتتال
وبغير إراقة دماء وبلا ادعاء زائف . كان الهواري بومدين يريد الانفراد بزعامة
إفريقيا أيام ربيعه النضالي وليس الخريف ، لكن الملك الراحل الحسن الثاني بالمسيرة
الخضراء سُلِّطَت عليه الأضواء ليكون المرشَّح الأوحد لمثل الزعامة ولكل ثمارها
الناضجة بالحسنى قاطف ، ممّا عرَّضه لحقدٍ دفينٍ طالما ترجمه الهواري الرئيس
بأعمال ترمي أساساً لتضييق الخناق على المغرب اقتصاداً وسياسة كطعنات من الخلف ،
لتبلغ ذروة هذا الحقد تبنيه " لجماعة البوليساريو" بما وفَّر لها من
طاقات بشرية غير صحراوية و إمكانات مادية تفوق أحيانا حاجاتها الضرورية إلى إيجاد
كمليات تفسح المجال لشراء ذمم وبخاصة لمغاربة حتَّمت عليهم ظروف سياسية معينة الإقامة في الجزائر العاصمة معرضين أنفسهم لمخاطر التلف.
**كاتب المقال
سفير السلام العالمي
0 comments:
إرسال تعليق