• اخر الاخبار

    الاثنين، 10 أكتوبر 2022

    { مقدمة الديوان الثاني للشاعر عباد البطحي " الجمر القابض على كفي "}..تكتبها أ.د احلام الحسن



    سيرة الشاعر :

    اسم الشاعر عباد الوطحي بدأ نشاطه الأدبي عام ١٩٨٧

    عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين منذ عام ١٩٨٩

    كان سكرتيرا للجمعية الأدبية للشباب فرع أبين بين عامي ٨٧ و٩٠

    وسكرتيرا لمجلة الواعد التي كانت تصدر عن الفرع.

    مهندسٌ واستاذٌ تربوي

    صدر ديوانه الأول وهو بعنوان "نخلة في صحرائي الكبرى " قدمه له

     د .عيدروس النقيب ، وقد احتوى على ٦١ قصيدة ،  منها ٣٤ قصيدة من بحور الشعر الخليلي.

    بينما يحتوي ديوانه الثاني  "ديوان الجمر القابض على كفي "على ٥٥ قصيدة منها ٣٣ من القصائد العمودية تتوزع على بحور الشعر كلها تقريبا فلم يغب منها إلا بحر الهزج، بينما حضر بحر الحلم المستجد ضمن قصائد الديوان .

    المقدمة :

    ( تجلياتٌ في ديوان عُباد الوطحي "الجمرُ القابضُ على كفّي" )ا

    قبل العبور إلى روض هذه الخميلة الشعرية المدهشة التراكيب والألوان الشعرية المتعددة, يلفت نظر المطالع عنوان هذا الديوان، والذي جاء على عكس الجملة الشائعة كفّي القابض على الجمر، وكأنّ الشاعر يريد لفت انتباه القارئ والمتلقّي إلى أنّ الجمرَ هو ذلك القابض على كفّهِ وبغير مشيئته، بهذه العنونة الغريبة التركيب, وبهذا الانزياح الدلالي ينطلق الشاعر بديوانه "الجمرُ القابضُ على كفّي" عنوانٍ يثير في ذهن القارئ اندهاشًا حول لغز عنونة هذا الديوان المثير، ورغبةً في مطالعته، وأضع يدي بيد القارئ الكريم لنعبر الطريق معًا إلى تلك الخميلة الخصبة بالقصائد المتنوعة، ونقطف منها بعض زهورها، إذْ احتوى الديوان على ما يقارب (56) قصيدةٍ غالبيتها ذات نمطٍ كلاسيكيٍ، من القصائد ذات الأوزان العربية الأصيلة والمتعددة البحور, وللبحر الشعري المستحدث بحر الحلم ،إضافةً لقصائد التفعيلة الموزونة، وبعض قصائد النثر، صبّ الشاعر فيها فيض مشاعره العاطفية، والوجدانية، والوطنية، في قوالبَ شعريّةٍ قويّة التركيب والدلالة، مما يشير لمُكنة الشاعر العروضيّة، واللغوية، والبلاغية، وسيجد المطالع نفسه بينها، وكأنّ تلك الأبيات تنطلق بلسان حالهِ! وتعبّر عن مشاعره!

    فيشعر من خلالها بالحبّ، وبالدفء، وبالشوق الذي لا يخلو من اللوعة، عبر قصائده العاطفية والوجدانية، ويشعر بالغيرة على الوطن الذي يعاني من الحرب والانتهاك، والاستلاب، وليجد الأمنيات تداعب مخيلته، بعودة صفاء العيش ويتطلع للخلاص..

    بدأت انطلاقة هذا الديوان بقصيدة "كينونة" وهي قصيدةٌ لا تخلو بعض أبياتها من الرمزية والإيحاء، وإن كان الشاعر يتحدث عن قوة تربطه بكتابة الشعر وأنه يراه بعضًا منه الذي سيبقى بعد رحيله عن هذه الحياة الدنيا كقوله:

    لكنَّني أحياهُ نبضًا صــــادقًا

    وأراهُ بعضي حِينَ يَحيا بعدي

    لكنه خرج عن السيمائية البنيوية في استخدام الدال على المدلول، وأفصح عن عدم قدرة الأبيات على إيصال ما في مكنون النفس, ونرى في هذا البيت مثالًا على ذلك وكيف ابتعد عن مفهوم الدلالة وامتطى صهوة التورية والرمزية:

    صدرُ القصيدَةِ لا يُتمِّمُ قصدَها

    والعجْزُ يعْجَزُ عن بلوغِ القَصْدِ

    ليجعل المتلقي في حاجةٍ إلى عمليةٍ تفكيكيةٍ فلسفيةٍ تظهر أبعاد هذا البيت

    كَينونَةُ الأشْياءِ ليستْ ضَحلَةً

    لو قِيسَ ما تُخفيهِ ممَّا تُبدي

    لكنَّني أحياهُ نبضًا صادقًا

    وأراهُ بعضي حِينَ يَحيا بعدي

    صدرُ القصيدَةِ لا يُتمِّمُ قصدَها

    والعجْزُ يعْجَزُ عن بلوغِ القَصْدِ

    ونرى في خاتمة القصيدة مدى قوة التعبير لدى الشاعر في إيصال رسالته للمتلقّي فهو تعبيرٌ لا يخلو من المجازية ومن التشبيه في وقتٍ واحد، ولا يبتعد أيضًا عن الواقع والحقيقة، وهذا مما يُحسب للشاعر في قدرته التعبيرية على رسم الصورة البنيوية الظاهرية، وما بعد البنيوية في بيتٍ واحد

    لا تستطيعُ العينُ تبكي وحدَها

    فالدمعُ يشهدُ بازدواجِ الفـــردِ

    أمّا قصيدته الميمية "ما سفَكْتُ سوى دمي" والمكتوبة على وزن بحر الطويل, وهو من الأوزان الثقيلة المعيار لدى الشعراء الجهابذة، حملتْ عنوانًا مؤلمًا للغاية، ويبدو في القصيدة مدى تألّمِ الشاعر وإحساسه بالمظلومية التي وقعت عليه، والقصيدة وجدانية المعاني من كلّ جوانبها:

    لعمرُكِ إنِّي ما سفكتُ سوى دمي

    وإنِّي لَمظلومٌ ولستُ بظالمِ

    القسمُ والشكايةُ، والألم والمظلومية، هي العتبات الشعرية المهمة في هذه القصيدة لدى الشاعر، في محاولةٍ منه لإفهام الطرف الآخر أنّ ما صدر منه ما هو إلاّ ظلمٌ لذاته لا لغيره، والقصيدة واضحة المعالم والمعاني, وإنّ ما يبدو فيها من الوضوح يدلّ على أنّ الشاعر كان في صلب المعاناة العاطفية حينها، إذْ أنّ الخطاب موجّهٌ مباشرةً للمحبوبة

    لحى الله ما ألقاهُ من حُرقةِ الأسى

    علمْتُ بما أزمعْتِ فاغتَمَّ عالمي

    عرفْتُ النوايا فاستبقتُكِ نائيًا

    وأنجزتُ, إنَّ الموتَ ليسَ براحِمِ

    وكانَ الهوى يزهو بروحي براعمًا

    فذَرْذَرْتِ في دربِ الرياحِ براعمي

    وللبعد الوطني والقومي في هذا الديوان حضوره الكبير، فالشاعر تعتصره أوضاع الأمة وفلسطين وما آلت إليه التغيرات والحروب والهيمنة على مقدرات الأمة وأرضها وقرارها تستدعي استنهاض المقاومة.

    ونرى أنّ قصيدته "أحرى بالقصيدة أن تُقاوم" وهي تفند مفاهيم وأخلاقيات وأساليبَ المقاومة بالقلم والشعر وما لدور الشعر في استنهاض الهِمَم، ورفع المعنويات، فهو وسيلة من أقوى الوسائل الإعلامية في مخاطبة العقل والعاطفة معًا، حيثُ استهل القصيدة بقوله:

    حُسامُ الشعرِ أمضى فامتشِقْهُ

    وجالِدْ بالمِدادِ وبالصــــوارم

    ثمّ ينعطف الشاعر لمنعطفٍ آخَر مِن المقاومة وهو مقاومة هوى النفس، فمن دون مقاومة هوى النفس، وترك ملذاتها، تضعف النفس البشرية عن المقاومة الوطنية الفعلية، وعن الدفاع عن الوطن فيقول في هذا النوع من المقاومة:

    وجاهدْ ضَعفَ نفسِكَ وازدجرها

    وقلِّمْ من فروعِكَ كُلَّ واجم

    ونفسُكَ إن وَلجتَ بها زِحامًا

    وليسَ مرامُها في ما تُزاحم

    فلو ألقَمتَها عسلًا لجاعتْ

    وحسبُكَ أن تموتَ وأنتَ صائم

    فقاومْ قد أتيتَ على زمانٍ

    وشعبٍ لا يبيعُ ولا يساوم

    وبعد التّهيئة الأولى والثانية لصناعة المقاومة الوطنية، يعرج الشاعر في قصيدته للمقاومة التطبيقية الجادة والفعلية من خلال هذه الأبيات الوطنية والحماسية:

    "وللحُرِّيةِ الحمْراءِ بـــابٌ"

    عصيُّ المنعِ يطرقُهُ المُقاوم

    يصف الشاعر في هذا البيت ما تحتاجه الحرية من تضحياتٍ من أجل الوصول إليها ، ولا دور للمجاز ولا للتورية ولا للرمزية في هذه القصيدة؛ فهي سيميائية بحتة، وهذا ما تحتاجه القصيدة الحماسية فهي بعيدةٌ كل البعد عن التأويل, تصارع الحقيقة والواقع المرير في عمليةٍ تهذيبيةٍ للجيل عن قِيَم الكرامة والمقاومة

    فقاومْ ما استطعتَ فأنتَ أدرى

    بما جَنَتْ الصُّقورُ على الحمائم

    نرى في الشطر الثاني من البيت التشبيه المؤكد والمحذوف منه أداة التشبيه " بما جنت الصقورُ على الحمائم"، والحمام رمز السلام واﻷلفة, لكن هذا لا يجدي في ظل تكالب قوى الشر والهيمنة والاحتلال , وعن هذا يقول الشاعر

    "وإن لم تستطعْ شيئًا فدعْهُ"

    ليـومٍ فـي لِـبـاسِ الـنـصـرِ قـادم

    فلا تُرْضِ الكذوبَ ولا تُجامِلْ

    ولا تَبخسْ حقوقَكَ بالشتائم

    ودافعْ عنْ جذورِكَ وانتظرْها

    غدًا لا بدَّ تنصفُكَ المواسم

    وجاهِدْ بالحقيقةِ واعتنقْها

    بوجهِ الزيفِ ترتجِفُ المزاعم

    فبالكَلِماتِ تحتَشدُ السرايا

    وبالصرَخاتِ تنتفضُ العزائم

    فقاومْ بالشعورِ وبالقوافي

    فأحرى بالقصيدةِ أن تقاوم

    ومن جماليات القصيدة العربية أن تُختتم بما ابتدأت به ونلاحظ أن آخر شطر من القصيدة يحمل عنونة القصيدة "فأحرى بالقصيدة أن تقاوم" والقصيدة مكتوبة على وزن بحر الوافر وهو بحرٌ ترتاح له اﻷذن والنفس.

    وليرجع القارئ الكريم للديوان ولقصيدة "طفوفُ النّقص" وقصيدة "لا تبكوا عدنا" وليكتشف بنفسه مدى كثافة الألم الجريح بقلب الشاعر على الوطن.

    من قصائد الديوان المهمة التي حملت اسم الديوان "الجَمرُ القابضُ على كفِّي"

    وهي قصيدةٌ سطريّةٌ تفنّن فيها الشاعر في بثّ أوجاعه، فصوّرت صورًا من تألّم الشاعر فكانت كما أسماها "الجمرُ القابضُ على كفّي"

    لهْيَ الجمرُ القابضُ على كفِّي

    والوجعُ المستعصي

    وهْيَ الجرحُ النازِفُ عِطراً

    الكفُّ في قبضة الجمر، الوجع المستعصي علاجه، الجرح النازف، كلّ تعريفٍ منها يرهق ذلك القلب وصاحبه، ويستمر الشاعر في سرد مطبات أوجاعه في خلوته بذاته، وبين الخيال والواقع تدق أجراس الحقيقة بين أنامله المتعبة ساردًا شاردًا حولها يسطّر مشاعره حبرًا على الورق، ويرسم أحاسيسه صورًا تنبض بالحياة يقول فيها:

    لو سألوني عنْها

    عن سِحرِ جُموحِ المعنى

    عن أبجدةِ الروحِ اللهفى

    عن حُزنِ الوطَنِ المنفي

    لرأوني أرعَفُ حرفي

    عند مشارِفِها

    هَدَبًا يبكي

    وضلوعًا تحنو شغفًا

    روحٌ وأحزان وطنٍ منفيٍ تناسته الأحبة، أهدابٌ ودموع، "وضلوعًا تحنو شغفًا"

    كحروفِ العطفِ, ماذا في مخيلة الشاعر من هذا التشبيه والذي ابتدأهُ بأداة التشبيه "ك" وما رمزية حروف العطف أهو الضعف ؟ أم الانكسار ؟ أم الاستعطاف؟

    تبقى الإجابة في جعبة الشاعر

    ورأوا.. - يا لهفي - لهفتَها

    مُدُنًا حرّى

    لو ذبحوا فوقَ سُطورِ الصَفَحَاتِ قصيدي

    لرأوا شهقتَها

    يصور الشاعر مدى إصراره ومدى تألُّمِهِ، لو ذبحوا فوق سطور الصفحات قصيدي لرأوا شهقتها.. والشهقة تُرى وتُسمع في تزامنٍ واحدٍ، وهنا أسلوب استعارة مكنية فالقصيدة تُذبح ، القصيدة تشهق.

    لقد رسم الشاعر في هذه القصيدة صورًا بلاغيةً بارعة.

    وللاستحداثات العروضية المعتمدة والموثقة رسميًا أهميتها في التشجيع على كتابتها عند الشاعر, إذْ بادر بالكتابة على وزن بحر الحلم المستحدث بهذه القصيدة العصماء التي أسماها "واعدُ الرّؤى" فانطلق مغردًا بتفعيلاتها, وعلى وزن بحرِ الحُلْم المستجد

    "مفعالن فعولتن مفعالن فعولتن " بثمان تفعيلات

    قائلاً في مستهل أبياتها: 

    مثلُ القَطْرِ والندى مثلُ الزهرِ ناضِرُ

    مثلُ الرَّجْعِ والصدى فيهِ الفِكرُ حائرُ

    كالأنسامِ زارني هذا اليومَ خاطِرُ

    مِنْ قيثارَةِ المُنى تتلوهُ البشائرُ

    حلمٌ واعدُ الرؤى كالأطيافِ طائرُ

    عِطرٌ باذِخُ الشذا في الأنفاسِ عابِرُ

    وفي نهاية جولتي في هذا السِّفْرِ الشّعري المتميّز "الجمرُ القابضُ على كفّي" أترك بقية القصائد للمتلقي ليبحر فيها متأمّلاّ ما فاضت به قريحة الشاعر من إفاضاتٍ أدبيّةٍ يحقّ لكلّ عربيّ  أن يفخر بها.

    تمنياتي للشاعر الجهبذ الأستاذ عُباد الوطحي بمزيدٍ من العطاء الفكري المصبوب في قوالبه الشّعريّة المتميّزة.

    **كاتبة المقدمة

    دكتوراه إدارة موارد بشرية

    ماجستير إدارة أعمال " جامعة كامبردج

    أستاذة أكاديمية

    معهد البحرين للتدريب

    مستشارة بمعهد الدراسات العليا الأفروآسيوية

    عروضية معتمدة أكاديميا - عضو الهيأة التحريرية لمجلة نبينا العلمية الدولية المحكمة- عضو مدرسة شباب النقد اﻷدبي - رئيس القسم الثقافي بجريدة الزمان المصري- رئيس مركز الإيمان التعليمي .


    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: { مقدمة الديوان الثاني للشاعر عباد البطحي " الجمر القابض على كفي "}..تكتبها أ.د احلام الحسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top