عن النُّعمان بنِ
بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإِنَّ الحَرامَ
بَيِّنٌ، وَبَيْنَهما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن
اتَّقى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهاتِ
وقَعَ في الحَرامِ،.... إلخ)
فالشبهات أمور
قولية أو فعلية تشتبه على الإنسان، قد يخفى عليه دليلُها وحكمُها، فمن أخذ بالبراءة
لدينه وعرضه منها سلم، وإلا فلا بد وأن يجرّه ذلك إلى الوقوع في الحرام عياذا بالله.
وأما الاستثمار
بالمعنى العام:
فهو التخلي عن
المال الذي يمتلكه الفرد في لحظة من الزمن، بهدف الحصول عن التدفقات المالية المستقبلية،
التي تعوضه عن قيمة الاستثمار المالي الحالي، أو أي نقص يكون متوقعا عن القيمة الشرائية
ناتج عن التضخم، مع الحصول على العائد المعقول، نتيجة تحمل تلك المخاطرة.
قلت: فالاستثمار
في الشبهات؛ تنازل عن الورع مقابل شبهة للحصول على حاجة من حوائج النفس، إلى أن يصل
الأمر إلى تراكم في الشبهات، حيث شبهة تجر شبهة، كما الاستثمار في المال تماما، يضع
مالا ويأتي مال فوق مال إلى أن يكون ثروة، وفي الشبهات يأتي بشبهة فوق شبهة، إلى أن
يصل إلى الحرام، فالتهاون في الشبهات والتواضع في الورع، يصل بنا إلى الوقوع في الحرام،
فطريق الشبهات طويل وشائك رغم جمال وقعه على النفس، ولكن نهاية الطريق: وقوع في حرام
حذّر منه نبيّ الرحمة، والمؤلم أكثر من ذلك، بأن نَلْحظ أن مَن وظيفتهم توجيه الناس،
وتعريفهم بأمور دينهم ودنياهم، وتوجيههم إلى سبيل الله وكيف يبتعدون عن سبل الشيطان،
تجدهم أول من يتواضع بالزهد ويستثمرون بالشبهات، لإشباع شهوات نفوسهم الدنيوية، فلن
تكون نهاية الطريق إلا وقوع في الحرام، وحمل ذنوب آخرين قلدوهم؛ بدعوى أنهم يعلمون
ما لا يعلمه غيرهم، ويفقهون بما لا يفقهه غيرهم، فوقعوا وأوقعوا غيرهم في الشبهات،
حتى وصلوا إلى طريق نهايته إدمان على الحرام، فاستثمروا بشبهات أوقعتهم في حرمات الله،
متناسيا الواحد منهم أن الله تعالى خلقنا لعبادته، ومنها تجنب الشبهات وما فيه شك بمكروه
أو محرم، فاعلموا أنكم في دنيا نهايتها زوال، دنيا هي طريق عبور إلى حياة أبدية، دنيا
وحياة أبدية يفصل بينهما محاسبة دقيقة حثيثة، فلأن تلقى الله مجتنبا الشبهات، خير من
أن تلقاه غارقا في بحرها، شاربا ومرتويا من انتهاك حرمات ربك.
0 comments:
إرسال تعليق