• اخر الاخبار

    الأحد، 25 سبتمبر 2022

    دراسة للناقد الكبير /طالب عمران المعموري عن قصة " حصان اوروك" للأديب العراقى / شوقى كريم حسن

     

     


    ايقاع الذات الساردة:

    مشهد من مشاهد تحولات الشخصية  (الذات الساردة) في القصة تنتقل على الدوام عبر وعيها الداخلي بين شخصية متأملة شخصية راصدة مما يجعلها شخصية غير نمطية وغير تقليدية

    انتقاء المشاهد في ايقاع سردي، مشاهد سردية متجاورة وباختزال شديد تحكي عن مشهد اقرب ما يكون الى السيرة الذاتية :

    "فأروح افكر بأحزان تملأ الفضاء الذي بات لا يعني ليّ شيئا برماد السوادات، والغضب، لا اعتقد انه انتهى او كاد ينتهي، لا أجد فائدة من الرجوع الى تلك المواضي القديمة ، المواضي التي منحتني الوهم، ومنحتها الرضا والقبول"

    على هذا النحو يخالف السائد المتعارف عليه في السرد القصصي  التي كانت تبدأ من نقطة مركزية فان قصة (حصان اوروك)  تنطلق  من مشاهد سردية تبدو مرتبكة  لا تنتمي لخط زمني محدد  وهي احدى التقنيات التي اعتمدها في نسج قصته  تقنية تفتيت البناء الزمني حيث يمثل الزمن بالنسبة له هاجسا فعليا ومحاولة لكسره فلا يسير على نسق زمني متعارف عليه  يظهر في شكل تداعيات واسترجاعات:

    "اتلمس حواف الامكنة التي لا تفضي الى رغباتي القديمة، الجنون وحده هو من يستوعب تلك الرغبات الخارجة عن اطر إنسانيتها الم فوضاي وارتباكي، أنا برغم كل ما ارسمه من قوة، كائن ضعيف الى حد موجع"

    وفي سرد ذاتي يتخذ مسارات عدة لعل اوضحها  الوقوف على نقاط الاختلاف بين اقوال الشخصيات والسارد:

    "قال ليّ الملفع بالكهنوت ،ـــ الى اين تراك تمضي؟ وقال الثاني ـــ مالك لاستقر والطرقات موشومة بالآثام ؟ وقال كبير الكهنة ـــ الرب لا ترضيه افعال الشر.. !! وقالت صاحبة الحانة ، وهي تمنحني بعض من رضاب شفتيها ـــ لا تغادر.. لا تغادر.. مالك وكل هذا الوجع؟"

    اعتمد القاص اسلوب الحوار المسرحي حوار خارجي/ داخلي  ، حوار وفعل وحركة مستخدما عنصري الزمان والمكان، والتي من خلالها الغوص في اعماق النفس ونقل الافكار واطلاق العنان للخيال البشري واثارة الدهشة  

     "ــ مالي وكل هذا .. مالي وكل هذا.. ايها الاتي من بعيد وجودي.. كيف يمكن للجسد ان لا يطاوع الروح ان هي رغبت بالرحيل.. لا شيء يبقيني هنا.. لا شيء يشدني الى كل هذا الهوس الذي لامعنى له.. لا شيء يذكرني بخيبات أملي سوى  تلك الاوامر المتلاحقة بالرجوع.."

    وحوار ذاتي يستحضر شخوص غائبة  على لسان السارد نفسه :

    " قالت ـــ اقترب؟ قلت ــ ليس هذا وقت الاقتراب… المسافة لاتسع ألحلم ..!!. قالت ـــ اقترب؟ قلت ـــ ليس هذا بوقت الاقتراب المسافات لاتسع الآمال !!. قالت ـــ اقترب؟ قلت ــ مالك تلحين… المسافات رحيل !! وحركت خطواتي مبتعدا،"

    تكشفت عن انسان مأزوم شخصية قلقة تبحث عن الامان .

    شعرية القص (سرد الذات):

    ان من السمات الفارقة في قصته(حصان أوروك) نلحظ الصوت السردي والاسلوب غير المباشر الحر، وتقديم الحوار، وبروز الذات المتكلمة الذي يعبر عن الرؤية الذاتية، اسلوب يتضمن خصائص الشعر، يمثل نمطا مهما من انماط شعرية القص  يعبر القاص عن فلسفته ويطرح اسئلته  ورؤاه واحلامه :

    ، الوذ الى صمت وحدتي/ لا تلمس خراب محنتك السائرة الى البكاء/ لا تلمس احلام موتك الأزلية لا تأخذ سر الاشياء/ وبق كما انت/ تسحرك الخطايا/ وتغسلك الخطى/ أبق لان الطريق موصد اليك/ ولأنك مركون الى رفوف الخرافة / واخط مراميك الى صدرك العاري/ وارم مباهجك اليك /فليس للقراءات معاني اذا ما هوت الايام/ يمم خطاك شطر مسجد ارتجاجات العمر، اسجد عند ركن الغواية/

    وظف القاص مفردات بلغة انزياحيه شعرية وتكثيف في الرؤية وغموض بالمعنى الشعري:

    "أمسك برقبة الارتباك لكنه يفر ضاحكا . ــــ ارجع … ارجع !! \\لاتستقر المسافات عند شيْ ابدا / لهذا لا يجب ان اجر ورائي كل تلك التخيلات الباهظة الثمن / اكنس رذاذ غربتي لا ارمي به خلف ضوء صباحاتي، لكني اشعر بالندم/"

    تجلت نزعة التجريب من خلال السرد المكثف والروح الشعرية الى التجريد في توضيح ملامح شخصياته نجد فيها العبارة الشعرية الجميلة والنزعة الانسانية العميقة والحس الذاتي المرهف والاحساس الوجودي الحاد.

    رؤى ومواقف:

    للخروج من دائرة الشكل التقليدي دفعته الى انتهاج سبل  جديدة في البحث عن تجارب جديدة لإغناء سرده القصصي  نراه يتجنب البناء التقليدي برمزية فنية وتتحول الى تجريد يقدم الشخصيات في اطار تجريدي يضفي عليها تعددا في الدلالة ، يختصر الزمن في لحظات نفسية مكثفة   تعتمد على اللحظة او الموقف الشعوري ، فالقصة عنده رؤية فلسفية في اطار دارمي، ويظهر ايضاً توظيف آليا جديدة في اللعب بالضمائر بين ضمير المتكلم والغائب  والمراوغة في تحولاته عبر السرد وكأن الذات الكاتبة تعيش اللذة  في ممارسة الكتابة ،نرى في اشتغاله السردي يستحضر أصوات ويجادلها ويحاورها ويجاورها في البنية النصية :

    "لكنها اصرت على اللحاق بي، امسكت بتلابيب ظهري، ودفعتني الى الارض بقوة باذخة، لا ادري من اين تأتي الاناث بكل تلك القوة؟ سقطت ذكورتي متناثرة مثل نفاش الاهوار، تطايرت اوصالي ، ودون ان الملم بقاياي وجدتها، تلم ما ترغب مني، قالت ـــ الى اين تراك تمشي ؟ قلت ـــ لا ادري.. ولكني ابحث أبحث عن خلاصي؟ قالت ـــ وهم من يمنحهم خلاصاهم اذا كنت اول من يهرب؟ قلت ـــ الامر لا يعنيني.. لم اعد قادرا على التحمل؟ قالت ـــ او هكذا علمتك الاحلام؟ قلت ، وأنا ارمي بنفسي اليها. ـــ لا فائدة… لا فائدة .."

    يقدم القاص تشكيلة غير متجانسة من الاصوات تحمل بدورها مجموعة من الافكار والرؤى والمواقف المتباينة والخلافية المتناقضة نرى ذلك جليا في اسلوب النفي والاستفهام:

    "لا شيء هنا سوى ذلك الصوت الذي كان يلاحقني. قال ـــ ارجع؟ لكني وبعناد حمار الحساوية، اقرر الرحيل ، الى حيث لا ادري، قال ليّ الملفع بالكهنوت ،ـــ الى اين تراك تمضي؟ وقال الثاني ـــ مالك لاستقر والطرقات موشومة بالآثام ؟ وقال كبير الكهنة ـــ الرب لا ترضيه افعال الشر.. !! وقالت صاحبة الحانة ، وهي تمنحني بعض من رضاب شفتيها ـــ لا تغادر.. لا تغادر.. مالك وكل هذا الوجع؟"

    يلمس القارئ الملامح الطاغية في تشكيل بنياته السردية  النفي الظاهرة في عباراته :

    "لا يكون صحيحا/لا يعني ليّ شيئاً/ لا اعتقد/ لا أجد فائدة/ لا أجد ثمة ضرورة لوجودي/لا تفضي الى رغباتي القديمة  "

    وتلك الاجابات التي نلاحظها من خلال العبارات التي وظفها في بنائه السردي " لما تتضمنه من تحريض وتحفيز مخيلة القارئ ودفعه من دون شعور الى الدخول الى عالم مليء بالتلذذ والخيال والنشوة والايقاع والتمتع بلغة شعرية "5

    "ايقنت ان الاسئلة عثرات الأحلام فران الصمت بيننا طويلا، مثلي لا يجب ان يجيب عن اسئلة الكهنة، ومثلي لا يجب ان يحترم تلك المباني التي تسمى المعابد، ومثلي لا يحترم تلك الاشارات التي تصر على التذكير بالموت، ومثلي لا يهتم لغير آثام صاحبة الحانة التي كنت اعرف صدق نواياها"

    ومن خلال المونولوج الداخلي يكشف لنا  عن نوازع السارد  وتداعياته وصراعاته الداخلية العميقة:

    "ما الذي يبقيني هنا.. من اجل ماذا.. وكيف.. ومن تراه يعيد لي شكلي القديم الذي احب؟ !! قالت ــــ لم ارك تضع نفسك داخل حطامات روحك من قبل .. لم أنت دون سواك من يتوجب عليه الخوف والارتماء في دهاليز التراجعات.."

    قدم لنا القاص عملا فنيا يجمع بين التلقائية ونظام كامن يريد كشفه و قدرته  على اظهار جمالية القصة واسلوبها السردي غير النمطي  والانتهاك المتعمد في خلق تلك الجماليات ولا يكتفي بالسرد  حاملا للأحداث بل يعطيها طاقة اخرى عبر اللغة  لكسر الالفة المعتادة بتوظيف  مفرداته وشحنها بالدلالات والطاقة الشعورية.

    .........................

    المصادر

    1-         في الحداثة وما بعد الحداثة ، ترجمة سهيل نجم ،ط3 ،شهريار للطباعة والنشر،العراق ، بصرة ،2020 .

    2-         علم السرد ما بعد الكلاسيكي – سهيل كبة، صحيفة الزمان، 19 أغسطس, 2022.

    3-         حصان اوروك، قصة قصيرة، شوقي كريم ، موقع الانطولوجيا،20 ايلول،2021 .

    4-         محمود الضبع ،الرواية الجديدة قراءة في المشهد العربي المعاصر، المجلس الاعلى للثقافة ، مصر، 2010 .

    5-         السرد السينمائي، فاضل الاسود، نقلا عن كتاب وسائل التعليم والاعلام ، فتح الباب، ابراهيم، مصر ، القاهرة، عالم الكتب، ط1، 1985 .

    6-         غانم المعموري ، المغايرة والتجريب في السرد الروائي ، دار امارجي للطباعة والنشر، العراق ، 2022 .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: دراسة للناقد الكبير /طالب عمران المعموري عن قصة " حصان اوروك" للأديب العراقى / شوقى كريم حسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top