حين تسلّم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك شؤون الدولة كان الدَّين المحلّي الإجمالي نحو 15 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار)، وإذا به يتجاوز 888 مليار جنيه في نهاية حكمه. أما الدين الخارجي، فتضاعف خلال السنوات العشر الأولى..
حين تسلّم الرئيس
المصري المخلوع حسني مبارك شؤون الدولة فى تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981، كان الدَّين
المحلّي الإجمالي نحو 15 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار، (وبمعدّل خدمة دين يبلغ
ملياراً و569 مليون جنيه)، وإذا به يتجاوز 888 مليار جنيه في نهاية حكمه (ومعدل خدمته
تزيد على 76 مليار جنيه). أما الدين الخارجي، فتضاعف خلال السنوات العشر الأولى (من
25 مليار دولار عام 1981، إلى 50 مليار دولار عام 1991)، هذا علاوة على الديون العسكرية
المستحقة للولايات المتحدة، وقدرها 7.5 مليارات دولار. وبعد تخفيض الديون الخارجية
المصرية بمقدار النصف كثمن سياسي مقابل تورُّط النظام المصري في حرب تدمير وحصار العراق،
عاد الدين الخارجي ليرتفع مرة أخرى في نهاية عهد مبارك، فبلغ 33 مليار دولار، تُضاف
عليه الديون على بعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول، التي تزيد بدورها على 9
مليارات دولار أخرى. ويبتلع الدين الخارجي نحو 35 مليار جنيه مصري سنوياً في صورة خدمة
الدين (أي نحو 6 مليارات دولار سنوياً).
ويعود أساس ذلك
إلى تعرُّض قطاعات الاقتصاد السلعي في مصر، طوال العقود الماضية، إلى تغيُّرات جعلت
الدولة المصرية ككل تحت ضغوط القوى الخارجية وامتداداتها المحلية من طبقة رجال المال
والأعمال، وخاصة فئة المستوردين والوكلاء المحليين منهم، الذين تعاظمت مصالحهم وتأثيرهم
على عملية صناعة القرارات الاقتصادية والسياسية والتشريعية، وزادت قدرتهم على توجيه
السياسة الخارجية لمصر بما يتواءم مع مكاسبهم المالية، بصرف النظر عن الأضرار المترتبة
على هذه السياسة في الأجلَين القصير والطويل. ويمكن تبيان ذلك من خلال استعراض أوضاع
مختلف القطاعات، علاوة على الآلية العامة المعتمَدة لتنظيم النهب.
1 - مجال الزراعة
تعرّض القطاع الزراعي
طوال هذه الفترة لضربات قاصمة تمثّلت في إهماله المتعمَّد، سواء من حيث توفير الائتمان
المصرفي اللازم لتطوير أدوات الإنتاج، أو الرعاية الإرشادية الضرورية، أو الأسمدة والمبيدات
المناسبة، أو شبكة توزيع الحاصلات الزراعية التي تؤدي إلى تعزيز فاعليته وتدفع الفلاح
إلى العمل والإنتاج. بل انتُهجت مجموعة من الإجراءات السلبية التي أدت في النهاية إلى
انخفاض متوسط الاكتفاء الذاتي من جميع السلع الغذائية الحيوية لأقل من 45 في المئة.
لقد جرى العمل
على تآكل المساحة الزراعية عبر منح الاراضي القابلة للاستصلاح إلى رجال مال وأعمال
حوّلوها إلى منتجعات سياحية وشخصية، ورفع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات، وإعمال
آليات السوق الاحتكارية من جانب كبار التجار والمسؤولين في الحكم، وعدم توفير مستلزمات
الري وإمدادات المياه، فانتشرت الزراعات المروية بالمجاري ومياه الصرف الصحي (التي
قُدرت بأكثر من 500 ألف فدان)، وجرى التآمر المباشر والمكشوف على محصول مصر الاستراتيجي
(القطن والقمح) لصالح استبداله بالأقماح والأقطان المستوردة من الولايات المتحدة والهند.
كما بيعَت محالج القطن، وجرى منح الاراضي في المشروعات الزراعية الجديدة (توشكي، العوينات،
واحة باريس، الصالحية، وترعة السلام في سيناء) لمستثمرين عرب ومصريين أضرّوا بالمستقبل
الزراعي لمصر، وجعلوا هذا القطاع عُرضة لمخاطر متعدّدة، وذلك رغم ما أُنفق من مليارات
الجنيهات لإقامة البنية الأساسية لبعض هذه المشروعات الزراعية.
لقد أدّى كل ذلك
إلى نتائج خطيرة ليس أقلها تعرُّض المجتمع المصري إلى أزمات في صناعة الخبز ــ وهو
الغذاء الرئيسي للفقراء ــ وتحوُّل المصريين إلى رهينة في أيدي جماعات محدودة العدد
من المستورِدين الذين لم يتورّعوا عن استيراد أسوأ أنواع الأقماح من أجل تعظيم مكاسبهم
وأرباحهم (التي قُدِّرَت سنوياً بأكثر من 500 مليون جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة
وحدها). كما انعكس ذلك سلبياً على زيادة العجز في الميزان التجاري وتعاظُم فاتورة الواردت
من المواد الغذائية، لتتجاوز 25 مليار دولار في 2010. وضاعت مرة أخرى فرصة نادرة لخلق
مجتمعات عمرانية ــ زراعية جديدة، عبر امتصاص مئات الآلاف من الشباب وأسرهم حول هذه
المشروعات الواعدة (توشكي وحدها يمكن أن تجذب 3 ملايين نسمة)، فتخفف من غلواء البطالة
وتفتح أفق الأكتفاء الذاتي من بعض أهم المحاصيل الاستراتيجية.
2- مجال الصناعة
كانت الصناعة الوطنية
المصرية من أولى القطاعات التي استهدفتها السياسة الجديدة لجماعات المافيا المصرية،
التي قادها بصورة مباشرة الرئيس المخلوع وأسرته والفئات المحيطة به.
ولم يكن برنامج
الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة الذي بدأ عام 1992، سوى التتويج المبكر لاتجاهات
نمت وترعرعت منذ بداية انتهاج السلطة، في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، لسياسة الانفتاح
الاقتصادي.
لقد جرت العملية
وفقاً لدينامية محدَّدة، وانتقلت من مرحلة إلى أخرى:
- ففي المرحلة
الأولى، تركّزت الدعوة الرسمية حول ضرورة منح القطاع الخاص فرصة الوجود والمشاركة في
خطط التنمية مع القطاع العام. هكذا زاد نصيب القطاع الخاص في الانتاج الصناعي من
25 في المئة عام 1979، إلى ما يقارب 70 في المئة في 2009 ــ 2010. وبصرف النظر عن مضمون
هذه الصناعة وفاعليتها في بناء اقتصاد حديث، فقد جرى لأجله فتح خزائن البنوك والجهاز
المصرفي الحكومي وغير الحكومي، فزادت القروض الممنوحة له من 32 مليون جنيه عام
1970 (بما لم يكن يزيد على 3.7 في المئة من إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة من
البنوك كافة)، إلى 798 مليون جنيه عام 1979 (بما أصبح يمثل 15 في المئة من إجمالي التسهيلات
الائتمانية الممنوحة). وبحلول عام 2010، كان قطاع الأعمال الخاص يستحوذ على ما يزيد
على 350 مليار جنيه (أكثر من 60 في المئة من التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك
كافة). وإذا أضفنا إليها ما يحصل عليه القطاع العائلي، فإنّ الرقم يتجاوز 470 مليار
جنيه (نحو 75 في المئة من إجمالي الائتمان الممنوح من البنوك في مصر).
ولم يحصل القطاع
الصناعي الخاص سوى على أقل من 20 في المئة من هذا الائتمان، حيث ذهبت النسبة الأكبر
لتمويل قطاعات السياحة والتجارة والمال والخدمات، وظل النمط الغالب على الاستثمار الخاص
بعيداً عن الصناعة، وبقيت البنية الاقتصادية المصرية هشّة وعُرضة للتقلبات والاهتزازات
كلّما هبّت رياح عاتية عالمياً أو إقليمياً أو حتى محلياً.
- وفي المرحلة
الثانية، جرى خنق مصرفي متعمَّد لشركات قطاع الأعمال العام، الصناعي منها وغير الصناعي،
تحت زعم ضعف هياكلها التمويلية وتحقيقها لبعض الخسائر. ورغم زيف هذه الدعاوى وعدم قدرتها
على الصمود، أمام الكتابات الاقتصادية الجادّة، فإنّ هذه الادّعاءات كانت منهجاً لتمرير
الكذبة على الرأي العام، تمهيداً لبيع هذه الشركات وتحقيق عمولات ومكاسب شخصية لكبار
رجال الحكم والإدارة، وهو ما تكشفه التحقيقات الجارية حالياً.
- كانت المرحلة
الثالثة، مرحلة البيع والخصخصة، وقد شملت كل مقدرات الدولة والمجتمع المصريين من شركات
صناعية وغير صناعية، من البنوك إلى شركات التأمين فشركات التجارة ومنافذ التوزيع، في
إطار أكبر عملية تفكيك لقدرات الدولة المصرية، بما يجعلها ضعيفة إزاء أية تحديات إقليمية
تنشأ، أو تهديدات إسرائيلية أو أميركية لمصر ومصالحها.
إنّ القطاع الصناعي
"الانفتاحي" الذي نشأ منذ 1974، لم يكن في معظمه سوى صناعات قائمة على التجميع،
ممّا ترتب عليه أن أصبح 45 في المئة إلى 60 في المئة من احتياجات قطاع الصناعة خصوصاً،
واحتياجات الشعب المصري عموماً، تُستورَد من الخارج، ويحتكر استيرادها حفنة محدودة
العدد من الأفراد والشركات لا تتجاوز مئات قليلة، كان يشاركهم في الكثير من الأحيان
بعض المسؤولين والوزراء وأفراد آل مبارك، كما تكشف أيضاً التحقيقات الجارية حالياً.
وزاد الميل الاحتكاري داخل هذا القطاع، واجتهدت الحكومة ومَن معها من رجال الأعمال
على رفع الأسعار وفرض الضرائب على المواطنين. وكانت نسبة النمو الاقتصادي المزعومة،
مثلها مثل الكثير من البيانات الحكومية، لا تعكس واقع حياة ملايين الفلاحين مثلا الذين
وجدوا أنفسهم يشترون الأسمدة والبذور والمبيدات بما سُمِّيَ في حينها بـ"الأسعار
العالمية"، بينما هم لا يستطيعون بيع محصولهم إلا بأبخس الأثمان، وكانت تفرض عليهم
أسعار إذعان جعلت الكثير منهم يفضّلون ترك محصولهم في الأرض، ببساطة لأنّ أسعار بيعه
لن تغطّي تكلفة حصاده. وكانت شركات الأسمدة ترفع هوامش أرباحها كل سنة، والفلاحون يصارعون
للحصول على "شكارة" أسمدة حتى بعدما تضاعف سعرها مراراً. والغريب أنّ الشركات
المملوكة لقطاع الأعمال العام، لم تتوانَ عن الدخول في السباق المخزي لنهب المواطنين،
حتى أن هامش ربح الأسمدة تساوى أو كاد مع هامش ربح الإسمنت والشاليهات السياحية، وتجاوز
هامش ربح شركات الاتصالات والسجائر.
3- الكهرباء والطاقة
يمثّل هذا القطاع
عصب الاقتصاد الحديث، فهو أساس النموّ والتطوُّر، وشريان الحياة لقطاعات الانتاج، لذا
تحرص الدول على ضمان قوّته والتحكُّم بمصادر تدفُّقه واستمراره. وقد تفتق ذهن جماعات
المافيا التي حكمت البلاد منذ عام 1991، على ابتكار أساليب غير مسبوقة لدولة نامية
تواجه تحدّيات كبرى مثل مصر، من قبيل:
ــ اعتماد نظام
ما يُسمّىBOT،
أي البناء والتملُّك والتشغيل ثم الإعادة. تمدّد هذا النظام المُحاط بالكثير من التساؤلات،
ليشمل الطرق ومحطات المياة والصرف الصحي، والمطارات والموانئ، وصولاً إلى محطات الكهرباء
(سيدي كرير والكريمات)، وخطِّط لإنشاء 15 محطّة لتوليد الكهرباء حتى عام 2017 بنظام
الـ BOT.
وقد صيغَت هذه العقود بحيث تمثّل إهداراً لموارد مالية حكومية، وعبئاً على المستهلكين
في قطاع الكهرباء من مواطنين أو مشروعات صناعية.
- إدخال وسطاء
وسماسرة بين هيئة البترول الحكومية المصرية، والمستوردين للنفط والغاز الطبيعي، مثلما
حدث في شركة "شرق المتوسط للغاز" التي تملّكها ظاهرياً حسين سالم، الشريك
المباشر للرئيس المخلوع، وأهدر على الدولة المصرية نحو 5 إلى 8 مليارات دولار سنوياً
منذ عام 2001، أي ما يعادل 45 ملياراً إلى 70 مليار دولار، كانت لتكون كافية لتحقيق
نقلة نوعية في الحياة المصرية. وما جرى قبلها فى مشروع "ميدور" الذي تسبّب
في خسارة لـ"البنك الأهلي المصري" وهيئة البترول لأكثر من مليار جنيه لصالح
حسين سالم، ومن ورائه شركة "ميرهاف" الإسرائيلية.
- أما قطاع التشييد
والبناء، فكان الأكثر استفادة من حقبة الانفتاح الاقتصادي. ورغم حيوية هذا القطاع وحجم
الاستثمارات الحكومية والخاصة الضخمة الموظَّفة فيه، فإنّ ما جرى من فساد وإفساد داخله
وحوله، وتحميله بنسب عمولات ورشى هائلة، قد أدى لإهدار موارد ضخمة.
وإذا كانت حكومات
الرئيس السابق قد أنفقت في إقامة البنية التحتية منذ عام 1982 حتى تاريخ خلعه، ما يربو
قليلاً على 800 مليار جنيه (نحو 132.5 مليار دولار) في صورة طرق، جسور، محطات مياه،
محطات صرف صحي، محطات كهرباء، مدارس، ومستشفيات... الخ، علاوةً على ما أنفقه القطاع
الخاص والاستثماري في مجال التشييد والبناء، والمقدَّر بنحو 200 مليار جنيه أخرى، فإنّ
حجم العمولات والرشى التي أُهدرت، والتسرُّب الذي حدث، يقارب 100 مليار جنيه (نحو
10 في المئة من حجم الأعمال) ذهبت إلى جيوب وحسابات عدد محدود من كبار المقاولين ورجال
الحكم والإدارة والمكاتب الاستشارية القريبين منهم، قد لا يتجاوز عددهم عدة مئات قليلة.
4- التلاعُب بالموازنة
العامة ونمط الأولويات
من أسوأ ما مارسه
الرئيس السابق وجماعته، كان التلاعب بالموازنة العامة للدولة، عبر استخدام نص المادة
20 من قانون الموازنة العامة التي تخوِّل رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة
القانون، بإنشاء حسابات خاصة وصناديق خارج الموازنة العامة للدولة. وقد اتسعت هذه الممارسة
شيئاً فشيئاً، ونزلت إلى المحافظين، ورافقها فرض رسوم على خدماتها المقدمة للمواطنين،
حتى بلغ حجم فوائضها نحو 47.0 مليار جنيه مصري في عام 2011 ــ 2012، بالإضافة إلى
8.8 مليارات جنيه أخرى في البنوك التجارية.
ثم سمح رئيس الجمهورية
لنفسه بالخروج على الدستور والقانون عبر إنشاء صناديق خاصة ملحقة بديوان عام رئاسة
الجمهورية من خلف ظهر المجالس الرقابية والتشريعية، وموّلها من خلال أساليب أقرب إلى
الاحتيال بتوجيه تعليمات إلى بعض رؤساء الهيئات الاقتصادية الكبرى (قناة السويس وهيئة
البترول)، بالتلاعُب في الإيرادات المسجَّلة لهاتين الهيئتين من أجل تحويل جزء منها
لتمويل هذه الحسابات. وهناك تلاعُب مالي في ما سُمّيَ "بند الاعتماد الإجمالي"
أو الاحتياطيات العامة، وذلك بوضع مبالغ مالية وصلت فى بعض السنوات إلى 16 مليار جنيه
لمواجهة الظروف الطارئة (كالزلازل والكوارث...)، فإذا بها تُستخدم خارج هذه الظروف
ومن خلف ظهر الأجهزة الرقابية، بغرض تعزيز مكافآت بعض كبار القادة في جهازَي الشرطة
والقوات المسلحة.
كما درج قانون
الموازنة العامة للدولة على تضمين ما يُسمى "التأشيرات العامة" المصاحِبة
لقانون الموازنة العامة، التي تسلب المجلس التشريعي سلطته المسبقة واللاحقة، على مكونات
الموازنة العامة واتجاهات الإنفاق فيها، وهو ما أدّى إلى إهدار جزء كبير من مواردها.
5- الدين العام
المحلي
ومن ابرز ما طبعه:
أ ــ التلاعُب
المافياوي بسعر الصرف لمصالح فئات معينة، وهو عبث بالمصلحة الوطنية العليا من أجل مصالح
فئوية ضيقة. وأبرز مثال عليه ما جرى في 2002 من تعويم مؤقت للجنيه المصري، وترتب عليه
أن قفز سعر التبادُل بين الجنيه المصري والدولار الأميركي من 341 قرشاً للدولار، إلى
630 قرشاً للدولار والواحد، فحقّق مكاسب كبيرة لعدد من رجال المال والأعمال الوثيقي
الصلة بدوائر اتخاذ القرار، وبنجل رئيس الجمهورية السابق. وفي المقابل، انعكس الوضع
سلبياً على فاتورة استهلاك المواطنين ومحدودي الدخل بسبب زيادة أسعار الواردات في السوق
المحلية.
ب ــ التدخل في
سياسات الإقراض المصرفي. وقد ترتب على التدخل المباشر من جانب نجلَي الرئيس السابق
(جمال وعلاء) وبعض المسؤولين التنفيذيين في الحكم، ضياع مبالغ قُدِّرَت بنحو 130 مليار
جنيه من أرصدة الإقراض لدى البنوك العاملة في مصر، وغالبيتها من البنوك المملوكة للدولة،
وذلك فيما سُمّي ــ تخفيفاً ــ "أزمة المتعثّرين" في نهاية عام 2000 وبداية
2001، وبالتالى الدفع إلى فكرة بيع بعض البنوك الحكومية.
ج ــ وقد أدّت
هذه السياسة إلى زيادة حجم الأموال المهرَّبة من مصر إلى خارجها، فبلغت خلال الفترة
من 1991 ــ 1992، إلى 2000 ــ 2001، وفي بند واحد فقط هو بند "السهو والخطأ"
في ميزان المدفوعات المصري، نحو 7202.5 مليون دولار، أي بمعدَّل متوسِّط سنوي 720 مليون
دولار، زاد فيما بعد إلى معدل سنوي وصل إلى 3.5 مليارات دولار خلال الفترة اللاحقة
(2002 ــ 2011).
هكذا أظهر بند
"السهو والخطأ" وحده، تهريب أموال تُقدَّر بنحو 42.7 مليار دولار منذ عام
1991 ــ 1992 حتى آذار/ مارس 2011. فما الحال بعناصر التهريب المالي الأخرى، وأهمها
بندا "صافي حسابات المراسلين" و"كمبيالات التحصيل في عمليات الاستيراد"؟
لقد بلغ الأول (الفارق بين حسابات المراسلين في الداخل المصري، وحسابات المراسلين في
الخارج) في تموز/يوليو عام 1993، نحو 32 مليار جنيه مصري (ما يعادل 10 مليارات دولار
بأسعار الصرف السائدة في حينها) وفي الشهر نفسه من عام 2010، بلغ صافي هذا الحساب نحو
65 مليار جنيه.
6- إهدار موارد
النفط والغاز
ووفقاً لأكثر التقديرات
تحفُّظاً، فإنّ ما ضاع على مصر وشعبها من جراء سياسة مسايرة إسرائيل، يتجاوز منذ عام
2000 نحو 5 إلى 8 مليارات دولار سنوياً ذهبت إلى جيوب عدد محدود جداً من الأفراد.
7- بيع الشركات
والممتلكات العامة (الخصخصة)
أدّى اتباع منهج
"بيع الأصول والممتلكات العامة" منذ عام 1992، إلى تآكُل القدرات الإنتاجية
للدولة المصرية من ناحية تحوُّل الكثير من الشركات إلى مجرد أراضٍ يجري المضاربة على
أسعارها، بينما عششت غربان الخراب على آلاتها ومعدّاتها (قها، المراجل البخارية، عمر
أفندي، الكتان...).
من جهة أخرى، فقد
أدى التقييم البخس ــ وهي من ممارسات الفساد ــ إلى إهدار فارق القيمة بين حصيلة بيع
نصف شركات القطاع العام (194 شركة) حتى تموز/ يوليو 2006 (50 مليار جنيه وفقاً لتقرير
الجهاز المركزي للمحاسبات)، وبين القيمة الأولية لأصول تلك الشركات في مطلع عقد التسعينيات
(والمقدَّرة بما يتراوح 300 إلى 500 مليار جنيه). لقد ذهب الفارق إلى جيوب جماعات المافيا
التي أدارت هذا الملف من المسؤولين وشركائهم من المشترين لهذه الشركات. وأدت سياسات
الخصخصة إلى إهدار إضافي تمثل في التضحية بكوادر فنية وعمّالية تحوّلت إلى البطالة.
8- البطالة
لقد نتج عن هذه
السياسات التي انتهجها الرئيس المخلوع وجماعات رجال المال والأعمال، تزايُد أعداد العاطلين
عن العمل عموماً، والشباب ومتخرّجي النظام التعليمي خصوصاً، بحيث تشير التقديرات إلى
نحو 9 ملايين عاطل عن العمل يشكّلون نحو 22 في المئة من حجم القوى العاملة في البلاد،
وذلك عام 2010.
هذه هي القنبلة
الموقوتة التي تركها النظام السابق وسياساته في مجال التشغيل والتوظيف. معظم العاطلين
عن العمل هم من الشباب والشابات المتعلّمين في الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية المتوسطة.
لقد تحوّلت هذه الطاقة البشرية العظمى إلى عبء. هكذا، لم يكن غريباً أن نشاهد قوافل
الموت تذهب بمئات من هؤلاء طوال السنوات العشر الأخيرة في رحلات الهروب شبه الجماعية
عبر البحر المتوسط بحثاً عن ملاذٍ آمن من وطن طارِد لأبنائه ومانع لطموحاتهم ورغباتهم
في الحياة الكريمة.
ينبغي أن يتوقف
هذا العار عبر اتباع سياسات جديدة في التشغيل والتوظيف، ومن خلال سياسات اقتصادية تردّ
الاعتبار لقيم الإنتاج الوطني ودعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، مثلها تماماً
مثل دخول الدولة مجدداً إلى مشروعات الإنتاج لخلق فرص عمل جديدة وتأهيل المشروعات القائمة
التي تعرّضت للتخريب والإهمال خلال فترة الخصخصة.
المصدر:
السفير اللبنانية
0 comments:
إرسال تعليق