شوقي كريم ذلك الروائي المتفرد في نسج الواقع على منوال خاص
ينير لنا هذه المرة طريقا مكللا بالظلام برواية
فذة وبسبع بوابات أراد لنا دخولها كي نصطدم بحكمة مضيئة عند كل بوابة
انها رواية نهر
الرمان .. وقبل أن ألج بوابتها الأولى أقف عند عتبة هذه الرواية لأرى ( اراغون ) بعد
أن تكلمه الأرض ليقول ... الأرض ليست نادرة أو ثمينة ....
-- عند عيون الانتهاك
-- هذه هي البوابة الأولى وهي تثير لنا جدلا
حول فلسفة الوجود والموت وتنثر لنا حٍكَمَ التأويل ..
... كيف يمكن البقاء
وسط دنيا دون أسرار ..
... كيف يمكن الوصول
إلى مااريد وطرقاتي وحول ونباح كلاب وليل لايعرف كيف ينتهي ؟؟؟
شوقي كريم يهمس
من خلال هذه الرواية بأن ( الحقيقة هي المشعل الوحيد الذي يضيء لنا الدرب )
هذا الروائي الحالم
-- الذي قادته أحلامه إلى ما يريد -- دوٌن
في هذه البوابة فنا مزدانا بلحظات شعرية وصورا مشرقة ولفظا عاميٌا يطرق كنه المواويل خيالا وتأويلا ونسقا
مضمرا جاعلا من المتلقي مشاركا له في البحث والتنقيب ...
.... عند حيطان
بيوتنا .. رسمت أضوية وأكفا تصفق .. كنت أغيٌر
كل ماارسم بشخطة فحم ....
.. جدي أوصاني
أن اتخذ من السماع سلٌما من أجل الوصول إلى غاياتي ...
... المجانين أكثر
الناس معرفة للطرقات ...
وما اجمل هذه العبارة
.. الوجوه التي كركمها كاهن الموت ...
نعم نحن عند بوابة
.. عند عيون الانتهاك .. التي وظفت بيت المتنبي
العظيم ...
وإن تكن تغلب الغلباء
عنصرها
فإن في الخمر معنىً ليس في العنب
في هذه البوابة
معنىً ليس في العنب
ما أن نغادر البوابة
الأولى أو نكاد ؛ يطالعنا ضوء مرتبط بخيط المعرفة والبوح والحوار إذ يأخذنا بيديه المفعمتين
بأنوار الحكمة إلى مباهج الأحلام وربيع التأملات لنرى امرأةً بكرسيها المتحرك جنب امرأة
مخدِرة وبضٌاعا بمشرطه المتقاسم اهاتٍ مع الجسد ٠ هذا الجسد المسجى على طاولة التأوهات
والمسائل عن سر غيابه
_ وهل غبت كثيرا
...؟؟
_ دون ذلك الغياب ماكنت تقدر أن تعيش !!
مع انتظارات _ وسط دوامات من الدخان والبكاء _ تبدأ
حوارية القلب والجسد ، تلك الحوارية المشدودة بفلسفات تبحث عن كنه ضائع بين فجوات المستقبل
.....
__ غنٌ ودعني انتشي
بعذوبة مراميك .. تعال الآن .. تعال نرقص سوية نزرف بطن الوحشة التي ارعبت إنسانية
البيوت،. قلت لك غنٌ لا تركب بغل عنادك والا
سأضطر لمغادرتك بحثا عن جسد ٱخر اكثر ألفة وحبورا ...
هكذا هو القلب
حين يجعل الجسد مذعنا ومستسلما ...
وتبدأ رحلة الحوار
بينهما ومن هو التابع والمتبوع .
البوابة الثانية
تثير حوارا ثانيا أيضا بين تابع ومتبوع مثلما الجسد والقلب، بين فاضل ابراهيم والضابط، وهذا الحوار عن ( خالد
خلف عودة) ذلك الجندي الذي اصيب برصاصة جعلت منه شخصا مجنونا أريد له أن يكون ضحيةً
عند الساتر الاول وهكذا كان
__ قال الضابط
مخاطبا فاضل ابراهيم:: الحرب تحتاج حطبا وفتحَ
طريق بمجنون احسن من فتحه بواحد مثلك ...
( اغرورقت عينا
البضٌاع بالدموع وهو يحدق في بقايا جسد خالد خلف الذي راح يثغب ....
_ فاضل ابراهيم
.. لاتنسَ .. قل لأمي التي لاتعرف ماتعني الطرقات
إن خالد خلف المتهم
بجنون الشظايا وعبث الوقت عَبَرَ لتكون مواجعه اكثرَ بساطةً وأشدٌَ حزنا ....
هنا نتذكر بيت
المعتمد بن عباد
قالوا الخضوع سياسة
فليبدُ منك لهم خضوعُ
والذ من طعم الخضوع
على فمي
السم النقيعُ يالقسوة الايام وهي تجعل من دوائرها الملونة كوابيسَ جنون وملاذاتٍ
نار تحيط بأجساد نافرة تعانق أرواحا مزدانةً بقلق فاضح فما بين بضٌاع ومخدٌرة وبين
جسد وروح تقفز شخصيةّ تعيد صياغة الجنون التي
لا تقدر هذه الشخصية على العيش بدونه ..ونحن نغوص في أعماق بوابتنا الثالثة نجد هذه
الشخصية المستلة من جسد الأحداث تأخذنا ( من ضحكة بلهاء إلى صراخ احمق تتحول الدنيا
بين يديها إلى سخرية مرة كالعلقم).....يالها من بوابة تعبر بنا ينابيع الأمل تارة والى
( ليل زنازين قاحل وحلم تبدد بين غرفة تحقيق وقاعة اعتقال ) ...انها رواية ليس كباقي
الروايات المتداولة إذ على قارئها أن يعيش تفاصيلَ مرعبةً حينا وحواراتٍ بين جسد وروح ونفس وقلب ومخدٌرة وبضٌاع وسيدة كرسي وانتقالات ومفاجآت حينا
ٱخر ..
( أجمل الأشياء
تلك المحاطة بالمفاجئات ) ( العشق سؤال لا أحد يستطيع البوح به ) ( لاأحد يعيد وجودك
سوى الأمل ) تلك حِكَمّ نراها بين السطور ...هل وصلنا في هذه القراءة إلى ماكان يجول
في راس الراوي وهو الذي مرٌَ بتجربة كالتي مرٌ بها ابطال روايته حيث كان أيضا تحت يدي
بضٌاع ومشرطه وهو صاحب القلب الكبير الذي أحاط بعالم ممتلىء بكل بذور التناقضات ، لكن
هذا القلب بقي متماسكا رغم سيولات الوجع وفيوضات القهر وارتعاشات القلق ... قلب تشبث
بافانين البقاء ليروي لنا مانراه واقعا لاخيالا ....
بمداد الحلم وتصويبات
الفنان سينتقل معنا إلى بوابة رابعة حيث سنكون
..
عند رحلة الاكتشاف (إن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك وان
استهزأت فأنت وحدك تتحمل)
انت ايها الحالم
بحياة تتشاجر مع موت مدلهم لا لأجل شيء بل لأجل أن يبزغ قمر الحق في سماوات مظلمة
.. ماانفكت لواعجك الطائرة نحو الغمام مضيئةً .
ايٌّ نهرٍ هذا
الذي يتجه صوب ارض سادها الضمور ؟؟؟
حين تتداخل المشاهد
تحت يديّ البضّاع كي نرى ساترا ترابيا ودوي رصاص ( الحروب فكرة لاختبار الرغبات المخزونة
في أعماق ارواحنا) .. هكذا إذن تأتي هذه الحكمة كي تضيء لنا هذا المشهد .القلب تحت
رحمة المشارط وهو يلتهم دما غريبا .. كان يضحك .. (ماذا لو كان هذا الدم الذي يعيد
لك الحياة دمَ قاتل.؟؟)
( ماذا لو كان
دمَ راقصةٍ تكفر عن خطاياها بفضيلة التبرع بالدم؟)
أم أن الجسد يغيره
دم كاهن كنيسة؟....
وهنا تأتي هذه
الجملة المفعمة بالحقيقة ..( وحدهم الفقراء من يسخون بدمهم ). .
تبدأ الروح والقلب
والجسد حوارا فلسفيا .. أيّ قلب هذا الذي ينفض الأسئلة ويعيد توازن المدى وهو تحت مشرط
البضّاع .. ؟؟
وأية روح تلك التي
تنفث الحكمة وهي تحت سيف الموت . وأيّ روائي هذا الذي جسَّد في نهر رمانه بوحا مكتظا لاتوقفه أعاصير البلوى وفحيحها ؟؟؟
يجعل من ( فتنة
ذرب ) امرأةً بقامة رشيدة ومن ( فطيم ) سليلةَ جنوب مصادر وما بينهما كانت الأسطر تلهث
حيويةً وخيالا منثالا.
يذهب بنا حيث الأوامر
العسكرية وفحيح البيريات الحمراء والأمهات بأنينها الباحث عن فلذات الاكباد ..
يالهذا القلب وهو
يلوّح لنا بكل نوافير الأحلام .هل هي رحلة
اكتشافه ام رحلة اكتشاف البضّاع .؟؟؟؟
( بأن يكون الشخص
إنسانا أبدا مهما كانت المصائب وأن لايكتئب ولا يسقط )
يذهب بنا هذا الروائي
العنيد والمتمرد إلى فضاءات الخيال محلقا بأجنحة الابداع ملامسة شغاف الاصرار على التمسك
بجذوةٍ تحاول هي الخلاص منه رغم شدة لسعاتها وهو يسير في بساتين احلامٍ لايتمنى إن
يعكرَ أفانينها نعيبُ غربان أو مساراتُ دخان .. عائدٌ بنا أيضا إلى حوارية الجسد والروح
والقلب ...
هذا القلب الذي
مازال يشعر بضغط اصابع البضّاع ...
أنت ايها القلب
الذي يحدثنا رغم هذه الاهوال التي يمر بها بوجدانياتٍ تارةً وحِكَمٍ تارةً أخرى ..عن
حوار بين مخدرةٍ وعرّافة. عن جدل بين جسد وروح وعن أسئلةٍ تتواشج مع طيّاتها..
( هل يمكن للحرب
إن تصنعَ أحلاماً). وما بين حوار وحكمة يتحول المكان إلى صالة عرض مسرحي ليتحدث شكسبير
مع الملكة اليزابيث عن معنى الخيانة . وهل هي حقا بأنها ( اعلان مالا يستحق في حضرة
القيم والأخلاق).. كي ينبري برنادشو بمشهد تمثيلي كي يصل إلى تفسير للخيانة غير المفهوم
الأعرج الذي أطلقه شكسبير..
تدخل الحكمة ضمن
هذا المشهد التمثيلي الذي اقتحم لحظات البضّاع والمخدرة وسيدة الكرسي لتضيء مشهدنا
الغارق بالأسئلة..
( هموم العارف
تجعل افكار الغادين مجردَ تأريخ من أسئلة). ( الجدل ثوب الأفكار وطريق التكوين ) .
والحذر بأن ( تبعد خطوك عن درب لايوصل إلى غير المقصلة )( التأريخ صندوق أكاذيب فاجر
لاينطق بغير الاوهام )..
من خلال هذا الحوار
تقفز لنا صورٌ شعريةٌ وعبارات موزونة.
( الليلة صمتٌ
..وانا ودعت حياتي لضباب) .(في رأسك حلمٌ مجنونٌ ياعطار .) .. وما بين شكسبير وبرنادشو
وبين بضّاعٍ وقلب تتشابك الأحداث أمام جسد يحلم بأرجوان جديد لمواصلة المسير وما بين
انزياح وتأويل وفكرة وحكمة تكون ( الايام ساذجةً بسيطةً لأنها خالية من الرفض والاحتجاج)..
ٱه .. أنها كريات
الارجوان المنسابة .. ويالهذا القلب الحالم
تحت يديّ البضّاع ...وأنت أيها الرائي .. مالقلبك
وهو بين يديّ البضّاع يتجشم كل هذه المعاناة بصبرٍ لاينضب وبرؤيا لاتنقطع ؟؟هذا القلب
الذي يعيد تكوين ايامٍ مضت وأيامٍ تلمع بمفترقاتها .. يصرخ بالاحتجاج تارةً وبالحكمة
تارةً أخرى .. هاهو يلبط عند مجساتٍ شارعةٍ بالأغواء. يتكلم بلسان سان جون بيرس( وانا
ساهرٌ على شاطئها يمزقني كوكب عذب)
ياه ... ( من أوصلنا
إلى مانحن عليه ولماذا.. لاأحدٌ يستطيع الإجابة حين يكون المتهم حاكما والحاكم متهما)...
صالةٌ تتشح بالبياض
ومابين بضّاع ومخدرة ينمو القلب بعناده الذي يريد إعادة الحياة .. ها هو يقاوم كما
تقول الروح وتردُّ النفس ويحسب الجسد الفَ حساب . وما بين دمية عسلية الشكل ودمية ثانية
وثالثة تتأرجح العبارات كي تعلنَ بثبات ( إن الجلوس على الدرب لايوصل إلى غاية ومطلب)
وما بين هذه وتلك تقفز اصابع البضّاع كي تعيدَ الأمل مع رجل مصاحبٍ للأرجوان مثلما
تنشر أشرعتَها الحكمةُ وتثير لواعجها فلسفة الجنون ....
( من يمنح جنوني
بعضَ ماتسمونه عقلاً .. من يدفع أحلام الفقراء إلى حدائق الرضا .. من يلوك الصمت ليلةَ
زفاف الخراب .؟؟؟)..
هنا يشرأب الحرف
اللامع لصريع الغواني مسلم بن الوليد..
بكاءٌ وكأسٌ كيف
يتفقان
سبيلهما في القلب مختلفان
هكذا إذن .. قلب
موضوع في إناء فضي يقاوم الانكسار ويعاند الموت كي يرى أمَّه تدوف حزنها بماء العينين..
تلك هي (فطيّم) درة البوح الجنوبي عندما تتكلم بلغتها العامية البسيطة عن هذه الحياة
التي ( تبدي بضيم وتنتهي بضيم) وحين يحدثها القلب بأنها تفكر افضل من ماركس وانجلز
وماو وسارتر تبدأ تسأل عن ( عزيز علي ) كي تغني .. عشنا وشفنا وبعد نشوف.. قرينا الممحي
والمكشوف .
حين اومأ البضّاع
إلى رجل الارجوان بأن يقتربَ منه شعر أن الخشبة المسجاة (الجسد) بدأت تتحسس وجودها
العابث وتهمس الروح..(فطيّم .. كل مااحتاجه منك ليلةَ احزان طويلة ... غنّي فطيّم..
اريد تضميد ماتبقى مني ..
انتقل بنا ايها
الرائي المتمرد من سان جوها أنت ايها الرائي وأنت تريد أن تنتهي هذه الرحلة التي بدأتَها
بعيون الأنتهاك مخترقاً صباحات الأسئلة وتفاهات الحروب ماراً عبر لعبةٍ فريدة اسمها
(الموت) راسماً بفيوضات ابداعك جداولَ احاديثٍ من عالم اللاوعي كي ترتقي سلالمَ الحقيقة
الواعية هاشاً بعصا الحروف أيامَ الهذيانات واللياليَ المبلولةَ بالخيانة . متخذاً
من ( فطيّم وحيلي) قدوةَ النواح الجنوبي وهدير الخلجات الإنسانية..
تلك المرأةُ التي
نسجت بفطرتها هديلَ أحلامٍ لم تتحققْ وصباحاتٍ عذبةً رغم قهر السنين..
لقد قبلتَ لعبة
التحدي هذه بكل أشواطها مع بضّاعٍ ماهرٍ أراد لك الوصول إلى عربةٍ ستأخذك إلى عوالمَ
مضيئةٍ بعد كل مسارات العتمة.. يالهُ من قلبٍ
خاض غمارَ الاحلام مثلما صهلَ بين مدن الهواء وغرفٍ مسوّرةٍ بالشبق.. من يحتضنك بكل
هذا الرفق ليحاول اعادةَ ايامك وتجربة لعبة الحياة بعد كل هذا العناء ؟؟ وأيةُ امرأةٍ
تلك التي تأخذك إلى فضاءاتٍ عذبةٍ بعد رحلة كان اجملها هذه التجربة التي أفضت بك وبخيالاتك
إلى مسلات الدرر وشهقات الحنين؟؟
أيُّ قلبٍ هذا
الذي يهمس بكلّ قنواته ليرى (خالد خلف) ذاك الذي أهدته الحربُ رصاصةً في رأسه وهو يعيد
تلويحتَه محذرا (من الطرقات التي لا تقدر على
معرفة وجودها) ؟؟؟
ايها العارف بكل
ادوات اللعبة والماسك بجواهر المفردات والصانع الماهر والباسق كنخيل العراق .. نراك
لامعا بحروفك الندية وأنهارك العذبة التي ارتوينا منها شهداً برحلة ملونةٍ (ينبجس منها
سؤالٌ واحدٌ لاغير.. مالموت.. ولماذا يتحتم علينا أن نمارسَ لعبتَهُ طوال حياتنا ؟؟؟)
انتهى
0 comments:
إرسال تعليق