الصراع القائم اليوم على ليبيا هو صراع المصالح الأجنبية، وهو صراع في منطقة البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل والصحراء التي تشكل فيها ليبيا أهمية جغرافية.
تنذر الفوضى المستشرية في ليبيا بإطالة أمد الأزمة الليبية فاستمرار حالة الاقتتال والفوضى، وبذلك تتجلى بوضوح معالم سباق محموم تغيب ملامحه أحياناً تحت مسمّيات وأقنعة مختلفة، لتعود وتظهر حين تشتد وطأة الأطماع، وتختنق الخيارات السلمية.
وفي الوقت الحالي، يتصدّر المشهد الليبي 3 أطراف رئيسة، هي: قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطنية فايز السرّاج، ورئيس مجلس النواب عُقيلة صالح،
إن "مواقف موسكو وواشنطن يختلف تمام الاختلاف في جوانب عديدة حول توتر الوضع الليبي، بما في ذلك، حول الأسباب الأساسية لما يحدث، وكانت المباحثات بين وزراء الخارجية والدفاع لروسيا وتركيا مع الأطراف الليبية، قد استمرت لأكثر من ست ساعات تقريبا، خلال المشاورات التي جرت في موسكو لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الليبية لوقف إطلاق النار.
وكان طرفا النزاع في ليبيا قد أعلنا وقفا لإطلاق النار، اعتبارا من يوم 12 يناير، بناء على مبادرة من روسيا وتركيا، خلال لقاء جمع الرئيسين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي في إسطنبول.
لان ما حدث في موسكو لم يتفق مع تلك الرؤية؛ حيث وجد المشير خليفة حفتر نفسه محشورًا في قلب التفاهمات الروسية التركية ، بجانب مخططات تركيا التي تنطوي على تأمين موقف حكومة السراج والمليشيات الإرهابية والتي باتت آيلة للسقوط، كما استشعر حفتر من أجواء موسكو بوادر لتكرار "نموذج سوري" جديد على أرض ليبيا يتقاسم فيه الروس والأتراك دوائر النفوذ، ويخسر الجيش الوطني المكتسبات التي حققها أخيرا،
وهو ما يتعارض ــ أيضا ــ وبالضرورة مع الهدف الرئيسي للجيش الوطني والذي يتمثل في تطهير البلاد من الميليشيات والتصدي لمخططات أردوغان الإقليمية.
ولذلك جاء الاتفاق علي انعقاد مؤتمر برلين في العاصمة الألمانية، الأحد المقبل، بهدف بحث سبل إيجاد حل للأزمة الليبية وضمان وقف إطلاق النار، حيث دعت برلين 11 دولة للمشاركة في المؤتمر على رأسهم مصر، الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، فرنسا، الصين، تركيا، إيطاليا، الإمارات، الجزائر، والكونغو، بجانب فايز السراج والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر.
من بعد ان وافق قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، على حضور مؤتمر برلين، لدعم الجهود الرامية لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا، حيث أبلغ حفتر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بقراره، الذي يزور ليبيا للقاء قائد الجيش الليبي، في محاولة لدعم الجهود الرامية لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا،
لان مؤتمر برلين المقرر عقده الأحد المقبل هو أفضل فرصة منذ فترة طويلة من أجل إجراء محادثات لإحلال السلام في ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى منذ 2011 عندما شهدت انتفاضة ومواجهات قتل خلالها الزعيم السابق، معمر القذافي.
لتركيا أربعة أهداف تطمح إلى تحقيقها في ليبيا.
أولا: الطاقة
فتركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد. ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط. وهو ما دفعها في وقت سابق من هذا العام خلال شهر يوليو إلى إرسال سفن للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص،
وهو ما اعتبرته نيقوسيا استفزازا وتحركا غير قانوني. فالتقرب التركي نحو ليبيا هو رغبة منها في توفير موارد طاقة جديدة لأنقرة، ولذلك أبرمت أنقرة في 27 نوفمبر الماضي اتفاقا بحريا مثيرا للجدل مع حكومة الوفاق الوطني الليبية تسيطر بموجبه تركيا على مناطق لا تخضع لها بموجب القانون الدولي. وهو ما أثار غضب اليونان وقبرص.
ثانيا: منطقة شرق المتوسط
تعد منطقة شرق المتوسط مطمعا كبيرا لدول المنطقة برمتها لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعي يقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب. أنقرة تريد إذا أن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات.
وجاءت اتفاقية "شرق المتوسط" المعروفة باسم "إيستميد" بين اليونان وقبرص وإسرائيل والمزمع التوقيع عليها الخميس 2 يناير المقبل والتي تهدف إلى تأمين إمدادات الطاقة في أوروبا عبر خط يبلغ طوله 2000 كيلومتر، لتعرقل محاولات تركيا توسيع سيطرتها على شرق البحر المتوسط. التحالف التركي الليبي يأتي ردا على تلك الاتفاقية.
الهدف الثالث لأنقرة هو أن تكون قريبة من مصر.
ترغب أنقرة أيضا من خلال انخراطها سياسيا وعسكريا في ليبيا في أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها الغربية.
وتعتبر ليبيا ساحة مواجهة خلفية بين القاهرة التي تدعم المشير خليفة حفتر وأنقرة التي تساند عسكريا فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني. كما أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة تشهد توترا منذ إطاحة الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في 2013 .
الهدف الرابع: العثمانية الجديدة
الدور التركي في ليبيا يأتي كذلك في إطار مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان في إحياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع لأبناء أتاتورك على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أوّلها يتعلّق بانعدام الاستقرار وغياب الدولة التي كان باستطاعتها السيطرة على الجماعات المتطرّفة، ومراقبة حدودها، وثانيها يتصل بوجود جماعات متعدّدة مدعومة من جهات أجنبيّة (تركيا وقطر...)
وقيادات من جنسيات مختلفة : مصريّة وتونسيّة وبحرينيّة وسودانيّة وعراقية وغيرها خبرت الحرب والتخطيط وتوفّرت لديها القدرة على التنفيذ، والمهارة منذ انخراط عدد من القياديين في «الجهاد الأفغاني» .أمّا العامل الثالث فيكمن في وجود شبكة ممتدة على منطقة الساحل بحيث يقع التنسيق بين الجماعات في ليبيا ومالي وغيرها من البلدان بكلّ يسر.
ومثلما هو معروف مع كلّ إعلان عن اندلاع حرب أو صراع مسلّح تستغلّ عدّة جماعات الموقف لصالحها ولذلك وجدنا عصابات التهريب تنشط فتسعى خلال هذه الأيّام، إلى تمرير الأسلحة القادمة من تركيا إلى ليبيا عبر تطاوين والقصرين ومدنين. وفي السياق نفسه أعلنت السلط الأمنيّة عن العثور على بعض الأشخاص الّذين كانوا يخطّطون لعمليّات إرهابيّة تستهدف مقرّات أمنيّة.
ولكن ثمّة فرضيات أخرى محتملة تتمثّل في محاولة الخلايا النائمة استغلال هذه الظروف لتجديد نشاطها لاسيما وأنّ تدفّق اللاجئين على تونس يعتبر فرصة ثمينة لتنفيذ عمليّات إرهابيّة. وتشير بعض المصادر إلى تسلّل عناصر إرهابيّة من جنسيات مختلفة أهمّها تونسية وتشاديّة وموريتانية، وسورية إلى التراب التونسيّ، بعد أن اطلق سراحها من السجون التركيّة ورُحّلت إلى ليبيا.
ولا يمكن التغافل عن إمكانيّة استغلال «الذئاب المنفردة» من الجنسين الوضع لردّ الفعل، ولفت الانتباه إلى قدرتهم على إحياء فكرة «دولة الخلافة باقية وتتمدّد»، خاصّة إذا أدركنا أنّ شهادات بعض التونسيات ، والتونسيين في بعض وسائل الإعلام الأجنبيّة تؤكّد أنّ فكّ الارتباط بالفكر المتشدّد لم يحصل، وأنّ التعلّق بحلم إحياء «دولة الخلافة» لا زال يدغدغ البعض.
وفي سياق سياسيّ مخيّب لآمال أغلب التونسيين كشف عن هنات في مستويات عدّة: منها ما يتعلّق بعدم التمكّن من إرساء عقد اجتماعيّ جديد، ومنها ما له صلة بالعجز عن إعادة الثقة في الحكومة والسياسيين عموما، ومنها عدم توفّر القدرة على حسم الخلافات ذات الصلة بالاستقطاب الأيديولوجيّ، ومنها غياب الشفافيّة واضطراب التصريحات بشأن الخلاف الليبيّ والتدخّل التركيّ، واستشراء النفاق والتلاعب بالعقول... ماذا يمكن أن ننتظر من بلد يُساس على هذا النحو ؟
** لذلك فإذا كان الصراع في ليبيا قد أدى إلى تداعيات خطيرة على الأمن القومي لكل دول الإقليم خاصة مصر و الجزائر التي وجدتا نفسهما تتحمل عبئاً كبيراً لتأمين الحدود، خاصة في ظل تنامي الجريمة المنظمة، وتهريب السلاح، والهجرة غير الشرعية، ونشاط الجماعات الإرهابية فإنه بلا شك ستكون هناك تداعيات كبرى إذا استمر الصراع في ليبيا.
0 comments:
إرسال تعليق