التجار الإسرائيليون يبحثون عن أسواقٍ قريبةٍ، ومستهلكين عطشى لمنتجاتهم، ممن هم في حاجةٍ ماسةٍ لمصنوعاتهم، ويعتمدون كثيراً على ما يبيعونه لهم من بضاعةٍ مختلفة، زراعية وحيوانية وصناعية وتكنولوجية، وليس أقرب إليهم من الأسواق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث يفضلونهما على أي أسواقٍ خارجيةٍ أخرى، فالوصول إليها سهلٌ وميسرٌ، ولا يستغرق وقتاً ولا يكلف جهداً، ولا يتطلب نفقاتٍ ولا يحتاج إلى إجراءاتٍ رسمية ومعاملاتٍ جمركية، ولا يلزم التجار مخازن لتخزين بضاعتهم، أو براداتٍ لحفظ منتجاتهم، فلا تفسد ولا تتعرض للتلف.
كما لا يتحمل التجار الإسرائيليون مسؤوليةً قانونيةً عما يحدث لبضاعتهم المباعة على الطريق، في حال صادرتها سلطات الاحتلال أو أتلفتها، إذ أنهم يبيعون نقداً، ويستلمون ثمن بضاعتهم سلفاً، ولا يقبلون بالأثمان المؤجلة ولا البيع المشروط أو المرهون، الأمر الذي يجعل من الأسواق الفلسطينية بالنسبة لهم أسواقاً رائجة، وأرباحها عالية، وحقوقهم فيها مضمونة ومكفولة، ولا يستطيع تجارها التهرب أو المماطلة، إذ تتعطل أعمالهم، وتتجمد تجارتهم، وتسحب بطاقاتهم، كما تلتزم السلطات الإسرائيلية تجاه تجارها في حال وقوع مشاكل مالية، بتحصيل حقوقهم من عوائد السلطة الفلسطينية الجمركية، سواء عبر عمليات المقاصة أو بتجميد بعض الأموال إلى حين التزام التجار الفلسطينيين بأداء ما عليهم.
ولما كانت طبيعة الإسرائيليين جشعة، وميزة تجارهم الطمع، وضابط حياتهم المال، فقد انفجرت مشكلة العجول بقوةٍ، وتفاقمت بسرعة، وانعكست على جوانب تجارية واقتصادية عدة، وتدخل في محاولة حلها مسؤولون أمنيون وسياسيون، فلسطينيون وإسرائيليون، في محاولةٍ منهم لاحتواء المشكلة وحل الأزمة، إذ باتت تنذر بما هو أكبر وأخطر، بعد أن شكا من تداعياتها التجار وأصحاب المزارع الإسرائيليون، الذين تكدست لديهم العجول وأصبحت جاهزة للذبح، بعد أن وصلت إلى أوزان كبيرة لا تزيد بعدها، بينما تكلفهم أعلافاً ورعاية صحية كبيرة.
وكان رئيس الحكومة الفلسطينية د. محمد اشتية قد أصدر قراراً بمنع استيراد العجول الإسرائيلية، حيث يبيع تجار المواشي الإسرائيليون إلى الأسواق الفلسطينية بأكثر من 200 مليون دولار من العجول سنوياً، في الوقت الذي لا يستطيعون بيع إنتاجهم الحيواني إلى دولٍ أخرى، كدول أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها، لبعد المسافات أولاً، ثم لصعوبة الإجراءات وتعقد الالتزام بها بدقةٍ، لجهة الشهادات الطبية، ودورية التطعيم الصحية، وعمر العجول وأوزانها وحالتها العامة، فضلاً عن أن الدول التي تتعاون مع الكيان الصهيوني اقتصادياً، تتفوق عليه في سوق المواشي، حيث يتميز إنتاج دول أوروبا كثيراً في مجال العجول والأبقار تحديداً، الأمر الذي ينفي حاجتها إلى استيرادها من مكانٍ آخر.
أدرك الإسرائيليون نتيجة هذا القرار أنهم وقعوا في مأزقٍ كبيرٍ، وأن إنتاجهم لهذا العام قد ينفق أو يفقد قيمته السوقية، فلجأوا إلى فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ قاسيةٍ على الفلسطينيين، حيث أصدرت سلطات الاحتلال قراراتٍ بمنع تصدير الزيت والزيتون الفلسطيني، ووقف إجراءات تصديره إلى الأردن ودول الخليج العربي، وعرقلة إجراءات نقله إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي، وقد جاءت القرارات الإسرائيلية، التي اعتبرت ردة فعلٍ على القرار الفلسطيني في وقتٍ حرجٍ جداً، حيث استهدفت بقراراتها الزيت والزيتون في أول موسمه، وهو الذي يعتبر عماد الاقتصاد الزراعي الفلسطيني في الضفة الغربية، علماً أنه يتعرض للتخريب والتلف المتعمد من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين، الذين يتعمدون حرق أشجار الزيتون أو خلعها، أو يمنعون الملاك الفلسطينيين من جمع زيتونهم، ويحولون دون وصولهم إلى حقولهم، الأمر الذي يتسبب غالباً في فساده وتلفه.
لم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي أصاب تجارها الجنون بمنع تصدير الزيت والزيتون والتمر الفلسطيني، بل أعلنت عن نيتها منع تصدير مختلف المنتجات الفلسطينية، ومنع وصول المنتجات التي تتبرع بها دول أوروبا إلى المناطق الفلسطينية، حتى تتراجع السلطة الفلسطينية عن قرارها، وقد توجه تجار الأبقار الإسرائيليون إلى رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، وطالبوه بالتدخل لحل هذه المشكلة، التي تسببت لهم بخسائر مالية فادحة، وأدت إلى بطالة كبيرة في أوساط العاملين في سوق اللحوم.
رغم أن قرار منع استيراد العجول والأبقار من الأسواق الإسرائيلية، قد أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق الفلسطينية إلى أكثر من 25%، حيث أن الفلسطينيين يستوردون أكثر من 90% من حاجتهم من اللحوم من الأسواق الإسرائيلية، إلا أنه يعتبر خطوةً في الاتجاه الصحيح، بغية الانفكاك عن النظام الاقتصادي الإسرائيلي، والتخلص من التبعية له، والتحلل من اتفاقية باريس الاقتصادية السيئة، وتحسين الاقتصاد الفلسطيني وانفتاحه على العالم، وخلق فرص عملٍ جديدة، حيث نأمل أن تكون دوافع الحكومة الفلسطينية دوافعٌ وطنيةٌ، ونواياها بريئةٌ وصادقة، وليس كما يدعي الإسرائيليون أن وراء هذا القرار مافيا فلسطينية، تتطلع إلى الاحتكار والإثراء، ويهمها السيطرة والهيمنة، ولا تعنيها اتفاقية باريس ولا تقلقها بنودها وقيودها.
0 comments:
إرسال تعليق