ماذا يعني مصطلح الذباب الالكتروني؟ كيف يمكن التفريق بين الشائعات والدعايات في ظل هذا المصطلح؟ ما هو دور الاعلانات والترويج المباح؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها التي قد ترد لاحقاً أو تبقى تنتظر، لابدّ من تعريف موجز للشائعة والدعاية والاعلان أولاً لتتضح الحقائق. تعني الشائعة باختصار نشر أخبار غير معروفة المصدر في أحيان كثيرة من أجل أهداف وغايات شتى تدخل ضمن الحرب النفسية ربما أو غير ذلك لمتطلبات يقتضيها وضع معين، ومع اتساع النشر الإلكتروني ظهرت مسميات كثيرة لجهات وصفحات وهمية غالباً، اضافة لقلة معروفة، تحاول التأثير على الرأي العام بنشر الأكاذيب تارة، ونشر بعض الأخبار التي تحمل جزء من الحقيقة بين طياتها تارة أخرى لزعزعة ثقة من تصل اليه تلك الأخبار بعقيدته أو رأيه أو الهدف الذي من أجله خرج، لاسيما أثناء التظاهرات أو تبني رأي ما بدأ متشكلاً كرأي عام محلي أو دولي.
في حين تسعى الدعاية الى الاستمالة الشخصية لتبني رأي جهة أو مؤسسة أو شخص والتأثير على الفرد لاعتناق ذلك الرأي أو تحييده أحياناً من التصدي لطروحات يسعى اليها رجل الدعاية، ولسنا هنا بصدد الخوض بالتعريفات الخاصة بالدعاية ونظرياتها بقدر توضيح مبادئ ضرورية لمعرفة ما يأتي .
أما الاعلان، فهو الترويج لسلعة أو خدمة معينة مقابل ثمن يُعمل به في الانشطة التجارية؛ يستفيد منه كثيراً رجل العلاقات العامة بما تحتاجه المؤسسة المنتمي اليها من خلال توظيف مستويات العلاقات العامة الاتصالية والمادية أيضا لتحقيق الهدف.
مع كل تلك الأنماط، استغل المروجون لأحزاب ومنظمات ودوائر وجهات سياسية كثيرة ليدفعوا للجماهير أخباراً مهما كانت تحمل من مصداقية، لكنها دعائية تُستغل لصالح تلك الجهات، والترويج لها، بغية كسب جمهور أكثر لها، أو تحطيم معنويات الخصوم بوجود جمهور القطيع التابع لها ضد جمهور قطيع مضاد أيضاً، لتنشأ تباعاً سلسة متواصلة من الأخبار والتقارير والصور والأحاديث المفبركة وغيرها، تسعى في كثير من الاحيان للتسقيط وتشويه سمعة الخصوم، بالاستعانة حالياً بجيوش الكترونية أطلق عليهم الذباب الالكتروني، وهو مصطلح يعد حديثاً في الأدبيات الاعلامية.
بعد انتفاضة أكتوبر من قبل الشباب العراقي، شنَّ الذباب الإلكتروني حملة شعواء على المتظاهرين بشكل منقطع النظير، لتشوية مبادئ الثورة أولاً، وثني من خرج من الجماهير مطالباً بحقه الشرعي والدستوري ثانياً، واستعانت جيوش الذباب الالكتروني بفضائيات موالية من خارج حدود الوطن مساندة لها، وبذا انكشفت مصادر التمويل والتخطيط لعمل تلك الجيوش، وهذا يعدّ اليوم خروجاً عن المألوف الشائع في عمل الجهات الساعية لنشر الشائعات والدعايات ضد خصومها، فغالباً ما تكون متخفية ويقوم غيرها بنشر ما تريد، وهذا ما يسمى أحياناً الدعاية السوداء التي هي من أخطر أنواع الدعاية. لكن الجديد والملفت للنظر، أن عمل جيوش الذباب الإلكتروني جُوبه بردِ فعلٍ أقوى من قبل الثائرين والمساندين لهم حيث أغلبهم في ساحات الاحتجاج بشكل متواصل، وربما لا يتسنى لهم معرفة الكثير مما يقال عنهم، والتهم الكيدية الجاهزة التي توجه لهم. وليس أقلها أن كل المتظاهرين هم أبناء غير شرعيين مشكوك بأصولهم، ومن العملاء الموالين والتابعين لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والأمارات!
في ظلِّ حراك جماهيري مليوني لأغلب المدن العراقية، باستثناء الاقليم، باءت كل محاولات جيوش الذباب الإلكتروني، وأيضاً في ظل غياب أعلامي واسع متعمّد، يبدو أنه فُرض قسراً على الكثير من المؤسسات الإعلامية وبحرق بعض مكاتبها كي لا تنشر أخبار المتظاهرين وبركان الغضب الجماهيري المنادي بتغيير العملية السياسية برمتها، بدءاً من أسقاط الحكومة والمحاصصة، والكثير من القوانين الجائرة ضد أبناء الشعب الذي تدّعي حكومته العمل بدستور ديمقراطي؛ لذا في مثل هذه الأجواء؛ لابد من البحث عن المزيد من الاخبار غير المتوفرة، الأمر الذي يؤدي بالجمهور الاضطرار للتواصل مع ما تنشره الكثير من الصفحات الإلكترونية على الفيسبوك وغيره، ومنها صفحات جيوش الذباب التي فشلت فشلاً ذريعاً بعد انتشار آلاف الأخبار والصور ومقاطع الفيديو مباشرة من ساحات الاحتجاجات للعالم أجمع.
ومع كل عنف الأجهزة الأمنية المفرط حسب تقرير الأمم المتحدة ضد المتظاهرين رغم ادعائها أن من يطلق النار ليسوا هم، بل جهات مجهولة، وهذا أيضاً نوع من التضليل الاعلامي؛ حاولت جهات شتى عبره دمج الشائعات والدعايات معاً لتسكين الوضع الذي فشلت الحكومة من خلاله للتهدئة، أو قمع الثورة مرة أخرى، لتتوالى تقارير منظمات حقوق الانسان متتالية الى الأمم المتحدة والعالم بشكل رسمي يكشف ما يجري يومياً على أرض الواقع.
فعلاً لقد رأينا اليوم شكلاً مختلفاً من الشائعات والدعايات التي تحاول بها الجيوش الإلكترونية النيل من عزيمة الثوار واقناع العالم بأن ما يجري في العراق مجرد عمليات تخريب تقوم بها قليلة من الأطفال والصبيان المنحرفين، لكن الذي فنّد ذلك وقضى عليه بشكل مؤبد هو الثورة اللاحقة لطلبة الجامعات والمدارس التي سميت ثورة القمصان البيضاء، والنقابات والاتحادات المهنية، وكل فئات وشرائح المجتمع من أطباء ومهندسين ومحامين واساتذة جامعات ومعلمين ومدرسين ممن امتثلوا لنقاباتهم وأعلنوا العصيان المدني وترك العمل بالدوائر باستثناء الخدمية منها مهما كلف الأمر، حتى لو أدى الى فصلهم من مدارسهم ودوائرهم، ما أضفى شرعية مذهلة على التظاهرات والاحتجاجات وأخرس كل الألسن لتقع الحكومة من جديد في مآزق كثيرة وليس مأزقاً واحداً لم تنفع معه أطلاق التعيينات التي لم تتحقق، والوعود بإصلاحات تسويفية، وتعديلات القوانين وغيرها الكثير المخفي عن الشعب طيلة ستة عشر عاماً عانت فيها الجماهير ما عانت والطبقة السياسية تتنعم بخيرات البلد لوحدها بعيداً عن همومهم وآلامهم، ليُصنّف العراق مع أكثر الدول فقراً وفساداً رغم امتلاكه أكبر وأكثر ثروات الدنيا ليبقى السؤال المهم: متى تعي الحكومة دورها الحقيقي في تلبية مطالب الجماهير، وهل ستهدأ الثورة أو تضمحل، أم تحقق غاياتها السامية؟
0 comments:
إرسال تعليق