كتب : حافظ الشاعر
في مدينة جميلة عريقة ، كانت تتمناها كل الدنيا ، وتتربص بها أحياناً لترفع سيوفها عليها كل حين ، يعجز وصفها لما تحمل من جمال وخيرات لا يوجد مثلها على وجه الأرض ، حتى الكلمات ، وأغاني الشعراء ، وألوان الرسامين وريشاتهم مهما حاولوا ، فلن يجيدوا رسمها وبهجتها ، فيها حدائق العشق، وشوارع الذكريات ..
نافورات وصور كبيرة للإعلانات ؛ باصات أنيقة ، وبنايات مزيّنة بمصابيح تجعل ليلها نهاراً .. يكفي أن يمرَّ فيها نهرٌ خالدٌ حالم كأعجوبة جميلة .. مدينة كأنها محور الكون الدائر حولها ، سجّلها التاريخ ضمن مسيرته ، لكنها هي من أمْلَت عليه ما كَتَب .
لم تنفكّ أن يهجم عليها الغزاة كل حين من الدهر ، مرة تقاوم، ومرة تملؤها الجراح النازفة، لكنها تصمد ، وتصبر ، وتنتصر بعد كل انكسار ؛ هذا نصيبها ، وهذه هي مسيرة حياة تكوينها؛ جاءها غرباء عنها رغم أن ولادتهم على أرضها ، وشبعت بطونهم من مائها، لكن الطمع أعماهم ، وأزلّ أقدامهم فأرادوا نحرها ، حاولوا ذلك نصف قرن من الزمن ، أو أقل ، وحين لم يقدروا ؛ أشعلوا نيران حقدهم على أهلها وعلى غيرهم، لكن مياه أنهار حبّها طالما أطفأتها ، وعواصف ريحها ، وغبار صحاراها خنقتهم ، ودفعتهم الى الهاوية، فلم تبقَ إلاّ بعض من ذكراهم البالية .. المدينة هي بغداد ، والنهر دجلة .
0 comments:
إرسال تعليق