حظي موضوع المجتمع المدني خلال العقدين الأخيرين باهتمام كبير من قبل الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية، وانصب الاهتمام احيانا على المفهوم وتأصيله والبحث في المنظور الذي يفسره ويحدد مجالات العمل فيه، وأحيانا اخرى على منظمات المجتمع كآليه من آليات الفعل الاجتماعي على مستوى الواقع المعاش.
تعتمد المنظمات غير الحكومية عادة على مبدأ التطوع، كما تبتعد في هياكلها التنظيمية على الأسلوب البيروقراطي، مما يكسبها قدرة كبيرة على ترشيد نفقاتها من خلال تقليص المصاريف الثابتة إلى الحد الأدنى. يضاف إلى ذلك سعي المنظمات غير الحكومية الدائم إلى استغلال و تعبئة الموارد المحلية للجهات المستفيدة مستفيدة في ذلك من خبراتها و تجاربها.
لذا بات من المهم فهم وتحليل المجتمع المدني بكل ابعاده الهيكلية والاجتماعية والسياسية للوقوف على معنى المفهوم وتطوره ، وعلى نشأة المجتمع المدني ومجالات العمل فيه وانواع الأنشطة التي يمارسها. وهذا ما سوف ينصب عليه
وما هي اهم المعوقات التي تقف امام تحقيقه لدوره وأهدافه على المستويين الرسمي والشعبي ، ثم كيفية تنمية وعي الأفراد والجماعات في المجتمع بدور منظمات المجتمع المدني لتحقيق مزيد من المشاركة في العمل العام.
وعليه فإن ضمان استقلالية الحركات الاجتماعية عن أجندة التمويل الخارجي من جهة وعن البنية الهيكلية الإدارية للسلطة الحاكمة من جهة اخرى، بات يشكل ضرورة لتمكين تلك الحركات بالمجتمعات العربية بالقيام بدورها سواءً بالأبعاد الاجتماعية- الحقوقية أو الديمقراطية – السياسية .
ومن الضرورة أن يرتبط ذلك بتنشيط ظاهرة التعددية الحزبية والسياسية، الأمر الذي يساعد على ضمان حياة سياسية ديمقراطية في إطار يساهم في خلق الحيوية بالمجتمع، كما أن آليات العمل الديمقراطي والاجتماعي والحقوقي والسياسي تجنب أية احتقانات أو تشنجات أو موجات عنيفة، وبالتالي فإن الآلية الديمقراطية تحافظ على وحدة نسيج المجتمع بالاتجاه السلمي الهادئ ضمن حراك حضاري يرمي إلى صيانة وتطوير حقوق المواطن والنهوض بالوطن في إطار من الأجندة والأولوية الوطنية الداخلية أساساً
على ضوء قدرة النظام الرأسمالي العالمي بالمركز على التكيف مع المتغيرات الجديدة، من خلال زيادة دور الدولة في تقديم شبكة أمان اجتماعي للفئات الاجتماعية الضعيفة والمهمشة وخاصة العمال، عبر التشريعات والقوانين والأدوات التي سنها مستفيدا من الثروات التي يجنيها من الأسواق والقوى العاملة للبلدان الجنوبية، فقد ضعف دور النقابات العمالية وتراخت إمكانية التصادم ما بين من يدافع عن حقوق العمال من جهة ومن يملك وسائل الإنتاج من جهة ثانية، كما تراجعت أدوار الأحزاب اليسارية من خلال انخراطها في بنية النظام وما يترتب على ذلك من مساومات سياسية واجتماعية تستبعد استمرارية الدفاع الجذري عن حقوق الفئات الاجتماعية المهمشة والضعيفة. إن الأهداف أو المهام التي لأجلها انبثقت ضرورة تأسيس وتكريس مؤسسات المجتمع الإيماني، أو مؤسسات المجتمع الإنساني، كمصطلح بديل عن المجتمع المدني، سواء أكان الاتجاه نسبة إلى الأفراد أم للمجاميع الأخرى أم للجميع أم للدولة، هي ثلاثة مهام أو عناصر أو أهداف:
المهمة الأولى: بناء المجتمع.
المهمة الثانية: توفير الخدمات.
المهمة الثالثة: أن تكون الموازن الاستراتيجي لقدرة الدولة، والسلطة الموازية، وإن شئت فقل: السلطة الخامسة.
إن هذه العناصر الثلاثة هي أعمدة أهداف مؤسسات المجتمع المدني، وهي بناء المجتمع السليم، وتوفير الخدمات الأساسية، بل والثانوية أيضاً، وتوفير الموازن الاستراتيجي للحكومة ليحول دون أن تسحق الحكومة حقوق الناس وتظلمهم، وتصادر الحريات، وتكبت الناس والجماهير والمؤسسات.
1- بناء المجتمع:
والبحث في الهدف الأول وهو بناء المجتمع فكرياً وثقافياً وعلمياً، وإيمانياً وأخلاقياً هو بحث طويل، نتركه للمستقبل إن شاء الله.
2- توفير الخدمات:
إن الهدف الثاني وهو(توفير الخدمات)، فإنه يعد إحدى أهم مهام ومسؤوليات مؤسسات المجتمع المدني، وهو عنوان عريض يشمل كافة الخدمات التي تتعلق بالبنية التحتية للمجتمع، فالخدمات تشمل الكهرباء، وتوفير الماء ثم المجاري، ثم المواصلات والنقل والطرق، وهي وسائل التواصل المعبر عنها بالمواصلات، من سيارات وحافلات وقطارات وسفن وطائرات وما أشبه ذلك، ثم وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، من هاتف إلى إنترنيت وغير ذلك، وهذه جميعاً على رأي البعض تعتبر ضمن مؤسسات البنية التحتية، التي هي بالأساس تعد من مسؤولية الدولة، لكننا نرى: أن مؤسسات المجتمع المدني هي شريكة في المسؤولية.
لا يجوز للدولة احتكار الخدمات:
وهذه مسألة جوهرية، فإن كثيراً من الناس يعتبر هذه الخدمات الأربعة من مسؤولية الدولة، وهي:
1- الكهرباء. 2- والماء والمجاري. 3- والطرق التي تعني الشوارع والجسور والمواصلات وغيرها. 4- ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية. والبعض يلحق بها: 5- الصحة مثل المستشفيات وغيرها. 6- والتعليم من مدارس ومكتبات وغيرها.
فهذه الستة، أو الأربعة يتصورونها حصرياً مسؤولية الدولة، ونحن نقول: لا ريب في أنها مسؤولية الدولة، لكنها ليست مسؤولية حصرية للدولة، بل هي مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، بنحو الشراكة لا بنحو الطولية.
والفارق كبير وجوهري وأساسي: فإننا نجد الدول- وانطلاقاً من النظرية الحصرية- تقبض بيد من حديد على أزمّة الأمور في هذه المجالات الأربعة، أو الستة، ولا تسمح للناس بأية مبادرة ذاتية أو تطوعية، وكثيراً ما لا تصنع هي أي شيء، ولذا نلاحظ في بلادنا المختلفة إن هنالك- في هذه الأبعاد الستة- الكثير من الثغرات والنواقص، في الصحة والتعليم، و الكهرباء والماء، وغيرها.
والمحصّلة هي إننا نعتقد، أنَّ مؤسسات المجتمع المدني هي أولاً مسؤولة عن بناء المجتمع، وثانياً مسؤولة عن توفير الخدمات بمختلف أشكالها وألوانها، وليس هذا حقاً حصرياً للدولة بحيث تسمح أو لا تسمح، بل هي مسؤولية ابتدائية لمؤسسات المجتمع المدني وللناس، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها كخادم للناس، ولا يجوز لها التقصير كما لا يجوز لها المنع، وليس لها الحق أن تقول للناس تعالوا استأذنوني ثم لا تأذن!! كما لا يحق لها أن تدخل القضية في دوّامة الروتين والبيروقراطية العجيبة الغريبة المتحكمة في بلادنا.
إن هذه مسؤولية مشتركة عامة، ولو آمنا بهذه المسؤولية وبهذه الشمولية، ولو آمن كل عالم ديني، وكل طبيب وكل مهندس وكل محامي، بأن عليه أن يتحمل شطراً من المسؤولية- لا أن يتصور الطبيب نفسه كمجرد طبيب، وكذا المهندس والمحامي وغيرهم، بل يستشعرون أن عليهم مسؤوليات أخرى تجاه المجتمع بأجمعه بهذه الأبعاد الخدمية التي أشرنا إليها- فإن وجه الأرض سيتغير بشكل كبير، وكان الأمن والرخاء والسلم والاستقرار والازدهار هو الطابع العام لكافة البلاد.
إن منظمات المجتمع المدني تقدم خدماتها ونشاطاتها مجانا وبدون ثمن لأفراد المجتمع مثل رعاية النساء من الأرامل والثكلى والمطلقات والاهتمام بالأيتام والأطفال والمرضى إضافة لدعم الطلاب والشباب واغلب هذه المنظمات منظمات غير حكومية وقسم منها أهلية في مجال الرعاية والإغاثة الإنسانية والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والرياضية والتراثية والبيئية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والمعوقين والطلاب والشباب وأي مجتمع بدون منظمات مجتمع مدني وبدون مؤسساته المشار إليها أعلاه ونشاطها وفعالياتها يكون ناقص وفيه خلل
إن التنمية تحتاج إلى رؤية تنموية شاملة واستراتيجيات وطنية وقطاعية وآليات للتدخل على المستويين الوطني والمحلي، وتكون مرجعيتها الأساسية الدولة كناظم وحام لحقوق المواطنين، إلا أنها تحتاج أيضا إلى تعاون وتنسيق بين الجهات الأساسية الفاعلة، لاسيما بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التنموية مكتملة وبالتالي يصعب أن يكتب لها النجاح.
**كاتب المقال
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق