الواقع الجديد الذي برز إلى الوسط، يجعل إعادة التفكير بمنزلة إسرائيل في المنطقة أمرا ضروريا. فقيام دولة إسرائيل ليس كأي دولة قومية اخرى في المنطقة. كما إن إسرائيل ليست دولة قومية يهودية وحسب، ومن غير الممكن الاكتفاء بفهمها على هذا النحو. وإذا ما وضعنا السياق الذي يفضي إلى تأسيس إسرائيل نصب العين ثانية،
فسنجد أن انعقادَ المؤتمر الصهيوني عام 1896، وتطويق السلطان عبد الحميد (1876 – 1909)، انقلاب المشروطية الثانية 24 يوليو 1908، الإطاحة بعبد الحميد في 31 آذار 1909، استيلاء جمعية الاتحاد والترقي على السلطة بانقلاب نفذته في 23 كانون الثاني 1913، دخول الحرب العالمية الأولى عام 1914
كأمر واقع لا خلاص منه، تقسيم الشرق الأوسط بين إنكلترا وفرنسا بناء على معاهدة سايكس – بيكو، وعد بلفور عام 1917، الانتداب الإنكليزي على فلسطين والإعلان عن تأسيس البرلمان التركي في نفس العام1920، قيام الدولة القومية التركية البيضاء بالقضاء على ميول الجمهورية الديمقراطية (ببعثرة صفوف التحالف القائم خلال حرب التحرير، وبناء سلطة ديكتاتورية).
تأسيس حزب الشعب الجمهوري 1923 تزامنا مع الاعتراف بمعاهدة لوزان عقب حرب التحرير، بدء حملة المجازر ضد الكرد ما بين 1925 – 1938 بدءا بثورة الشيخ سعيد وإجهاض ثورته في 15 فبراير 1925، التحالف بين إنكلترا والجمهورية التركية 1939، الإعلان رسميا عن بناء إسرائيل 1948، دخول الجمهورية التركية في حلف الناتو 1952، انقلاب 27 مايو 1960، انقلابَ 12 مارس 1971، انقلابَ 12 سبتمبر 1980، انقلاب تشيللر – ديميريل 1993، انقلاب جفيك بير 1998، الانقلاب على أجاويد والإتيان بحزب العدالة والتنمية إلى الحكومة عام 2002.
بالإضافة إلى ان حرب الخليج الأولى 1990 والثانية، واحتلال أفغانستان ظاهريا في 2001 لم يكن في حقيقته إلا بمثابة سيناريو معد سلفا لإشعال فتيل حرب الخليج الاخيرة واحتلال العراق؛ كل ذلك وغيره من العديد من الأحداث المشابهة مرتبط ببعضه بعضا تسلسليا؛ وبالتمحور حول إسرائيل. واقامة الدول القومية في المنطقة أيضا يندرج ضمن إطارِ تلك الأحداث.
ومن دون الغوص في العرى والأواصر الداخلية لكافة تلك الأحداث التي هي بمنزلة لبنات رئيسية، في سياق إنشاء إسرائيل التي جر هيكلتها وإنشاؤها بصفتها القوة النواة للهيمنة الجديدة في المنطقة، بعد تدمير وتقويض الإمبراطورية العثمانية عن قصد ووعي، سيصعب فهم الواقع الذي تعيشه منطقة الشرق الاوسط وتركيا بشكل خاص. فما تمثله هيمنة إنكلترا– أمريكا بالنسبة إلى العالم، تقوم به إسرائيل بالنسبة إلى الشرق الأوسط باعتبارها قوة مهيمنة جديدة في المنطقة. وبتعبير آخر، فإن إسرائيل ليست مجرد دولة قومية يهودية صغرى،
بل هي قوة هيمنة كبرى أيضا في الوقت عينه. والجمهورية العلمانية – القومية “التركية” التي كانت في الأساس كيانا تمهيديا على الطريقِ المؤدية لقيام إسرائيل خلال عشرينيات القرن الماضي، يراد خلال الالفية الجديدة تحويلها الى جمهورية تركية إسلامية تهدف إلى إخراج القوميتين الإيرانية والعربية من كونهما خطرا يهدد إسرائيل.
كانت الوظيفة الثانية الموضوعة أمام تركيا باعتبارها دولة قومية في أعوام 1920 تهدف إلى سد الطريق أمام توسع الاتحاد السوفييتي في منطقة الشرق الأوسط، وأمام تنامي الشيوعية في تركيا. وكانت السياسة التركية الداخلية والخارجية قد تشكلت أساسا وفق هذين الهدفين الأوليين. في حين كانت إنكلترا القوة المشرفة على ذلك.
أما الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979، وشروع الاتحاد السوفياتي باحتلال أفغانستان في نفس التاريخ؛ فكان قد دك دعائم توازن الدولة القومية في المنطقة من الصميم. وكان الدافع وراء انقلاب 12 سبتمبر/ايلول 1980 سببين أحدهما خارجي متمثلا بالاتحاد السوفييتي والثورة الاسلامية الايرانية، والداخلي؛
متمثلا بالمد الديمقراطي واليساري داخل البلاد. فالأيديولوجيا القومية – العلمانية السائدة في عهد الجمهورية الأولى كانت تعاني النقصان بسبب التهديدات الجديدة. لذا؛ كانت التيارات الإسلامية ضرورة لازمة من حيث سد الطريق أمام كلا الخطرين. وتأسيسا على ذلك، فإن دعم الأيديولوجيا الرسمية لعهد الجمهورية الثانية في هيئة الاسلام السياسي السني أمر ذو معنى. حيث كان سيُرد على الثورة الراديكالية الإسلامية لإيران من خلال تيارات الإسلام التركي المعتدل في تركيا.
عهد الجمهورية الثانية في تركيا وسبيل التحول الديمقراطي
الوحدة الاسلامية المتمثلة في السلطنة العثمانية كانت تشكل عائقا امام بسط الهيمنة الإنكليزية، وقيام إسرائيل التي كانت ستشكل نواتها ضمن المنطقة. لذا، اوكلت مهمة شق الطريق المؤدية إلى تمزيق أوصال وحدة الأمة الاسلامية الى حزب الشعب الجمهوري القومي – العلماني خلال عهد الجمهورية التركية الاولى.
لقد سارت الممارسات الميدانية بناء على المنظور الأيديولوجي الجديد. وتم دعم قيام حزب العدالة والتنمية بصفته حزبا مهيمنا لعهد الجمهورية الثانية المبتدئة منذ انقلاب 12 سبتمبر/ايلول 1980. وقد رسمت ملامحه باعتبارِه حزبا ملتزما بالسياسات الداخلية والخارجية الأساسية للجمهورية الثانية، ولكنه يطمح أيضا إلى إكمال بسط نفوذه وسيادته. أي أنه صور في هيئة حزب الشعب الجمهوري لعهد الجمهورية الثانية.
وممارسات سنوات حكم حزب العدالة والتنمية تؤكد صحةَ هذا الوصف. وعليه، فالخلافات الزائفة والملفقة التي يعيشها حزب العدالة والتنمية في راهننا مع إسرائيل، ينبغي ألا تثير ذهول أو الاستغراب لدى أحد. كما انه لا يمكن الزعم بخلو علاقاتهما من التناقضات كليا. ولكنها تناقضات بالإمكان حلها ضمن نطاق النظام المهيمن عينه.
في عهد الجمهورية الأولى كان هناك صراع دموي وجاد أيضا. فالطبقة البورجوازية التركية اليافعة كانت تبلور اتفاقها مع رأسِ المال اليهودي وتشحذه لصالحها على الدوام في مسعى منها للتقليل دوما من حصة اليهود والماسونيين. والعديد من الممارسات بدءا من إعدام وزير المالية الموالي للإنكليز جاويد بيك أحد قادة جمعية الاتحاد والترقي في 1926، وصولا إلى عمليات الاستيلاء الحاصلة عام 1943 تحت اسم “ضريبة الأملاك”؛
إنما كانت بهدف اقتطاع جزء من الرأس المال اليهودي باستمرار. ورغم كل هذه الأحداث إلا إن اليهودية التركية ما برحت تحافظ على منزلتِها كقوة معينة تترك بصماتها الراسخة على بنى النظام “الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية”. ومع حزب العدالة والتنمية، بات جناح جديد للبورجوازية التركية، ألا وهو رأس المال الخاص ببلاد الأناضول، والذي يجعل من قونيا وقيصري مركزا له، وبات يطمع في حصة أكبر مما في حوزة رأس المال اليهودي وقوته داخل جهاز الدولة (ضمن الجمهورية الأولى).
فحزب العدالة والتنمية الذي شكل على يد ثالوث أمريكا – إنكلترا – إسرائيل بغية خدمة مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط، يطالب بمضاعفة حصته مقابل خدمة تلك الهيمنة. والسبيل إلى ذلك هو تخفيف وطأة وصاية الجيش عليه، وعدم حياكة انقلابات جديدة ضده، ومضاعفة حصته من كعكة الاستغلال المسلط على الشرق الأوسط. في حين إن إسرائيل تعتبر بورجوازية الأناضول فيها مغالة نوعا ما، وتأمل في الحد من مطالبها. وتشدد على وجوب معرفة من المهيمن السائد في المنطقة والعالم في آن معا بعين سليمة.
ويتمثل الدور المنوط بحزب العدالة والتنمية في تطويع القومية الشيعية الإيرانية، والإسلاموية الراديكالية العربية والقومية العلمانية العربية، وإرفاقها جميعا بالنظام المهيمن. وقد سمح له – حزب العدالة والتنمية-بأداء دور بارز في حقل الجيش والشؤون الخارجية لهذا الغرض. بالمقابل، فإن حزب العدالة والتنمية يؤدي دوره هذا بلا شك، ومظاهر الاشتباك والتضاد امر يمكن تجاوزه، والتناقضات المعنية بمضاعفة الحصة يمكن حلها ضمن إطار النظام نفسه.
أما إذا عاند بغرور، وإذا ضيق الخناق على النظام المهيمن بالتحالف مع إيران والإسلام الراديكالي أو حتى بالاتفاق مع نزعة الإسلام المعتدل؛ فسوف يشهد وضعا لن يختلف عما حل بأسلافه وبحزب الشعب الجمهوري.
يمكن القول إن تركيا هي الحلقة الأضعف في النظام القائم. واحتمال انقطاعها عن النظام ليس ضعيفا. وقد يتحقق هذا الانقطاع على عدة محاور.
المحور الأول؛ إبرام تحالف مع إيران وسوريا وروسيا، ودول “البريك” الأخرى (البرازيل وروسيا والهند والصين)، والذي يعني بانزلاق المحور، حيث سيؤدي للتحول الى قوة إقليمية مؤهلة لأن تغدو قوة عالمية قادرة على الوقوف في وجه هيمنة كل من إسرائيل وأمريكا وإنكلترا والاتحاد الأوروبي. وانطلاقا من الوجود الذاتي والتوازنات العينية للجمهورية التركية الحالية، فإن عبور هذا الطريق أمر صعب للغاية ان لم يكن مستحيلا.
المحور الثاني؛ وهو أمر وارد من خلال تحديث التحالفات التي سادت الجمهورية أثناء حرب التحرير، وذلك بناء على خلفية الأمة الديمقراطية والاعتراف بحقوق المكونات الاجتماعية داخل الحدود التركية بشكل متساوي.
اما الاصرار على اتباع نهج الدولة القومية والدينية، كما هو الحال في عهد الجمهوريتين (عهد حزب الشعب الجمهوري، وحزب العدالة والتنمية)، سيعمق الازمات المعايشة حاليا بشكل مضاعف رغم الكم الهائل من القمع الممارس على المجتمع التركي والكردي، ولن تستطيع حل قضاياها التي يمكن اعتبارها مصيدة نصبت لها في لوزان.
ان تصحيح مسار لوزان لن يكون باستعداء شعوب المنطقة وانما التصالح معها، والتاريخ الحديث لتركيا مصطفى كمال اتاتورك والمستمر ليومنا هذا عمق الازمات وزاد من عزلت تركيا التي لم تنفع معها سياسة “صفر مشاكل” لأنها تحولت الى “صفر اصدقاء” في المنطقة. لن تنهض تركيا ما دامت تنتهج عقلية اقصائية توسعية بعيدة عن التصالح مع شعوب المنطقة.
السياق التاريخي للمعاهدة
أبرمت الدول المتحالفة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى عام (1918 م) "معاهدة سيفر" يوم (10) أغسطس/ آب (1920 م) مع الدولة العثمانية، فتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم القوميات غير التركية في الدولة العثمانية استقلالها.
لكن الأتراك رفضوا هذه المعاهدة وخاضوا حربًا شرسة ضد الحلفاء حتى انتصروا عليهم انتصارًا كبيرًا، وخاصة على اليونان خلال حرب (1922/ 1923 م).
في أعقاب ذلك عُقد "مؤتمر لوزان" الثاني الذي استمرت أعماله ثلاثة أشهر، وتمخض عن توقيع "معاهدة لوزان" يوم (24) يوليو عام (1923 م) في فندق "بوريفاج بلاس" بمدينة لوزان جنوبي سويسرا، وكانت أطراف المعاهدة القوى الاستعمارية المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى (خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، والإمبراطورية العثمانية التي ترأس وفدها إلى المؤتمر عصمت إينونو.
وضعت هذه المعاهدة حدًا لإمبراطورية الخلافة العثمانية التي كانت الدول الغربية تسميها آنذاك "الرجل المريض"، وأسست لقيام الدولة التركية القومية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وعاصمتها أنقرة.
سُميت "معاهدة لوزان الثانية" تمييزًا لها عن اتفاقية لوزان الأولى (معاهدة أوشي) الموقعة في (18) أكتوبر/ تشرين الأول عام (1912 م) بين إيطاليا والدولة العثمانية، والقاضية بانسحاب الدولة العثمانية من ليبيا لصالح إيطاليا.
من أهم ما تضمنته معاهدة لوزان الثانية
تضمنت "معاهدة لوزان" (143) مادة موزعة على (17) وثيقة ما بين "اتفاقية" و"ميثاق" و"تصريح" و"ملحق". ملف: اتفاقية لوزان بين تركيا والحلفاء 1923م.
تناولت هذه المواد ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها "وفقًا للمبادئ العامة للقانون الدولي".
ترسيم حدود إمبراطورية الخلافة العثمانية التي كانت الدول الغربية تسميها آنذاك “الرجل المريض”، والتي أسست لقيام الدولة التركية القومية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وعاصمتها أنقرة.
تضمنت (143) مادة موزعة على (17) وثيقة ما بين “اتفاقية” وميثاق” وتصريح” وملحق”، وتناولت ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها “وفقًا للمبادئ العامة للقانون الدولي”.
وضعت قوانين لاستخدام المضايق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، ونصت على شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر بوضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال (1914/ 1918 م).
إبطال “معاهدة سيفر” وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية، والتأسيس لما عُرف لاحقًا بـ ” الجمهورية التركية” العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودًا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
تخلت تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الثاني عام (1914 م).
نصت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة جميع المواطنين وحقوقهم وحريتهم ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين، إلا أن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان كانوا قد طـُردوا حسب معاهدة تبادل السكان اليونانيين والأتراك السابق توقيعها بين اليونان وتركيا، يونانيو إسطنبول، إمبروس وتندوس فقط تم استثناؤهم (حوالي 270,000 آنذاك)، والسكان المسلمين في تراقيا الغربية (نحو 129,120 في 1923)، الفقرة (14) من المعاهدة منحت جزر گوقچىعادة (إمبروس) و بوزجاعادة (تندوس) “تنظيمًا إداريًّا خاصًّا”، وهو الحق الذي ألغته الحكومة التركية في (17) فبراير (1926 م).
وافقت تركيا رسمياً على خسارة قبرص (التي كانت مؤجرة للإمبراطورية البريطانية إثر مؤتمر برلين في (1878 م)، ولكنها ظلت قانونياً أرضاً عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى) وكذلك مصر والسودان الأنجلو-مصري (الذي احتلته قوات بريطانية بحجة “إخماد ثورة عرابي واستعادة النظام” في (1882 م)، ولكنهما ظلتا “قانونياً” أراضي عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى)، والتي ضمتها بريطانيا بشكل أحادي في (5) نوفمبر (1914 م).
ترك مصير مقاطعة الموصل ليتحدد عبر عصبة الأمم، كما تخلت تركياً عن كل الادعاءات فيما يختص بـجزر الدوديكانيز، التي كانت إيطاليا مجبرة على إعادتها لتركيا حسب الفقرة (2) في معاهدة أوشي في (1912 م)، وتُعرف أيضاً باسم معاهدة لوزان الأولى (1912 م)، إذ وُقـِّعت في شاتو دوشي في لوزان، سويسرا، في أعقاب الحرب الإيطالية التركية (1911/ 1912م)، بين تركيا وإيطاليا.
ظلت الأراضي إلى الجنوب من سوريا والعراق والجزيرة العربية تحت السيطرة التركية حين وُقـِّعت هدنة مدروس في (30) أكتوبر (1918 م) والتي لم تتعامل نصوصها معها بوضوح، إلا أن تعريف الحدود الجنوبية لتركيا في الفقرة (3) كان يعني أيضاً أن تركيا قد تخلت عنها، وكانت تضم المملكة المتوكلية اليمنية، وعسير وأجزاء من الحجاز مثل المدينة المنورة، التي احتفظت بها القوات التركية حتى (23) يناير (1919 م).
إلزام تركيا بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر، مع تأكيد حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
أتبعت جزيرة القلعة العثمانية (أضا قلعة) للأراضي الرومانية الصربية، بعد أن أعلنت رومانيا من جانب واحد فرض سيادتها عليها في (1919 م)، وقوّت هذا الادعاء في معاهدة تريانون في (1920 م).
تخلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا كما كانت تحددهم الفقرة (10) من معاهدة أوتشي في (1912 م) (حسب الفقرة 22 من معاهدة لوزان في 1923 م).
من نتائج المعاهدة وتبعاتها
الأتراك ينظرون إلى الاتفاقية، باعتبارها وثيقة تأسيس للجمهورية التركية، والتي تم على إثرها تسوية حدود تركيا الحديثة عقب الحرب العالمية الأولى، وقادت معاهدة لوزان الثانية إلى الاعتراف الدولي بسيادة جمهورية تركيا كدولة خلفت الامبراطورية العثمانية.
ألف الكاتب التركي "قدير مصراوغلو" كتاباً بعنوان "معاهدة لوزان، انتصار أم خدمة؟!" ينتقد فيه المعاهدة والقائمين عليها من الطرف التركي حيث يقول إن الاتراك (في توقيع معاهدة لوزان) تخلوا عن قيادة المسلمين ورضوا بقطعة صغيرة من الأرض.
الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، طالب بمراجعة اتفاقية لوزان الثانية، قال أردوغان إن “خصوم تركيا” أجبروها على توقيع “معاهدة سيفر” عام (1920 م)، وتوقيع “معاهدة لوزان” عام (1923 م)، وبسبب ذلك تخلت تركيا عن كثير من أراضيها،
ومن سيادتها ومن حقوقها، ويصف أردوغان؛ معاهدة سيفر، بأنها الشوكة الأولى في الظهر العثماني، لأنها أجبرتها على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها، ومعاهدة لوزان؛ المحطة الأخيرة لتقسيم التركة العثمانية.
فرض الرقابة على المعاملات المالية بتركيا والقوات المسلحة، وحصل الحلفاء على المزيد من السيطرة الفعلية على الاقتصاد التركي، وقد أعلنت المضائق التركية بين بحر إيجة والبحر الأسود لتصبح مفتوحة للجميع.
لوزان الثانية: اليوم على طاولة النقاش، إذ بدأت المخاوف من انقضاء المدة تطفو على السطع، وربط ذلك بمحاولة الانقلاب في منتصف (2016 م)، ومع معركة الرقة والموصل.
هل توجد في القانون الدولي مادة تنص على صلاحية المعاهدات الدولية (100) عام فقط؟ مشيرين إلى أن ألمانيا ألغت معاهدة في الثلاثينيات بعد (20) عامًا من توقيعها، فهل يمكن لتركيا فعل ذلك؟
وهل ستعود تركيا إمبراطورية عثمانية حديثة في المنطقة؟
وهل ستتغير الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية، ويشهد العالم دخول مرحلة جديدة برجوع الإرث العثماني؟
وكيف ستتعامل القوى العظمى الحالية مع المطالب التركية؟ وهل سنشهد حروبًا قبل (2023 م)؟ ومن سيقود ذلك التغيير؟
وهل سيكون بإمكان تركيا بعد انتهاء مدة المعاهدة، التنقيب عن النفط؟ لتنضم إلى قائمة الدول المنتجة للنفط، إلى جانب تحصيل رسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والتي كانت محظورة على تركيا حسب معاهدة لوزان؛ تمهيدًا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة.
**كاتب المقال
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق