• اخر الاخبار

    الجمعة، 14 مارس 2025

    قصة قصيرة بعنوان/ تأخير الزواج..بقلم القاص العراقى : محمد علي ابراهيم الجبير

     


    كان مصعب شاباً وسيماً ،والده ووالدته متوفيان ، يسكن

    وحده في البيت الكبير، معتمداً في معيشته على واردات الاملاك والاراضي الزراعية الواسعة التي ورثها من ابيه،فهو من الاغنياء وغير محتاج لأي شيء لكثرة وجود الخدم والحشم في بيته، لهذا فإنه لم يفكر يوماً في الزواج ،وكم نصحه اصدقائه على ان يتزوج فيرد عليهم بأنه لن يتزوج ولا يرغب بالزواج في الوقت الحاضر ، ومتى ما اراد الزواج ، فبإستطاعته ان يختار ما يشاء من النساء، وفي اي وقت يراه مناسباً للزواج ، ويحدده بنفسه ..

    مرت السنين بسرعة مذهلة وقارب عمرمصعب على الخمسين وهو لايدري ، وفي يوم من الايام شعر بالمرض الذي اقعده الفراش وانتبه الى نفسه والى احواله ، فلا يوجد في البيت احد من اقاربه ، ولاتوجد معه زوجة ، ولا اولاد ، سوى الخدم ..

    اخذ يفكرويقول ماهو مصير هذه الاموال والاملاك والاراضي عندما اموت،ولمن تكون التركة ؟ وندم على

    السنين التي ذهبت هباء والتي عاشها دون زوجه ولا اولاد وهو في الخمسين من عمره،اذن ما فائدة الحياة وماهي لذتها بدون زوجة واطفال ؟الم تكن الزوجة سكن للانسان واستقراراً له ؟ الم يجعل الله سبحانه وتعالى الاولاد زينة الحياة الدنيا ؟

    واكثر من الأسئلة مع نفسه ،وزاد تفكيره بهذا الموضوع واتضح له مدى خطأه ،وعدم سلامة تفكيره في ايامه الاولى ! وكان من المفروض انه متزوج منذ زمن طويل واولاده يملؤون البيت فرحاً وسعادةً ويعيش كما تعيش الناس ،واخذ يحاسب نفسه ويقول : لو كنت متزوجاً لكانت امرأتي الان بجواري تخدمني وترعاني واولادي محيطين بي من كل جانب .وحياتي سعيدة ،ويردد بينه وبين نفسه هل ينفع الندم ؟

    واحس بدنو الاجل ،وربما تكون هذه الايام هي الاخيرة ، ودعا الله مخلصاً ان يمن عليه بالشفاء العاجل ، ويعطيه الصحة ، لعله يصحح خطأه ويتزوج ويرزقه الله بالذرية من زوجةٍ صالحة..

    فاستجاب له رب العالمين ومنَّ عليه بالشفاء ، عندها طلب من اصحابه ومعارفه بان يساعدوه بالبحث عن فتاة تليق به ، وقام بنفسه ايضاً بالسؤال عن الفتيات ، ويقولون له عند فلان وعند فلان فتيات جميلات ، وكلما تقدم الى احدهن ، يقولون له نشاورهن ونعطيك الجواب بعد يوم او يومين ، يأتي الجواب بالاعتذار بان ابنتهم لاتريد الزواج ، والسبب معروف هو كبر سنه ، لبلوغه اكثر من خمسين سنة والعجيب بالامر انه يخطب من بنات العشرين او الثلاثين ! معتقداً موافقة اي فتاة يتقدم لها ! ولم يخطر بباله انه يرفض من اي فتاة يتقدم لها ؛ لانه صاحب ثروة كبيرة ؛وان الفتيات يرغبن بزواجه لهذا السبب !

    نعم كان ذلك وهو شاب وسيم في ريعان شبابه ، اما الان وهو في هذا العمر لاتقبله اي فتاة ، ويجوز تقبل به زوجاً ، المطلقة او الارملة او الكبيره السن التي لم يخطبها احد،

    مرت مدة اشهر وهو على هذا المنوال ، يخطب ولم توافق عليه اي فتاة !

    اخيراً جاءه احد اصدقاءه ، قال له : توجد ارملة عمرها 40 سنة زوجها متوفى ولها بنت واحده تعيش معها هي وزوجها (اي زوج ابنتها)ربما توافق في الزواج منك !

    فكر مصعب وقال في نفسه : انها في الاربعين من عمرهاوزوج ابنتها يسكن معها ،فكيف يكون شكل هذا الزواج يامصعب ؟

    قرر مصعب ان لايتزوج ويعيش وحده ويقضي بقية ايامه دون زواج ..

    ندم على ايام شبابه التي ذهبت دون استقرار ،وتذكر تلك الايام عندما كان الوجهاء يعرضون عليه الزواج من بناتهم ، وهو يرفض ، وكم من فتاة صارحته بالزواج وهي من ذوات الجمال والكمال ، وهويرفض ، فندم اشد الندم وتأسف اسفاً شديدً على تلك الايام ،ولكن

    لاينفع الندم ولاينفع التأسف ، واحس بالوحدة وعاش حزيناً غريبا في بلده !

    وفي احد الايام كان في حديقة بيته ،طُرق الباب الخارجي للحديقة ، فقام و فتح الباب ،واذا بشخص غريب يسأل عن احد الجيران ، ومعه فتاة في غاية الجمال لايتجاوز عمرها الثلاثين سنة..

    رحب بهم مصعب ، وادخلهم  بيته بعد الحاح كبير

    ولم يستطيع ان يخفِ اعجابه بالفتاة ، وابتسمت بوحهه

    وشعر بشعور غريب لم يحس بمثله من قبل وكأنها دخلت الى قلبه بلا استئذان !

    فقام بواجب الضيافة مرحباً به وبإبنته ، وتبادل الحديث معه ..

    وقال له الرجل : اقدم لك نفسي ،أنا كامل من اهالي هذه المدينه  واصدقائي فيها فلان وفلان واخذ يعدهم واحدا بعد الاخر وكان من ضمن اصدقاءه والد مصعب ، فقال له مصعب انه والدي فقام الرجل وقبل مصعب وقال له : ياولدي ان والدك صديق طفولتي وعشنا سويا سنوات طويلة بمحلة واحده ، فرح مصعب وقال له اين كنت ؟

    فاجابه تركت المدينة وعشت بعيداً عنها لاشتغالي بالتجارة ، وكنت متزوجاً وليس لي اولاد سوى ابنتي العزيزة نجاة ،وكنا في احسن الاحوال ، وضرب الدهر ضربته ،وتعرضت الى خسارة كبيرة فقدت بها كل أموالي و ماأملك ،على اثرها توفيت زوجتي ، وبقيت انا وابنتي غرباء بلا تجارة او عمل ، قررت العودة الى مسقط رأسي ( مدينتي السابقة ) لعلي اجد صديقي القديم حاج مجيد ليعاونني ويسلفني لأعود الى اعمالي التجارية ! فرد عليه مصعب بان صديقك الحاج مجيد قد توفى منذ سنتين،( رحمة الله عليه ) ولكن ياعم لاتهتم ، انت صديق والدي وانا والحمد لله اموالي كثيرة ولايجد معي احد يساعدني في تجارتي ولااجد افضل منك، وارجوان تمسك حساباتي وتسكن معي انت وابنتك نجاة وارجوك ياعم  تقبل رجائي ؛

    فقال له كامل بعد ان شكره على هذه الثقة الكبيرة :كيف نسكن معك وانت غير متزوج لحد الان ؟ واخشى من عدم موافقة نجاة على السكن معك ، ولكن لدي رأي ياولدي ؛

    فقال مصعب : وماهو ؟

    فقال كامل : مادمت عرضت عليَّ العمل معك ، وأديت معي واجبات الصداقة التي كانت مع ابيك ، اعرض عليك الزواج من ابنتي هذه بعد موافقتها طبعاً،

    فقال لها والدها : ماذا تقولين يانجاة ؟

    فقالت : الامر لك ياوالدي ..

    فقال كمال : على بركة الله وبالتوفيق ان شاء الله ..

    مصعب فرح كثيراً، واعلن الزواج وتمت مراسيمه وكان يوماً بهيجا مفعما بالفرح والسرور..

    تسلم كامل اعمال مصعب التجارية وقام بها خير قيام ..

    بعد عام رزقوا بولد اسماه والده ( يحيى ) وقام بتربيته

    وعاش في ظل والده بالعز والدلال ..

    عمر يحيى بلغ الرابعة عشر سنة ،فقال مصعب لزوجته نجاة : قررت ان ازوج ولدي يحيى فماذا تقولين؟

    قالت : يا ابا يحيى ان الولد صغير ولم يكمل دراسته ولماذا العجلة ؟

    قال : ازوجه حتى ارى اولاده قبل ان اموت ، والزواج المبكر خير من تأخيره !

    فقالت كل شيء باوانه ، يتزوج عندما يدرك ويعرف امور الحياة والمسؤولية ، ويعرف كيف يتصرف ،

    فقال لها : مرت السنوات الكثيرة عليَّ دون ان اتزوج .

    وحرمت من لذة الحياة ، وعانيت من الوحدة ماعانيت الى ان وفقني الله بالزواج منك ..

    فقالت له : ارجو ان لاتطبق ظروفك على ظروفه واتركه ينهي دراسته وبعدها يتزوج ..

    فقال لها نحن غير محتاجين للدراسة ، وما فائدة الدراسة ونحن بخير من فضل الله ؟ المهم عندي ولدي ولاأحب ان تمر عليه الظروف الصعبة التي مرت عليَّ ..

    قالت انت رفضت الزواج بنفسك في بداية شبابك .ومع

    ذلك جمعنا الله وانجبنا ولدنا يحيى ، فالزواج يا ابا يحيى قسمة ونصيب ،

    فقال لها لابد من زواجه، فقالت لامانع وارجو ان تتركه هذه المدة و يكون زواجه عندما يبلغ الثامنة عشرة من عمره المبارك .

    وافق مصعب على رأيها واجل فكرة العجلة في الزواج

    ان مصعب يحترم نجاة ويحترم رايها، لذكائها واخلاقها العالية ، وتقديراً لمشاعرها، اذ ان والدها قد توفى منذ مدة ليست بعيدة ..

    وبعدان بلغ يحيى الثامنة عشرواكمل الدراسة الاعدادية، اختاروا له فتاة جميلة من عائلة محترمة وتم زواج يحيى من مها وكان عمرها 16 سنة في الصف الرابع الاعدادي ، تركت مها المدرسة عند زواجها ، وانتقلت الى بيت زوجها ووالديه معه ، وخلال خمس سنوات انجبت خمس اولاد...

    كان مصعب في غاية السعادة وهو يري اولاد ولده يحيى يلعبون في البيت ..

    اطمأن مصعب على ولده الوحيد وعلى مستقبله ، بعد ان زوجه مبكراً وحقق حلمه ،

    وقال : الحمد لله على هذه النعمة الكبيرة وابقاني الى هذا الوقت لاأري ولدي واولاده اللهم احفظهم بعينك التي لاتنام.

    وبعد مدة توفى مصعب وترك زوجته وولده واحفاده في عيش رغيد ونعمة واسعة...

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة قصيرة بعنوان/ تأخير الزواج..بقلم القاص العراقى : محمد علي ابراهيم الجبير Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى