يقول المولى جلّ وعلا في محكم تنزيله:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات:13، فأحسن الناس وأكرمهم وأفضلهم عندالله أتقاهم له، وهم أقوم الناس بحقه، بطاعته وترك معصيته جل وعلا وهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم العلماء المستقيمون على طاعة الله وتقواه والعابدون والزاهدون في الدنيا رجاء رضاء المولى سبحانه وتعالى...
وفي الحديث الشريف قالَ رسولُ اللهِ صـلى اللهُ عليهِ و سلـم: (لا فرق بين عربي ولا
أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح)
فهنا قضية حكم فيها من المولى سبحانه وتعالى بأنّ كل الناس سواء الغربي والشرقي
الشمالي والجنوبي الأبيض والأسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.... وليست المناصب أو الجاه أو المال أو الوظائف المرموقة... فبرغم ذكر القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف بأنه لا فرق بين الناس وبعضها إلا بالتقوى والعمل الصالح وأنّ كلنا لآدم وآدم من تراب...
مع ذلك تجد من البشر من يتغافل ويتجاهل كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم و يتعالى على أخيه الآدمي ويتكبر مستحسنًا نفسه وأهله على غيره وكأنه من طبقة الملائكة وليس من البشر... فأقول لهم: كفاكم نشخًا وفشخًا وزمرًا وطبلًا رحم الله والديكم كفاكم قولًا: جدي كان الأمير أو الباشا وأبي كان ابن الأمير والباشا فالقيل والقال لا يفيد... ربنا يرحمهم جميعًا كلهم لآدم... ولتعلموا أنّ مصر كلها قبل محمد علي كانت فلاحين... ولو كان هناك فرقًا بين الأسود والأبيض أو الغني والفقير أو العالم والغير عالم سوف يكون بالتقوى والعمل الصالح... حتى لو تكلمتم عن أنفسكم كنتم في وظائف مرموقة ضباطًا أو أطباء أو مهندسين أو معلمين أو صحفيين أو محامين أو رؤساء... فليسأل كل واحد منكم نفسه هل أفدت مجتمعك بوظيفتك المرموقة وبماذا أفدته؟! فهذه هي الرسالة التي تقدمها أنت في الدنيا ماذا تركت لدنياك تقابل به المولى سبحانه وتعالى حتى لو كنت فقيرًا لكنك رجلٌ تقي سيتخذك الناس مثالًا وقدوة للخير فأنت بهذا نجحت وصرت أعظم درجة من الباشا... لو كنت معلمًا هل علمت غيرك لوجه الله لأجل أن تأخذ أجر الدنيا... والآخرة أيضًا؟ ولو كنت صاحب مهنة بأي مهنة... هل أديتها بضمير ووضعت لنفسك بصمة تقوى بين زملائك يقتدون بك في الإخلاص في العمل؟! و لو كنت غنيًّا هل تبرعت لله وأطعمت خلقه الغلابة؟! أو حتى بنيت حجرة يستفيد منها الناس أو غرست غرسًا يستفيد منه الناس... فكل من بنى أو شيد أو غرس شيئًا لله حتى لو كان طمعًا في الأجر من الله يوم القيامة فله أيضًا ثواب المساهمة والشرف في الدنيا... يا عزيزي حاول أن تفهم أنّ كل الناس لآدم.
ولو كان جدك الثالث أو الرابع ذا قيمة فهذا ليس معناه أن باقي الناس أولاد شخص غير آدم... فكلنا لآدم الذي كرمه المولى سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات وقد يكون جدك القريب باشا وغيرك لو بحث لجده البعيد قد يكون من الملوك أو من الصحابة... فكل الناس يا عزيزي أولاد ناس... لكن كل الناس من يوم الخليقة أحوالهم متقلبة... اليوم ملك وغدًا ذريته لا يملكون شيئًا وبعد غد أحفاده ملوك... فهكذا حال الدنيا متقلبة مع الناس... وكل منا له شجرة عائلة بها الصالح والطالح بها الأمير والفقير... وتتبع وأنت ترى أن جدك كان فقيرًا وأبوه كان ثريًّا... أو أن جدك كان ثريًّا وأبوه كان فقيرًا وهو من اجتهد ليحصل على المال... أو أن جدك الكبير كان فلاحًا فقيرًا يجهل حتى القراءة والكتابة وجدك القريب أو أبوك مثلًا هو من اجتهد لطلب العلم... فصار بفضل الله عالمًا... لكن هنا لا بد أن نقف وقفة فكل من أنعم الله عليه بنعمة... أي نعمة وأفاد غيره والخلائق إخلاصًا لله... فهؤلاء هم الفالحون وهم من يُباهي بهم المولى سبحانه وتعالى ملائكته بأنهم عباده المخلصين و يتباهى بهم أبونا آدم عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء السلام... بالله عليكم لو حاول المتعلمون المساهمة بجهدهم و تعليم الجهلاء هل يبقى في الدنيا جهلاء؟ بالله عليكم لو أعطى الأغنياء الفقراء حقوقهم من أموالهم التي وهبها لهم الله هل يبقى فيها فقراء؟ بالله عليكم لو سعى الناس للسلام كما أمرهم دينهم... هل تسيل دماء القتلى كل يوم؟ بالله عليكم لو وفر العالم ثمن شراء السلاح لشراء الغذاء وإطعام بعضهم بعضًا هل يبقى جائع في الأرض؟ والله لن تبقى حتى نملة جائعة تحت الصخور... فدعونا من التفاخر والتباهي الباطل ولنفعل لدنيانا ما يرضي ربنا قبل موتنا وفوات الأوان... يا بني آدم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وكفى بالموت واعظًا)
0 comments:
إرسال تعليق