الزعيم أحمد عرابي الذي ندرسه في مناهجنا التعليمية كأحد ابطال الحركة الوطنية واحد القادة العسكريين الذين تولوا الدفاع عن مصر امام الانجليز الذين تلاعبوا بالخديوي توفيق وجعلوه كالدمية يحركونها اينما شاءوا ولمعرفة حجم التناقض في الراي والمعلومات المغلوطة لابد ان اكشف لكم ماقيل من احد كبار مؤرخي مصر وهو عبد الرحمن الرافعي الذي لم يعش فترة الثورة العرابية عن احمد عرابي فنراه في كتابه الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي يحمل الثورة العرابية مسئولية الاحتلال الانجليزي في كل خطواتها من أول بوادرها حتى فترة انتصارها الدستوري ثم هزيمتها العسكرية في كل موقف اتخده قادتها فيصفه بالمغالاة والطيش السياسي فيغالي في نقده ويعتبره سببا في كل ما لاقته البلاد من المصائب على طول تاريخها ..
الرافعي في تحليله لحوادث الثورة العرابية أسلوبا مغايرا لتحليلاته السياسية في بقية سلسلة كتبه التأريخية فيعتمد تحليله على فرضيات مستحيلة منطلقا من كلمة "لو"؛ فلو حدث كذا لتبعه كذا وكذا ولم تصب مصر بالاحتلال، ولو حدث كذا لكانت مصر الآن مستقلة في أوائل مصاف الدول الدستورية. وكانه يعمي عينيه عن ترصد الانجليز لمصر "وهو الذي نظّر لذلك كثيرا في كتبه الأخرى واستغرب كيف يري الرافعي استسلام عرابي للخديوي ورغبة الانجليز اشرف من هزيمته العسكرية !
وقد استغل بعض المعاصرين ومنهم الكاتب يوسف زيدان وهوكاتب اكن له كل التقدير وله اكثر من ستين مؤلفا ومتخصص في الفلسفة الا انه تجاوز ربما متأثرا وناقلا وجهة نظر الرافعي وصب جك غضبه على احمد عرابي واصفا اياه بانه سبب احتلال انجلترا لمصر ولكني لم استغرب عندما وجدته فيما بعد يهاجم ايضا الرموز الاسلامية في تاريخنا كصلاح الدين الايوبي وعبد الرحمن بن معاوية ( صقر قريش) واصفا اياهم بالسفاحين وقد كتبت مقال نشر في جريدة الحياة ردا على الاستاذ يوسف زيدان سائلا اياه ان كان هؤلاء القادة والابطال سفاحين فماذا كان الاسبان في الاندلس فاعلين بالمسلمين ؟؟
وقد اشار الكاتب لويس عوض في مقدمة الجزء الثاني من تاريخ الفكر المصري الحديث إلى تعجبه من زيف الرافعي لأنه يكتب التاريخ من وجهه نظر الحزب الوطني الذي كان ينتمي اليه .. وللوقوف علي حقيقة الزيف هنا والتشويه يجب ان نعلم ان الرافعي ولد عام 1889 وتخرج من مدرسة الحقوق عام 1908 ليعمل بالمحاماة وتوفي عام 1966 اي انه لم يكن معاصرا للثورة العربية فعلي اي اساس كان كتابه الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي ؟
ولست هنا لادافع عن احمد عرابي و العرابيين او أسرد تاريخه وعلينا ان نسلم انه كانت اخطاء بالفعل لكنها لانصل ابدا الي تخوين رجل حمل على عاتقه كرامة الامة والدفاع عنها ضد الانجليز وفساد الخديوي توفيق ومع كل ذلك فقد نجح العرابيون في تحقيق مطالب الامة واقر مع اصحابه عبد العال حلمي و البارودي وطلبة عصمت وشريف باشا وغيرهم الدستور ولا ينسي التاريخ فشل الانجليز وهزيمتهم في كفر الدوار قبل ان يتجهوا صوب قناة السويس لاحتلال البلاد .. لقد كان العسكريون في مصر على مر التاريخ في طليعة المجاهدين والمناضلين ضد الاستعمار واعوانه بداية من احمس الاول وحتى جمال عبد الناصر لكنهم في النهاية بشر لهم مالهم وعليهم ماعليهم ....
ان تأريخاً لهذا مؤرخ لحدث هام كهذا يشير من قريب او بعيد الي ماخصصته للحديث عنه في كتابي هذا وسأعطيكم مثالا اخر للدونية وعبادة الحاكم حول نفس الموضوع فتقرأ في جريدة الاهرام العدد 1446 لعام 1882 الموافق 15 سبتمبر .. وهي من بواكير الصحف العربية التي تاسست عام 1875 في عهد الخديوي اسماعيل ويفترض فيها صحيفة رسمية وطنية تنشغل بقضايا وهموم الوطن فلم اصدق عيني وانا اقرا منشورا قديما عن الاهرام.. والغرض هنا يخبرنا بمدى دور الصحافة والاعلام في التاثير على الناس ومساندة الحاكم والتطبيل له اي كانت هويته فنحن لا نقبل التشكيك في الدور البطولي لاحمد عرابي ورموزنا العربية كاحد عمالقة الحركة الوطنية في العالم العربي مع امثال يوسف العظمي في سوريا وعلي عبد اللطيف وعلي دينار في السودان وعبد القادر الجزائري في الجزائر وعبد الكريم الخطابي في المغرب ورشيد كرامي في العراق وغيرهم كثيرون من كبار الحركات الوطنية ضد الاحتلال الاوروبي فتعالوا معي وتعرفوا على المعني الحقيقي للعمالة والخيانة والتشويه والتغييب والتزييف , خيانة الكلمة وخيانة الامانة والرسالة على حساب الوطنية والاشراف عبر هذا المنشور الذي حمل عنوان ( البشرى العظمي)....
(( ورد تلغراف رسمي من الجنرال الباسل وُلسلي أن السواري الأنكليزية احتلت العاصمة أمس ، تحت قيادة نجل الملة ، دون أدنى مقاومة ، وأن الجنرال ولسلي اليوم يدخلها مع البيادة . .. وورد تلغراف آخر إلى سمو خديونا المعظّم يؤيد الأول وأن الجيش الإنكليزي قبض على العاصي عرابي . فتم ما أعلنه الجنرال المذكور وأثبتناه في أهرامنا في 15 سبتمبر ) .
التهنئة : قُبض على عرابي وطلبة وحسن مظهر وإخوانهم . ابتسم ثغر مصر ، واهتز عطفها طرباً ، وتهللت القلوب فرحاً ريثما اقتبلت البشرى بانقضاء الأزمة وفك المعضلة ، فتبادل العالم التهاني وعلى وجوههم سمات البِشر والسرور ، ولسان الحال ينادي :
(( بشراك يا مصر بشراك ؛ فقد نلتِ المنى ودخلت العساكر الإنكليزية باسم الحضرة الخديوية عاصمة بلادك فاحتلتها وقبضت على عرابي وطلبة وإخوانهما ، واستلمن القلعة وقصر النيل وسواهما من المراكز العسكرية ، وتسنى لسمو خديوك المعظم أن يتم فيك مقاصده النبيلة الآيلة إلى نجاحك وترقبك ، وانفتحت لأبنائك أبواب العصر الجديد فادخلوها بسلام آمنين . وارتع أيها الأمير في بحبوحة النصر والظفر ، واهنأ فإن لك من المهيمن عضداً وعوناً ، ومصر تناديك : أنت روح البلاد ، فبك حياتها . أطال الله بقاء سموك ، وحفظ أنجالك الكرام .العاصي عرابي ... والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . أين المفر أيها الباغي وسيف العدل مسلول ؟ بماذا تحتج الآن وأنت في قبضة جيش الإنكليز الباسل ؟ ماذا تقول في إحراقك الإسكندرية وتخريب البلاد : يتيمت بنيها ، ورملت نساءها ، وأفسدتَ وكابرت . فالتاريخ يحفظ لك أيها اللئيم اسم السوء . فقت ظلمة الأجيال المتوحشة وأنت في عصر التمدن فقامت الأمة المصرية بأسرها تطالب الآن بثأرها منك ومن إخوانك الطغاة ، والعدل لا يبقى عليك ولا عليهم . كيف لا والعساكر أنفسهم نفروا منك وشتموك وسبوك )) ...
ان الاعلام بما يشمله من الصحف والمجلات والمنشورات والابحاث يعد وسيلة هامة من وسائل البحث .. هكذا يُفترض .. فكيف بالله عليكم نعول على هذا او ذاك في صياغة تاريخ مصرنا الحبيبة ان امرا متناقضا كهذا يجعلنا نقف امام شيئان مختلفان متناقضان فاما ماندرسه ونعلمه لابنائنا الان كذب وافتراء واما الرافعي والاهرام وغيرهم هم الكاذبون ..... فمن يكتب التاريخ ؟؟ قد يرد قائل فيقول ان هناك ايضا من اثني ومدح العرابيين ويستحيل ان يجتمع الناس على راي واحد لكن القضية هنا اخطر من ذلك لانها قضية تخوين وليست قضية راي او اختلاف في وجهات النظر والرؤي .. عاشت مصر حرة وأبية ورحم الله ابطالها وزعماءها وحُماتها الوطنيين..
0 comments:
إرسال تعليق