لم تكن قومية صدام حسين ومعمر القذافي ( رحمهم الله ) مجرد شعارات فقط بل ترجموا مفهوم القومية والهوية العربية الي خطوات ملموسة تهم الشعوب العربية اكثر من حكوماتها فالاول كان حاكما لدولة غنية على ارض الرافدين بمواردها الطبيعية والبشرية والحضارية التي استمدتها عبر التاريخ منذ البابليين والأكاديين وكانت حاضرة العباسيين في اوج مجدهم الحضاري ثم جاء صدام حسين قبل ان تجتمع عليه الدول الاستعمارية ليصنع دولة مجيدة صحيح انها استمدت قوتها من نظام حكمه العسكري والدكتاتوري ليقود الزعامة العربية على مستوي الشعوب العربية في فترة مرت فيها مصر بكثير من المتناقضات والمواقف الهشة من قضايا الأمة فاستطاع ان يمتلك جيشا قويا وقف امام الدولة الايرانية الطامعة والمتعطشة الي عصر الامبراطورية الفارسية ونجح لاكثر من ثمان سنوات وفي حرب ضروس ان يخرج متعادلا على الأقل مع دولة صلبة بحجم وقوة الدولة الايرانية ..
كان العراق السند الاول للشعوب العربية ففتح بلاده الغنية رغم الحرب الطويلة بلا تأشيرة لكل الشعوب العربية وخاصة من المصريين الذين وصل عددهم الي اكثر من 4 ملايين بارض الرافدين معظمهم من العمالة اليدوية والفلاحين وطلاب الجامعات ومنحهم الاراضي الزراعية وأتاح للجميع فرص العمل في السوق العراقية بل انه خصص لكل عاطل من ابناء العرب الذين لم يجدوا فرصة عمل مائة دولار مؤقتة حتي يتسنى لهم العمل بل ان كثيرا من المصريين تزوجوا بالعراقيات واستقروا وعاشوا بدولة العراق..
وبعيدا عن شخصية صدام حسين الدكتاتورية فقد درس مرحلته الثانوية بالقاهرة زمن جمال عبد الناصر مُلهم العرب ونصير قضايا الشعوب العربية ليكتسب منها صفات القومية العربية فكان سببا في تحسين الاحوال المعيشية لملايين الشباب والاسر العربية من المحيط الي الخليج ..عاش صدام بطلا في عيون محبيه ومات شامخا في قلوبهم اما اعداءه فكانوا لا يروا الا استبداده ودكتاتوريته وحربه على الاكراد ويحسب له في دكتاتوريته اصداره لقانون اعدام التجار الجشعين الذين يرفعون الاسعار ويخزنون البضائع وظل هذا القانون مُطبقا طوال سنوات الحرب العراقية الايرانية لذلك لم تحدث ازمة اقتصادية في العراق اثناء الحرب...
وعلى الجانب الاخر كان معمر القذافي صنيع عبد الناصر الذي احتضنه وساعده في قيام ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 وهو لم يكمل دراسته بعد فكان مهووسا به وبفكره القومي فترعرع القذافي على هيبة وزعامة عبد الناصر وان بالغ فيها برسم شخصية دكتاتورية ايضا لدي الحكومات العربية لكنه انتهج نفس المنهج القومي تجاه فلسطين والشعوب العربية وفتح اراضي بلاده لكل العرب وخاصة المصريين ايضا حتى انه منح الجنسية العربية بمسماها الاشمل بدلا عن الليبية وجعل العرب يعيشون في مساواة على ارضه مع اللييبن واذكر من مظاهر هذه المساواة التي تحسب للعقيد القذافي انه منح الطلبة العرب الاقامة مجانا بالمدن الجامعية بل ومصروفا 20 دينارا شهريا لكل طالب اثناء الدراسة وتخفيضا 50% على اسعار تذاكر السفر بما فيها الطيران والفنادق والمطاعم ودور السينما والمسارح .
حاول القذافي تطبيق مبدأ الاشتراكية الناصرية لكنه انحرف عنها ووضع بكتابه الاخضر خطوطا حمراء زادت من معارضيه وكارهي نظامه في ليبيا ومن بينها مبدأ (البيت لساكنه) فكان اصحاب البيوت من الليبيين يتذللون للسكان من العرب بمنحهم جزءا من اجرة السكن في الخفاء وسرا حسب حالتهم وبعيدا عن اعين الشرطة لكنه سمح بنفس الوقت بتملك الارض من خلال مبدأ (الأرض ليست ملكا ) لأحد فكان اي شخص يستطيع اليناء على اي مساحة غير مسجلة وليست ملكا لأحد فلا شراء ولا ايجار ومع ذلك لم يفسد تلك الاجراءات الا سوء التطبيق لكنها في واقع الامر سياسة تتناسب مع مساحة ليبيا الكبيرة وقلة عدد سكانها ورغم ذلك كانت ليبيا البلد الوحيد في العالم الذي يزيد فيه سعر كيلو الملح ( 6 قروش) عن سعر كيلو السكر (5 قروش ) بل كان الدينار الليبي اعلي سعرا من الدينار الكويتي حتي بعد الضربة الامريكية والحصار الامريكي في عهد الرئيس الامريكي رونالد ريغين .. وتساوي الجميع في فواتير الكهرباء والمياه .. في اسعار النقل والمواصلات.. في مجانية التعليم الاساسي وحتي التعليم الجامعي. . في مرتبات العاملين.. كانت مساهمات ليبيا ومساعداتها لكل الشعوب العربية اثرا كبير في تحسين الاحوال المعيشية لكثير من العرب الذين ضاقوا وضاقت حكوماتهم منهم ..
الحديث يطول ويطول لكننا نحن امام شخصيتان شغلا اعلى المناصب في دولتين عربيتين وكلاهما توفي الي رحمة الله وربما وضعت لحظات الحماسة والتهور نهاية للشخصيات الثلاثة لكن يبقي لهما مالهما وعليهما ماعليهما ..كلاهما استغله اصحاب المعارضة والاعلاميين المرتزقة فحصدوا منهما الملايين .. لكن الأثنين معا ارتبطا بعلاقة شخصية قوية فالقذافي راي في صدام حسين النموذج الناصري الذي افتقده وساعده على ذلك علاقة العداء مع الرئيس السادات بسبب كامب ديفيد فانصرف القذافي وتحالف مع صدام حسين ضد مصر وشكلا معه جبهة الصمود والتصدي صحبة الجزائر واليمن وفلسطين ثم عادا الاثنان معا واكتشفا ان الظروف والمتغيرات الدولية اقوي منهما وسرعان ما اعترف القذافي بان السادات كان علي حق بعدما وجد الجميع يجري الي طاولة المفاوضات وعلي راسهم ياسر عرفات لذلك اتجهت شخصية القذافي الي البحث عن زعامة اخري فلم يجد الا افريقيا ليتخذ لنفسه لقبا جديدا بعيدا عن الساحة العربية وهو زعيم ملوك افريقيا ..والي اللقاء في حلقة اخرى نبحث من خلالها ملامح الحماسة والتهور والتدهور في الجانب الشخصي للمرحوم معمر القذافي (( طارق فريد))
0 comments:
إرسال تعليق