تقرير :حسن بخيت
الإرهاب والإهمال وجهان لعملة واحدة ، فالإهمال جزء من الفساد ، والإرهاب في مقابل الفساد وفي النهاية كلاهما يتساوي في القتل والتدمير والخراب ،ولا يمكن بناء أي مجتمع إقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا مع الفساد والإهمال ، فحوادث الاهمال والفساد تعددت في الفترة الأخيرة من حرائق بمصانع غير مرخصة، غرق معدية.. حوادث طرق، حوادث قطارات وغيرها، لتؤكد أن الاهمال لا يقل خطراً عن الارهاب.. فكلاهما يحصد أرواح الأبرياء وكلاهما يقتل بلا رحمة ، بل يكاد يكون الاهمال أشد فتكاً من الإرهاب ، فهو يقضي على أي ثمار للتنمية المنشودة ، وإذا كانت مصر تخوض حربا ضد الارهاب فعليها أيضاً مسئولية وواجب الحرب ضد الاهمال والفساد، والذي أصبح ظاهرة وآفة بعض المسئولين في مصر المتهاونين بأرواح الأبرياء إذ يكتفون بعد كل كارثة أو حادثة بالتعويضات الفورية والبحث عن كبش فداء والعمل على تهدئة الرأي العام دون معالجة الأسباب الحقيقية ومعالجة المشكلة ، والتأكيد على أن الاهمال هو الجرثومة وأداة القتل العنيفة، فإذا كان هناك المئات يقتلون بسبب الارهاب، فهناك الآلاف أيضاً يتساقطون بدم بارد بسبب الاهمال ، فعلى الدولة اعلان الحرب على الاهمال لأنه لا يقل خطورة عن الارهاب وألا تترك الارهاب والاهمال إيد واحدة .
متى تنتهي كوارث سكك حديد مصر
سكك حديد مصر والتى تعتبر من أقدم السكك الحديدية في العالم ، أنشئت قبل ١٨٣ عاما تقريبا” في عهد محمد على باشا ، وعلي الرغم من قدم إنشائها وتاريخها الا أنها لم تسلم من الأزمات والأهمال والفساد ، وتلك الأزمات تعصف بها من حين لأخر لنستيقظ كل عام أكثر من مرة على صراخ فاجعة مؤلمة ، ووقوع حوادث مروعة يكون ضحيتها عشرات القتلي ومئات المصابين من الغلابة _ إما ارتطام وتصادم قطاريين ، أو خروج عربات القطار من فوق القضبان ، أو إشتعال النيران بركابها .
وتعددت حوادث القطارات فى السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة تتعلق بالفساد ،من عدم صيانة مرفق السكك الحديدية، أو من الأخطاء البشرية للسائقين وعمال التحويلة وضعف المراقبة وأخطاء فنية وكذلك الإهمال
وعلى الرغم من كل تصريحات المسئولين بدءاً من الوزير وحتى «الغفير»، لن يكون الحادث المروع الذى وقع صباح أليوم في محطة مصر ، هو الأخير ، والذي تسبب في الحريق الذي شب في المحطة بعد اصطدام قطار في أحد المباني أسفر عن 24 قتيلا و50 مصابا حتى كتابة هذا التقرير ، وتسبب الحادث في انهيار أجزاء من أحد المبانى وأثار حالة من الذعر بالمحطة الرئيسية، حيث كان القطار خارجا من ورشة الصيانة ودخل مسرعا وبدون سائق واصطدم في أحد المباني بالسكك الحديدية؛ ما أدى إلى اشتعال القطار وسقوط عشرات القتلى والمصابين .
وتكرار حدوث مثل هذه الكوارث وارد طالما بقى الإهمال مستمراً فى السكة الحديد.. ويبقى هذا القطاع أشبه باللغم فى طريق كل وزير.. فما من وزير تولى وزارة النقل إلا ووعد بالقضاء على الإهمال فى المزلقانات، وما يحدث من كوارث فوق قضبان السكة الحديد، ويذهب مسئول ويأتى آخر والكوارث مستمرة، بل تزداد خطورة عاماً بعد آخر، ليستمر نزيف الدماء فوق مزلقانات ما زالت تعمل يدوياً رغم أننا فى القرن الـ21، مخلفة خسائر تقدر بنحو 4 مليارات و85 مليون جنيه.
فإلى متى سيبقى هذا الإهمال من المسئولين ؟ وانعدام الصيانة، وتهالك القطارات، ووحدات التشغيل لها، ناهيك عن الأخطاء البشرية لسائقى القطارات وعمال المزلقانات.
لقد باتت الحاجة ملحة لإيجاد حلول سريعة وفورية للحد من كوارث ومآسى القطارات.. وكما يقول الخبراء: لا بد من إرادة حقيقية للتغيير، من جانب المسئولين فى هيئة السكك الحديدية ، وهى أكثر المؤسسات الحكومية التى تحتاج إلى إعادة تأهيل، بل تطوير جذرى ينتشلها من حالة اللامبالاة التى يعيشها معظم موظفى ذلك المرفق الحكومى المهم.
الواقع يؤكد أن السكك الحديد التى تنقل أكثر من نصف مليون مواطن يومياً، تعانى أمراضاً عديدة ، ومشكلات لا حصر لها وكل مسئول يأتينا بتبريرات لا تختلف عن سابقتها.. وكم من وزير سبق ورئيس هيئة جاء.. وما زال لغم السكة الحديد يتفاقم يوماً بعد يوم.. فالأمنيات كثيرة.. والمواطن أصبح فى حيرة بين وسيلة مواصلات آمنة كانت محببة إلى نفسه، بعد أن أصبح يخشاها، نتيجة كثرة أعطالها وحوادثها المتكررة وبين استغلال لا حد له من قبل وسائل النقل الأخرى.. فكيف يتعامل المواطن المصرى مع هذه المشكلة؟!
وبعد أن كانت السكة الحديد تحتل مرتبة متقدمة عالمياً منذ نشأتها قبل مائة عام، صارت الآن تحتل المرتبة 78 على مستوى العالم، وديونها وصلت لمليارات الجنيهات، بعد أن كانت رقم «2» بعد بريطانيا.
ومع أن هذا القطاع يسهم بنصيب كبير في إيرادات انجلترا، إلا أنه في مصر يساهم بحجم ضئيل جداً لا يزيد على 2% من الناتج القومي وبحجم إيرادات لا يزيد علي 1.2 مليار جنية.
الزمان المصري ترصد أبرز حوادث القطارات في أخر 20 عاما .
جريدة " الزمان المصري " ترصد أبرز حوادث القطارات التى شهدتها مصر في أخر 20 عاما بمختلف المحافظات مع تعددها سواء في الشكل أو النوع أو السبب إلا أن النهاية واحدة تكون دماء على القضبان ، وموت ألاف من البسطاء من أبناء هذا الوطن الغالى ، وهى كالتالي :
في أكتوبر 1997 في الإسكندرية وقع حادث اصطدام قطار بالقرب من الإسكندرية بإحدى المصدات الأسمنتية الضخمة، مما أدى إلى اندفاعها نحو المتواجدين بالقرب من المكان، وخروج القطار نحو إحدى الأسواق المزدحمة بالبائعين والمتجولين، مما أدى إلى مقتل 50 شخصًا، وإصابة أكثر من 80 مصابًا، ومعظم الضحايا ممن كانوا بالسوق أو اصطدمت بهم المصدة الأسمنتية, وأرجعت التحقيقات في وقتها ذلك إلى عبث أحد الركاب المخالفين في الركوب بفرامل الهواء بالقطار.
وفى فبراير 2002 شهدت منطقة العياط أكبر حادث فى القطارات إثر اندلاع حريق شب فى عربات أحد القطارات، وهو ما أسفر عن وفاة 350 مسافرًا، بعد أن تابع القطار سيره لمسافة 9 كيلومترات، والنيران مشتعلة فيه، ما اضطر المسافرين للقفز من النوافذ، ولم تصدر حصيلة رسمية بالعدد النهائي حتى الأن .
وفي أغسطس 2006، وعلى طريق “المنصورة– القاهرة” وقعت حادثة اصطدام قطارين أحدهما قادم من المنصورة متجهًا إلى القاهرة، والآخر قادم من بنها على نفس الاتجاه، مما أدى إلى وقوع تصادم عنيف بين القطارين، واختلفت الإحصاءات عن عدد القتلى، فذكر مصدر أمنى وقتها أن عدد القتلى بلغ 80 قتيلًا، وأكثر من 163 مصابًا، بينما قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية: إن 51 لقوا مصرعهم.
وفي يوليو 2007 اصطدم قطاران شمال مدينة القاهرة وراح ضحية الحادث 58 شخصًا، وجرح أكثر من 140 آخرين.
وفي أكتوبر 2009 وقعت حادثة تصادم قطارين في منطقة العياط على طريق القاهرة- أسيوط وأدت إلى مقتل 30 شخصًا وإصابة آخرين، حيث تعطل القطار الأول، وجاء الثاني ليصطدم به من الخلف وهو متوقف مما أدى لانقلاب أربع عربات من القطار الأول، وبعدها تقدم وزير النقل السابق محمد لطفي منصور باستقالته.
وفي سبتمبر 2016 استيقظ أهالي منطقة العياط، الواقعة بين محطة الجيزة والواسطى فى نطاق محافظة الجيزة، على خبر وفاة 3 ركاب، وإصابة 11 آخرين، إثر خروج 3 عربات من أحد قطارات الصعيد، عن القضبان.
11 أغسطس 2017 أعلنت وزارة الصحة والسكان، فى بيان لها، عن وفاة 36 شخصًا، وإصابة نحو 123 آخرين فى حادث تصادم قطاري ركاب بعد محطة قطار قرية أبيس 2 بين عزبة الموظفين وعزبة الشيخ، أمام المعهد الأزهرى، منطقة خورشيد (محافظة الإسكندرية).
وفي 28 فبراير 2018 تصادم قطاري خط المناشى أمام قرية أبو الخاوي بكوم حمادة بالبحيرة ، مما أسفر عن وفاة 12 مواطنا وإصابة 39 أخرين .
آراء خبراء الإقتصاد والحلول والمقترحات لحل المشكلة
جريدة ” الزمان المصري ” قامت بدورها الفعال في مشاركة المجتمع، والبحث عن حلول ومقترحات لحل المشكلات ، عرضنا المشكلة علي خبراء الإقتصاد ، والمستشارين المختصين …يقول ” أحمد إبراهيم” المتحدث السابق باسم وزارة النقل بعد أن عرضنا عليه السؤال المهم : ما هى المشاكل والحلول التى تواجه هيئة السكك الحديدية حتى لا نستيقظ مستقبلاً على كوارث مفزعة ؟
فرد علينا قائلا : إن مشاكل السكة الحديد تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم ، وعاما بعد عام ، وقدر المسئولين الحاليين أنهم ورثوها ومطلوب منهم حلها:
أولاً، المشاكل وتتمثل فى الديون والخسائر والقروض وفوائدها تصل إلى 100 مليار جنيه، وأكثر من 70 ألف موظف معظمهم عبء على المرفق، وإهلاكات سنوية نحو 650 مليون جنيه بسبب العمر الافتراضى، والسرقات نحو 250 مليون سنوياً، وحالة السكة (الجسر، البازلت، الفلنكات، القضبان) لا تصلح وتحتاج إلى صيانة شاملة أو تغيير كامل، بالإضافة إلى التعدى على أصول الهيئة من الأراضى، كما أن السكة الحديد تنقل 2% فقط من حجم النقل الجماعى وخدماتها سيئة، والإشارات تحتاج إلى تغيير وربطها بغرفة تحكم مركزى، وأيضاً تدهور حالة الكبارى والأنفاق المملوكة للسكة الحديد، وأزمة المزلقانات والمعابر غير الشرعية، تلك هى المشكلات الأساسية.ثانياً، الحلول، وهى: عاجلة، وعلى المدى الطويل.
أما العاجلة فتتمثل فى مراجعة خطة التشغيل (1200 رحلة يومياً)، وتقليل عددها، وإلغاء بعضها لعدم جدواه الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يحقق فوائد كثيرة، منها تقليل نفقات التشغيل والصيانة والإهلاكات وتوفير جرارات وعربات وعمالة فنية.
والتركيز على خطى القاهرة- الإسكندرية والقاهرة- أسوان وتدعيمهما بالجرارات والعربات والعمالة التى تم توفيرها من الخطوط الملغاة، وتوجيه الإنفاق فى تطوير هذين الخطين من كهربة الإشارات وميكنة المزلقانات وتغيير وصيانة القضبان حتى تتحمل سرعة 220 كيلو فى الساعة لأنهما الأكثر استخداماً وتعرضاً للمشاكل وأيضاً الأكثر ربحية، 80% من الإيرادات، مع تدريب وتأهيل العنصر البشرى، خاصة طوائف التشغيل، تشكيل مجلس لإدارة المرفق برئاسة وزير النقل يضم خبراء فى هذا المجال وقيادات الصف الثانى فى السكة الحديد.هذا التطوير يحتاج نحو 3 سنوات بتكلفة 20 ملياراً، وسوف يساهم فى وقف خسائر السكة وحوادثها، بل ومع تنشيط نقل البضائع وربطها بالموانئ سيحقق 4 مليارات جنيه أرباحاً يُستفاد منها فى تطوير الخطوط الأخرى تدريجياً.تلك هى الحلول العاجلة، أما طويلة المدى فتتمثل فى إنشاء سكة حديد جديدة خارج الكتلة السكنية فى الصحراء، ونبدأ أيضاً بخطى الإسكندرية والصعيد والدخول فى عالم القطار فائق السرعة (500 ك/الساعة) وأن يُطرح ذلك بنظام الاستثمار أو الشراكة مع القطاع الخاص بحيث تمتلك الدولة البنية الأساسية فقط، أما الوحدات المتحركة والتشغيل فيتولاه القطاع الخاص. هذه الرؤية لا مفر منها حتى نترك للأجيال المقبلة ثروة حقيقية، لأن إنشاء مرفق جديد للسكة الحديد فى الصحراء سوف يخلق أيضاً مجتمعاً عمرانياً تنموياً جديداً، وبالتوازى مع ذلك يجب إعادة تشغيل مصانع الإنتاج الحربى لإنتاج القطارات، وهناك عروض من دول أوروبية للتصنيع وليس التجميع، ووقف الاعتماد على القروض والاستيراد فى مشروعات السكة الحديد إذا كنا بالفعل جادين فى إنهاء مشاكل السكة الحديد تماماً وبناء صناعة قوية تساهم فى حل مشاكل البطالة وتحسن مستوى الخدمة وتنقذ أرواح الأبرياء من نزيف القضبان.
رؤية النهوض بالسكة الحديد تتضمن أيضاً مصادر التمويل وتوقيتات ومراحل التنفيذ، وفيها تفاصيل أخرى كثيرة، وهى موجودة فى وزارة النقل نتمنى من رئيس الهيئة الاستفادة منها لأنها خلاصة فكر نخبة من كبار الخبراء المصريين المتطوعين وأصبحت ملكاً لمصر.ويضيف ” إبراهيم ” قائلا” : ومن أهم المشاكل والعراقيل التى تواجه السكة الحديد ، إهمال منظومة الصيانة، وتهالك القطارات، وقلة الرقابة والتفتيش المستمر على حركة القطارات، وعدم التفكير فى توسعات جديدة بإضافة خطوط جديدة أو مخارج إضافية لتستوعب زيادة عدد الركاب، إضافة إلى نقص العمالة الفنية الماهرة للمزلقانات ومراقبي الأبراج والسائقين الملتزمين، وعدم الاهتمام بمنظومة العاملين ورواتبهم، وغياب تطبيق القانون بشكل رادع على قائدى القطارات الذين يقودون تحت تأثير الكحول والمخدرات، ناهيك عن الممارسات الخاطئة منها قطع الطرق واستغلال الباعة الجائلين بافتراش قضبان القطارات، مما يتطلب إصلاحاً حقيقياً لقطاع السكك الحديدية، وتطوير المزلقانات، وتنمية مهارات العنصر البشرى، للحد من الحوادث المتكررة، وحماية ملايين الأرواح يومياً ، فلابد وأن ً تكون هناك قيادات واعية لتنفيذ خطط التطوير والتحديث وما يحقق الاستقرار بلا عودة لنقطة الصفر ، ولابد من مشروع تطويرى متكامل لعلاج الوضع القائم فى السكة الحديد ما بين وزارة النقل ممثلة فى هيئة السكة الحديد مع جميع المحافظين وإدارات المحليات بالتعاون مع أجهزة وزارة الداخلية لتأمين القطارات وإزالة التعديات على خطوط السكك الحديدية وإنارة المزلقانات واقامة مطبات صناعية قبلها، واتخاذ جميع إجراءات الحماية والأمان للمزلقانات القانونية، كما أن هناك دوراً غائباً للمؤسسات الإعلامية وهو العمل على نزع السلبية عند المواطنين وإبراز الإيجابية فى التعامل مع هذه الوسيلة الحيوية ، فهناك دولاً كثيرة تفوقت فى مجال تطوير خدمات السكك الحديدية على رأسها اليابان، وكذلك الصين، وإنجلترا التى بدأت فى الثمانينيات إعادة هيكلة السكة الحديد، واستغرق ذلك نحو ثمانى سنوات، مبدياً أن نصف دخل السكة الحديد فى ألمانيا يأتى من نقل الركاب، والبضائع، والنصف الآخر من النشاط التجارى الملحق بالمحطات، ومن ثم لا مانع من الاستفادة من هذه التجارب، وذلك بوضع حلول تتلاءم مع طبيعة المشاكل التى نواجهها.
وفي النهاية : لا أحد ينكر أن هناك مجهودا” يتم لتطوير سكك حديد مصر منذ سنوات ، لكن أين يتم هذا المجهود ؟ وأين تحدث عمليات التطوير سواء في القطارات أو المحطات ؟ وهل تتم عمليات التطوير والتحديث في قطارات النوم والدرجة الأولي ، أم في قطارات الدرجة العادية ؟
ورغم إنفاق الملايين علي تطوير سكك حديد مصر إلا أنها ما زالت تعاني من كل أشكال انهيار الخدمة والأهمال الشديد ..
0 comments:
إرسال تعليق