السكة الحديد أصبحت أزمة يعاني منها الجميع. المتعاملون معها والعاملون فيها، والمسئولون عنها أيضا. خيوط الأزمة متشابكة وتحتاج لمعجزة لحلها، وليس الإضراب الأخير للسائقين إلا علامة من علامات تدهور الهيئة، التي كانت صرحا مصريا عظيما. كل الاطراف متفقة على أن الخاسر الأكبر هو الوطن.
إلا أن المشكلة ستظل قائمة مادامت الهوة تتسع يوما بعد يوم، بين الأجور التي يتقاضاها العاملون، ليس في السكة الحديد وحدها ولكن في الدولة كلها ـ والأسعار التي تشتعل دوما. يبدو أن الأزمة عميقة ومرشحة للاستمرار.
السكة الحديد تعاني. والعاملون فيها يعانون. والمواطنون يعانون أيضا. والحكومة تعاني وستعاني طالما استمر السكوت على الوضع المزرى للهيئة. الوطن يتألم. اعتصرت قلوبنا جميعاً اليوم ونحن نشاهد عبر وسائل الاعلام المختلفة تداعيات هذا الانفجار المروع الذي تعرضت له محطة السكة الحديد في رمسيس نتيجة اهمال واستهتار سائق جرار أحد القطارات.
تاركاً خلفة مشاهد مؤلمة هزت المشاعر وتركت بداخل كل مصري احساس بالمرارة والحسرة والألم على هؤلاء الابرياء الذين راحوا ضحية الحادث والذين لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم كانوا متواجدين فى المحطة وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي جداً.
هذا الحادث في تقديري وإن كان مؤلماً وقاسياً الا أنه يضع ايدينا على مسألة في منتهى الأهمية تتمثل في تعامل القيادة السياسية مع الحادث على هذا النحو من السرعة والحزم وهو ما يعكس وبشكل لافت للنظر احساس الدولة بالمسئولية والتعامل مع الازمات وفق آليات منضبطة وغير مسبوقة.
أننا نحن بالفعل أمام حالة غير مسبوقة من التعامل مع الأزمات بروح جديدة ومختلفة كان من أبرزها قبول استقالة وزير النقل لتحمله مسئولية التقصير والإهمال في قطاع خدمي يقع ضمن مسئولياته.
لا يختلف اثنان على أن الأزمات جزء رئيسي في واقع الحياة البشرية والمؤسسية، وهذا يدفع إلى التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهتها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها، والاستفادة إن أمكن من نتائجها الإيجابية.
وحاول العديد من الباحثين تعريف الأزمة بالمفهوم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، حيث أشاروا إلى ذلك بقولهم:
يقصد بالأزمة من الناحية الاجتماعية: " توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن، ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة".
أما الأزمة من الناحية السياسية: " حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله سواءً كان إدارياً، أو سياسياً، أو نظامياً، أو اجتماعياً، أو اقتصاديا، أو ثقافياً". ومن الناحية الاقتصادية فهي تعني:" انقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الاحتمالي". ويمكن تقصي المعاني اللغوية والاصطلاحية اللازمة ومن ثم مفاهيمها وذلك على النحو التالي:
الأزمة لغةً: تعني الشدة والقحط، والأزمة هو المضيق، ويطلق على كل طريق بين جبلين مأزم. ومصطلح الأزمة (Crisis) مشتق أصلاً من الكلمة اليونانية (KIPVEW) بمعنى لتقرر (To decide).
أما اللغة الصينية فقد برعت إلى حد كبير في صياغة مصطلح الأزمة... إذ ينطقونه ( Ji-Wet) وهي عبارة عن كلمتين: الأولى تدل على ( الخطر) والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها، وتكمن البراعة هنا في تصور إمكانية تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية التي تستثمر الأزمة كفرصة لإعادة صياغة الظروف وإيجاد الحلول السديدة.
أما الأزمة اصطلاحا: فهي" حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قراراً ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو إيجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة".
وفي أوقات الأزمات تحاول كافة الأنظمة والمؤسسات اتباع استراتيجيات محددة لمواجهتها، وتتنوع الاستراتيجيات تبعا لطبيعة الأزمة، وتأتي استراتيجية التبرير ضمن أبرز الأدوات التي تستخدمها الأنظمة السياسية لمواجهة أي أزمة أو كارثة تتعرض لها، حيث تعمل الأنظمة السياسية على تقديم ايضاحات وتبريرات تفسر أسباب اتخاذها قرارات معينة أدت إلى حدوث الأزمة، أو توضيح حقيقة ما حدث وأنه خارج عن إدارتها أو أنها كانت مضطرة لذلك نتيجة ظروف معينة ومنها أيضا إعادة تقديم الأزمة بشكل جديد.
وقد نظرت بعض الدراسات المصرية إلى الإعلام فى العشرينيات، باعتباره أحد المكونات الأساسية فى استراتيجية إدارة الأزمة. ووضعت وسائل الإعلام فى إطار إمداد الرأي العام بالحقائق والمعلومات المتعلقة بالأزمة.
كما أوضحت الدراسات المصرية عدم الاهتمام بتخطيط وإدارة الأزمات قبل وقوعها. من جهة أخرى، أظهرت دراسات أخرى على أن الإعلام قد يشكل "أزمة في حد ذاته"، بعدم تحري الدقة والموضوعية والشفافية في نقل الأخبار والمعلومات المتعلقة بالأزمات.
في هذا السياق، تلجأ بعض الوسائل إلى التهوين من الأزمة، وتلجأ وسائل أخرى إلى التهويل وتضخيم الأمر. وتبنت بعض الصحف أيضا دعوة لاتخاذ اجراءات حاسمة تجاه المخطئين من جميع الجهات التي تسببت بالتغاضي والإهمال في هذه الكارثة، مشيرة إلى أنه لا يكفي أبدا أن نعالج الكوارث بتقديم كبار المسئولين لاستقالاتهم، انتظارا لهدوء التداعيات، ليواصل المسئول نفس المسئولية، أو ينتقل إلى موقع أكثر أهمية وتأثيرا، أن المحاكمات العاجلة وفي نفس موقع الحادث الأليم، أو بالقرب منه هي وحدها القرار المطلوب لتظهر الحقيقة ويهدأ أهالي الضحايا وتكون دموعهم ذات جدوى.
إن هذا الحادث يستدعى سرعة معرفة أسبابه، والوقوف على ملابساته، لأخذ الاجراءات اللازمة، ومحاسبة المقصر في حالة ما إذا كان الخطأ بشريا، فمرفق السكة الحديد في حاجة إلى تطوير كامل ليس لديها أي حلول لمواجهة حالة التردي في قطاعات الخدمات بمصر وفي مقدمتها قطاع النقل إنني أطالب بإقصاء جميع القيادات الفاسدة في السكك الحديدية، ومحاسبة كل المسئولين عن هذه الفاجعة وما سبقها من حوادث أخرى ، وتطهير كل الوزارات من رموز الفساد ،والاستعانة بالكفاءات المصرية المتخصصة في إصلاح منظومة النقل في مصر وإعلان خطة زمنية قصيرة الأجل لتشغيل وإصلاح السكك الحديدية وفق معايير السلامة الدولية كبداية لوضع خطة شاملة زمنية واقعية لإصلاح العطب الذي أصاب كل مرافق مصر العامة وإلا فنحن في ظل نظام لا يأبه بمصالح الوطن والمواطنين..
إن من استشهدوا في مصر بفعل الإهمال والفساد وحوادث الطرق والقطارات أضعاف من استشهدوا برصاص العدو الصهيوني. فقد ذهب جنودنا ليلبوا نداء الوطن، فكانوا في موعد مع الموت، هذا هو حال شبابنا
سارية تنصب في محطات السكة الحديدية أعلاها ذراع متحركة يشير انخفاضها إلى خلو الطريق من الموانع وعلى إثرها يتحرك القطار منطلقا في طريقه دون خوف من حادث أو قلق من شائبة قد تعوق طريقه يقف على ناصيتها عامل للمزلقان فقير في ملامحه وربما ملابسه الرثة رغم استناده إلى وظيفة “عامل” بالهيئة القومية لسكك حديد مصر ” سكك الموت ” كما يطلق عليها العامة.
في مشهد تنفطر له القلوب مر على جميع المصريين وامتلأ بالحزن على هؤلاء الأبرياء الجميع مشغول بجمع البينات عن الكارثة التي حلت على العديد من الأسر المصرية فهذا يبحث عن أخيه وذاك عن ابنه وتلك عن والدتها، حتى أن سالت الدموع من أعين الأطفال من بشاعة المنظر ورجال الإسعاف يجمعون ما بقي من الضحايا وأشلائهم.
وبعد مرور وقت قصير من وقوع الحادثة ومن خلال مراجعة كاميرات المراقبة ظهر فيديو من خلال إحدى الكاميرات القريبة من ساحة جراج القطارات يوضح من السبب وراء هذه الكارثة التي تقطعت لها القلوب.
بدأت الكارثة بترك سائق الجرار القيادة وراح يتشاجر مع زميله بعد أن أغشي الشيطان عينيه لكي ينتقم من زميله فكان الانتقام أوجاع العشرات من الأسر المصرية، انشغل السائق ومساعده بالمشاجرة ليتركهم الجرار متوجهاً إلى المحطة ليحصد أرواح الأبرياء وما إن شعر السائقان بتحرك الجرار لم يتمكنا من إيقافه فكانت الكارثة.
0 comments:
إرسال تعليق