اكتب إليكم وأنا في صدمة نفسية شديدة... ألمت بي ، بعد حادث قطار محطة مصر ، تلك الكارثة والتي ألمت بجميع المصريين في كل مكان سواء داخل مصر الحبيبة أو خارجها ، وراح ضحيتها عشرات القتلي، وأزهقت بسببها الأرواح وسالت دماء الأبرياء على قضبان السكك الحديدية في مناظر مؤلمة لا يتحمل رؤيتها الا عدو ، ولا يرضى بوقوعها الا خائن ...
ورغم فظاعة الكارثة ومناظر الجثث واشتعال النيران في أجساد البسطاء وهم يهرولون بلا وعي كالطير المذبوح الذى يرقص من شدة الألم ...
وقد تكلمت في تقرير قمت بكتابته فور وقوع الكارثة مباشرة تحت عنوان " الإرهاب والإهمال وجهان لعملة واحدة "وتطرقت فيه لكارثة الإهمال والفساد ..
لكن المصيبة الأعظم التى أردت أن أتعرض اليها في مقالي هذا، تكمن في أمرين :
الأمر الأول : عن المتجمهرين حول الحوادث، الذين لا هم لهم سوى تصوير هذه الحوادث بجوالاتهم، والتقاط صور لأجساد القتلي المتناثرة في كل مكان ،وصورللمصابين ، وهم في حالة يرثى لها ومضرجين بالدماء على قضبان القطار ..
كانت قد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تصوير الحوادث ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي في مشهد غير حضاري لا يتفق مع قيمنا ومبادئ ديننا الحنيف الذي يحث على مساعدة الغير، خاصة في أوقات الحوادث والمصائب ، وباتت مصيبة تصوير الحوادث والأحداث العامة أمراً اعتيادياً بين الناس من دون اعتبار للجانب الإنساني والخصوصية، لأن مثل هذا السلوك ينتهك حريات وخصوصية الآخرين في «ظروف صعبة»، إذ أصبحت المسألة «تسلية» بامتياز بهدف الحصول على أكبر قدر من المتابعين .
أتسائل للعادة وأوجه تساؤلاتي لهؤلاء الجهلة الذين أبتليت بهم البلاد والعباد ...
في أي دين أو عرف يسمح لأمثال هؤلاء بتصوير المصابين وبث هذه المناظر المؤلمة عبر الجوالات، ونشرها عبر مواقع التواصل المختلفة ؟
كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بتصوير النساء والأطفال وهم غير قادرين على النهوض من شدة هول الصدمة، أو بسبب إصاباتهم التي تعيقهم عن الحركة بسبب الحادث وما لحق بهم من خوفٍ وهلع وآلام بسبب الحادث؟
كيف يسمح المتطفل أو من يدعي الأخلاق أن يُصور القتلى سواء كانوا رجال أو نساء وهم في حالات تحتاج إلى الستر والإنقاذ عوضًا عن هتك أعراضهم؟
هل يرضى هذا المتطفل الجبان أن يصور المارة وعابرو الطريق أحداً من أهله: أمه، زوجته، بناته، أو أخواته أو أيًّا من أفراد أسرته، لو وقع لهم حادث وتبعثروا في الطرقات ؟
أين نخوة الرجال؟ ومروءة الشباب في الذود عن هؤلاء المصابين ومنع تصويرهم، والإحالة بينهم وبين المتطفلين من المصوّرين لهذه الحوادث؟
لماذا لا يسارع هذا المتطفل في تقديم المساعدة للمصابين؟، لعله يقوم بإنقاذ حياة شخص من الموت ، فيكون سببا في رحمة الله له يوم القيامة .
هل فهمنا الحرية خطأ ؟ أم أننا نعيش حالة من الفوضي !!!
هل نسينا أننا مصريون " مسلمون ومسيحيون ؟، نعتنق تعاليم التسامح والمحبة والأخلاق، أم ماذا؟، فالغاية من الأديان هي السمو بالأخلاق البشرية نحو التحضر، والتسامح والصدق والصراحة أو الكرم والجود، أو الأمانة والعدل أو الرحمة والرأفة أو الشهامة والمروءة أو الشجاعة والإقدام أو الحلم، والأناة، وغيرها من قيمنا وأخلاقنا المصرية العظيمة فالأخلاق والسلوكيات المتحضرة، هي عنوان الشعوب وتعاليم الأديان، وتنادى بها المصلحون لإصلاح المجتمعات، وتطورها وتغنى بها الشعراء، ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي:
"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فـإن هُمُوُ ذهبــت أخـلاقهم ذهــبوا"
الأمر الثاني : عن المتشدقين بالوطنية والمتصيدين في الماء العكر ، والذين يظهرون على شكل ذباب الكتروني يجول مواقع التواصل الألكتروني ، ووصلات الشماتة بعد كل كارثة ، ويستغلون الأزمة لتشويه صورة مصر خارجياً ، فى كل أزمة تعانى منها مصر، وتبدأ حفلات الشماتة الخاصة بهم فى الشعب المصرى بعد كل كارثة تشهدها البلاد ، لإظهار مصر على أنها تعانى من إنهيار ، على الرغم من أن الكوارث والحوادث تحدث في كل مكان في العالم وبصور مرعبة في بعض الأحيان ، وليس هذا تقليل من كارثة قطار محطة مصر ، أو لتبرير فشل وإهمال المسئولين عن الحادث ، فما زلت أطالب بمعاقبة المتسببين في أى كارثة تمر بها مصر ...
وليعلم الجميع أن المصريين سواء داخل مصر أو خارجها جميعهم يتفقون على أمن واستقرار أرض الكنانة إلا قلة قليلة تم تلويث فكرهم ، فمصر يعمل من أجل استقرارها كل مواطن مصري شريف ويفرح لاستقرار وازدهار مصر كل عربي شريف، أما أولئك خفافيش الظلام من منظمات دولية وجماعات فكرية إرهابية، ودول حاقدة ، فما لها إلا الخيبة والاندحار لأن مصر محمية بعين الله ورعايته، وليمتنع الدخلاء والعملاء عن إثارة الفتن.
حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء ومكروه
0 comments:
إرسال تعليق