يصدر قريباً عن دار المتن للطباعة في بغداد كتابنا الجديد وهو عبارة عن دراسة نقدية نحاول فيها الوقوف عند أهم التراكيب الابداعية والفنية في القصة القصيرة الواقعية النقدية كإنتاج أدبي انساني مهم وممتع حين تنطلق الكتابة معبرة عن الواقع بصدق وحقيقة ، وبقدرة فنية للكاتب وما يريد قوله وايصاله الى المتلقي بشكل عام ، سواء كان مواطناً عادياً ، أو مسؤولاً حكومياً ، لاسيما في نصوص : ( صباح الخير أيّتها الحلة ) وعلى أي الاشياء كان تركيز كاتبها ، وما هي أهدافه وغاياته .
فالبناء الشكلي العام ، وحبكة السرد ، والابطال بمختلف ما رسمته صورهم ( شخصيات الحكاية ) ، وما رافق ذلك من متناغمات مسرح الاحداث ، أضافة الى الوصف ، وجماليته بأية صورة كان، كل ذلك جعلنا نقف لنقرأ ما جاء ، وما كُتب ، وكيف هو السرد المتتالي كمتن لاحق بعد كل عنوان ، ثم نحلل ونكشف ـ كقراء قبل كل شيء ـ ما ورائيات الكلمات وكيف هي .منذ النظرة الأولى تذهب العينان بعيداً وهما تطالعان عنواناً متفائلاً يتصدر الاصدار الجديد: صباح الخير أيّتها الحلة للمهندس الحلي ورجل الاعمال الاستاذ سليم جاسم الربيعي، ومع ما يحمله عنوان الغلاف الأول من معنى، فانه يضيف اليه صورة جميلة لمدينة الحلة التقطت عام 1960 وكأنها لأحدى حدائق قصور الملوك أو النبلاء أيام القرون المنصرمة ، ولو لم نكن شهود عيان على تلك الحـدائق وجمالها حينذاك ، لقلنا أنها صورة لا يُراد منها إلاّ اضافة الجمـال للمطبـوع ، مع صورة أخـرى أبهجت المدينــة بـعد الخراب الذي طـالها وهي :
لـ ( BDC مول ) الذي أعاد بعض نشوة الحياة لمدينة التاريخ المنسية ؛ التي اختزلها الكاتب بكلمات في اول ما كتب قائلاً :
( في وطني ، ومنذ عشرات السنين ، كان من أكثر القضايا أيلاماً واستنكاراً ؛ هي العدالة المفقودة .. ) ص6
بعد عدة سطور يضيف الكاتب أليها مقطعاً من كلمات لا تقلّ ألماً عمّا سبق :
( شعرت أنه من الواجب الملقى على عاتقي ، هو الجهد بالقول بلا مواربة، ولا خشية لكشف المستور ولعنة الظلام لعل وعسى أن أساهم في فتح كوّة تنير الطريق ، وتطرد اليأس وتزيح أرباب السحت الحرام وظلم العباد ، وتخريب البلاد) ص7
اذن بالعودة للعنوان المفرح البهيج ، نجد أننا أمام تباين في اللاحق الآتي من كتابات حزينة خلال ما يرويه كقصص واقعية وثائقية في سردها يحاول من خلالها القول :
دعونا أيّها الأخوة نبتعد عن الحزن فلقد اكتفينا .. وهذا ما أضفى على أن يكون اختيار عنونة النص العام يحمل جملة : صباح الخير، الدالّة فعلاً على أمنية السعادة المفقودة ، والتي يسعى الى اعادتها كل الطيبين، ومنهم الربيعي.
اسلوبية الخطاب الاعلامي والسرد الحكائي الذي اعتمده الاستاذ سليم الربيعي انطلق من واقع حزين مُتعَب ؛ قلّة من الكتاب يسيرون عليه من خلال تجميع افكارٍ ، ومشاعر نفسية تصل حدّ الانفعال الوجداني لينطلق بها الكاتب ، أي كاتب كان ؛ الى مشروع كتابته بأسلوبه الادبي الذي يريد. من هناك يشتغل على وظيفته الانتاجية في اخراج ابداعه كمنجز أدبي ، أو اعلامي ضمن الاهداف التي حددها مسبقاً كما هو حال كاتبنا في منجزه : صباح الخير أيتها الحلة ، الذي جسده بكلمات توثيقية من أجل التاريخ ، والانسانية على ما جرى في مدينته ، ومنشأ طفولته وصباه ، وشبابه ، وآثار الزمن على مدينة الآثار الخالدة .
لا غرابة اذا وجدنا كلمات المأساة كثيرة في هذه المجموعة ، تتناثر هنا وهناك ، تارة تحاول ملء فراغات شاسعة ، واخرى في محاولةٍ لإزاحة هموم متراكمة .
لقد عاد بنا الكاتب من جديد في كثير مما كتب الى السرد الجميل بعد أن ابتعدت عنه الكتابات المعاصرة والتجديدية اللاحقة التي تغرقُ بالرمزية الخانقة والسرد الممل أحياناً ، وربما المكرر غالباً.
هنا وجدنا لغة سهلة من اجل ايصال رسالة اعلامية تبيّن للقارئ بلا عناء ، ما تحمله تلك الرسالة من جراحات شتى ، بصور شتى ، تضمّنتها النصوص الداخلية .
ذكريات وسير ذاتية تضمّنها الكتاب ، تلخص ما يسعى اليه الربيعي من المضي قدماً على طريق الوضوح ، والاستقامة ، والجرأة في قول كلمة الحق كما يذكر ؛ هي الرسالة الواضحة لكشف الظلم ، وتعرية الظالمين بعيداً عن ملذّات الدنيا الزائلة .
مهما كانت جمالية النص المكتوب حين ينطلق من الواقع ، تكون صوره وألوانه أجمل بكثير من الخيال المحض ، وهنا تجّلى الابداع بصورة واضحة لنا استمد الفكرة والبناء النصي من الواقعية الحقيقية ؛ وهيمنت العناصر الواقعية بعيداً عن الرومانسية في كثير من المواقع كي يجسد الكاتب الحقائق مرّة على شكل قصة، وأخرى على شكل مقال يتضمن القصة وهو نمط جديد في الادبيات المعاصرة الحديثة التجديدية قلّة من كتب به ، وبعضهم اسماه : المقال القصة.
وايضاً استطاع الكاتب أن يصوّر الخارج النفسي الانساني ، اضافة الى الدواخل ، والخلجات ، والمشاعر، بدقة وبساطة مليئة بالثقة بما يحصل من تطورات علمية وحضارية ، في معالجات وحلول ، ونقد بنّاء ، لحل مشاكل عالقة بالمجتمع بسبب الممارسات الخاطئة من قبل البعض ، وأيضاً لإعادة اعمار ما يمكن أن نسميه حالة الخراب والفوضى من أجل الانسان الذي يعيش على هذه الارض ، بعيداً عن المثاليات غير المنطقية لحركة المجتمع والاقتصاد ـ والتفاعل الاجتماعي .
اذن ، من يتحكم في البناء المعرفي ، والوعي الموضوعي ، بكل دلالاته هو الواقع ؛ بعيداً عن حدود الذاتية ، وما تمليه على صاحبها من إفاضات ، واضافات تقيد المسيرة الحياتية للعلاج ، لاسيما في مجتمع يعاني من ويلات وآلام كثيرة ، هزّته بشدة ، وأرادت أن تضعضع كيانه من كل الاتجاهات، ومن هنا حسب ما نراه واقعياً ، كانت انطلاقة الربيعي في السرد الواضح مع ما يحمل من الجمال
0 comments:
إرسال تعليق