أصبحت شبكة الإنترنت تشكّل قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية مؤثّرة في العالم الحديث. وبالمقابل، إن التحديات القانونية الناتجة عن شبكة الانترنت قد كثرت وازدادت بحيث أصبحت الجرائم السيبرانية من الجرائم الكبرى في القرن الـ 21.
وإن أحدث تقرير صدر عن الأمم المتحدة حول شبكة الإنترنت في3 يونيو 2011. اعتبر أن الحصول على خدمة الإنترنت حق من حقوق الإنسان الأساسية.
أن شبكة الإنترنت هي واحدة من أقوى أدوات القرن التي تمكّن من زيادة الشفافية ومن سرعة الحصول على المعلومات، وتسهيل مشاركة المواطنين في بناء مجتمع ديموقراطي. واستنادًا إلى وقائع من المظاهرات الأخيرة في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدّت شبكة الإنترنت دورًا رئيسًا في تعبئة السكان للدعوة للتظاهر من أجل العدالة والمساواة والمساءلة واحترام أفضل لحقوق الإنسان. ويدعو التقرير جميع الدول إلى تجنّب اعتماد القوانين التي تحظّر الدخول إلى شبكة الإنترنت بحجج زائفة كالحاجة إلى حماية خصوصية الأفراد، والأمن القومي أو مكافحة الإرهاب.
ويجب علي الدول إلى تبني سياسات فعالة وملموسة والاستراتيجيات التي يجب أن توضع بالتعاون مع الأفراد من جميع شرائح المجتمع، لجعل الإنترنت متاحة على نطاق واسع وميسرة وبأسعار معقولة للجميع. «وبالنظر إلى أن الإنترنت أصبحت أداة لا غنى عنها لتحقيق عدد من مبادئ حقوق الإنسان، ومكافحة عدم المساواة، وتسريع التنمية والتقدم الإنساني، ينبغي ضمان حصول الجميع على خدمة شبكة الإنترنت وأن يكون من أولويات جميع الدول».
تسارع إيقاع التقدم التكنولوجي والتقني الهائل ، وظهور الفضاء الإلكتروني ووسائل الاتصالات الحديثة كالفاكس والإنترنت وسائر صور الاتصال الإلكتروني عبر الأقمار الصناعية استغله مرتكبو الجرائم الإلكترونية
في تنفيذ جرائمهم التي لم تعد تقتصر على إقليم دولة واحدة ، بل تجاوزت حدود الدول ، وهي جرائم مبتكرة ومستحدثة تمثل ضربا من ضروب الذكاء الإجرامي ، استعصى إدراجها ضمن الأوصاف الجنائية التقليدية في القوانين الجنائية الوطنية والأجنبية ، ومن حيث ما يرتبط بهشاشة نظام الملاحقة الإجرائية التي تبدو قاصرة على استيعاب هذه الظاهرة الإجرامية الجديدة ، سواء على صعيد الملاحقة الجنائية في إطار القوانين الوطنية أم على صعيد الملاحقة الجنائية الدولية ،
مما أوجب تطوير البنية التشريعية الجنائية الوطنية بذكاء تشريعي مماثل تعكس فيه الدقة الواجبة علي المستوى القانوني وسائر جوانب وأبعاد تلك التقنيات الجديدة ، بما يضمن في الأحوال كافة احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات من ناحية ، ومبدأ الشرعية الإجرائية من ناحية أخرى ، وتتكامل فيه في الدور والهدف مع المعاهدات الدولية .
فإذا كان بعض هذه الجرائم قد يكون محله جانبا معنويا تقع عليه يتمثل في المعلومات والبيانات والبرامج التي يحتويها الحاسب الآلي فإن ذلك قد يثير العديد من المشكلات حول هذه الكيانات المعنوية من حيث مدى صلاحيتها لقيام الجريمة، لأن ذلك يتطلب وجوب إثبات كونها مالا لكي تكون محلا للتجريم والعقاب
ولذلك نجد أن برامج الحاسبات الآلية قد أثارت مشكلة مدى اعتبارها مالا لكي تخضع الجرائم التي تقع عليها لنصوص جرائم الاعتداء على الأموال، بحسبان ان هذه البرامج في جوهرها معلومات، وأن هذه المعلومات عبارة عن مجموعة من الافكار تمثل تعبيرا يأخذ شكل رسالة يستطيع الغير إدراكها سواء اكان ذلك عن طريق نقلها أم حفظها أم معالجتها وذلك بعد أن يقوم الحاسب بمعالجتها وتحويلها إلى رموز وشفرات لا يمكن للإنسان العلم بها إلا من خلال الآلة وأثناء تشغيلها .
فالنظرة إلى المعلومات التي تحتويها الوسائل الإلكترونية يجب ان تكون نظرة خاصة تتفق مع طبيعتها الخاصة ولعلنا نلاحظ قيام بعض التشريعات في الوقت الحاضر بإفراد نصوص خاصة لتجريم أفعال الاعتداء على المعلومات في أشكالها المختلفة،
فالمشرع الفرنسي قد تدارك النقص الذي بدا واضحا في نصوص قانون العقوبات التقليدية بشأن جرائم المعلومات، فجاء قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر في سنة 1994، بالمادة 323 والتي نصت في فقراتها من الأولى وحتى السابعة على تجريم الدخول أو البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو في جزء منه، مع النص على تشديد العقوبة إذا نتج عن الدخول أو البقاء محو أو تعطيل المعطيات الموجودة داخل النظام أو إفساد وظيفته، وكذلك تجريم الإدخال غير المشروع لمعطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو المحو أو التعديل غير المشروع لها،
وذلك بعد ان اعتبر المشرع الفرنسي هذه المعطيات من قبيل الأموال ذات الطبيعة الخاصة ولقد توسع المشرع الفرنسي في تجريم أفعال الاعتداء على معطيات الوسائل الإلكترونية، فجرم كافة صور الاختراق غير المشروع لهذه المعطيات سواء وقعت هذه الأفعال على الأجهزة الإلكترونية نفسها أم على الأنظمة التي تعمل بها هذه الأجهزة .
كذلك فإن هذا المشرع قد مد المسؤولية الجنائية عن هذه الاعتداءات إلى الأشخاص المعنوية بأن نصت المادة 323/6 على ذلك، ولكن وفقا للشروط التي تنص عليها المادة 121/2 التي تعد النص العام في تقرير المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في قانون العقوبات الفرنسي حتى وقتٍ قريب، كان للحكومات مقاربات مختلفة بشأن التشريعات الخاصة بالإنترنت.
فمعظم دول العالم تنظّم الإنترنت ضمن حدود قيمها السياسية والقانونية والأخلاقية والثقافية. لكن بما أن تطوّر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يجري على مستوى دولي خارجًا عن نطاق سيطرة هذه الدول، فإن اعتماد تشريعات فعالة وتنفيذها لمكافحة جرائم الإنترنت يشكّل تحديًا كبيرًا للحكومات.
وبالتالي، إن جرائم الإنترنت تمثّل تحديًا كبيرًا للأجهزة القانونية في كلّ من البلدان المتقدمة والنامية، ذلك أن عملية التشريع تستغرق وقتًا طويلاً يمنع مكافحة جرائم المعلوماتية بسرعة.
في الواقع، فإن المحاكم الجزائية الوطنية تواجه اليوم صعوبة أساسية وهي الوقت الضائع بين اكتشاف الانتهاكات للتقنيات الجديدة، وبين تعديل القوانين الجزائية لمكافحتها. فالتعديلات الضرورية للقانون الجزائي الوطني غالبًا ما تكون بطيئة لأنها تتطلب تحقيق الخطوات الآتية: اكتشاف محتوى المخالفات في التكنولوجيا الجديدة، وإيجاد الثغرات في القانون الجزائي لمعالجتها واعتماد قوانين جديدة تجرِّم التعديات المتعلقة بالكمبيوتر. وما يزيد من التأخير في عملية مكافحة جرائم الإنترنت الحاجة إلى معدات وتقنيات قد لا تكون متوافرة للتحقيق في الأعمال الإجرامية المحتملة.
فالتعامل بالأدلة الرقمية يترافق مع تحديات كبيرة ويتطلّب إجراءات محدّدة للحفاظ على سلامة المعلومات، وتجنّب تعديل الأدلة أو حذفها، أو التعدي على حقوق مستخدمي الإنترنت الأبرياء. ومن بين التحديات الأخرى الأساسية نذكر:
صعوبة كشف الأجهزة والبرامج التي يستخدمها المشتبه بهم، وكشف هوية مستخدمي الإنترنت عن طريق تحليل الرسائل الالكترونية، واستعادة الملفات المحذوفة، وتحديد الأدلة ذات الصلة بالجرائم، وفك تشفير الملفات.
من ناحية أخرى، إن انتشار الإنترنت خارج حدود الدولة يطرح تحديات قانونية تتعلّق بسيادة الدول وصلاحية محاكمها التي تمتد فقط على مساحتها الجغرافية (ضمن حدودها).
ولكن بما أن جرائم الإنترنت ظاهرة عالمية جديدة تمتدّ خارج نطاق الحدود الوطنية فإن ذلك يستلزم لنجاح مكافحة تلك الجرائم تنسيقًا (harmonization) كبيرًا بين القوانين الداخلية والمعاهدات الدولية والتعاون بين مختلف البلدان. فمنذ العام 1995، تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم عددًا من المشاكل على شبكة الانترنت كتحميل المواد التي تعتبر غير قانونية ووجود محتوى غير أخلاقي مضر بالشباب، بالإضافة إلى الجرائم الأخرى.
على الرغم من التقدم الكبير في العديد من البلدان لمحاكمة الجرائم المتعلقة بالإنترنت، إن غالبية البلدان لا تزال تعوّل على القوانين القديمة التي سبقت ولادة شبكة الانترنت. ولكن لكي تكون هذه الدول قادرة على محاربة جرائم الإنترنت يجب أن تقوم بما يلي:
- تحديث دوري للقوانين لتتلاءم مع التكنولوجيات الجديدة. على سبيل المثال، إن القوانين التي تنظم عمليات مزودي خدمات الإنترنت تحتاج إلى تحديث بشكل منتظم.
- التعاون فيما بينها لاعتماد معيار موحّد لمكافحة جرائم الفضاء الالكتروني لمنع المجرمين من استغلال البلدان التي لديها قوانين أقل صرامة لأنهم يميلون إلى ارتكاب الجرائم الإلكترونية في البلدان ذات القوانين الأقل تشددًا، حيث يجد المجرم أنه من الأسهل ارتكاب الجرائم الإلكترونية في هذه البلدان.
0 comments:
إرسال تعليق