في زحام الأيام وضجيج الحياة، يطل علينا شهر رجب كنسمة
رحمة في صحراء القلوب، وكجرس إنذار رقيق يوقظ الأرواح قبل أن تداهمها مواسم الطاعة
الكبرى. رجب ليس مجرد صفحة في التقويم، بل محطة تربوية ربانية، اختصّه الله
بالهيبة، وجعل له مكانة بين الأشهر الحُرم، فقال سبحانه:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾.
هو شهر الكف عن الظلم، ومراجعة النفس، وتخفيف الأثقال عن
القلوب قبل أن تدخل مضمار شعبان ثم ميدان رمضان.
في رجب نستحضر سيرة سدنا النبي صلى الله عليه وسلم، لا
بوصفها حكاية تُروى، بل منهج حياة يحتذى. كان سدنا النبى صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون حرصا على تزكية النفوس، وإحياء
القلوب بالغيب قبل أن يخاطب الجوارح بالفعل. وفي هذا الشهر كان يدعو بهذا الدعاء"اللهم
بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، وكأن الدعاء درس عملي بأن الاستعداد
للطاعة لا يكون فجأة، بل بسُلم من الوعى واليقظة والإنابة. رجب كان عنده شهر
تمهيد، لا موسم غفلة، وشهر إصلاح داخلى قبل أن يكون مظهرا خارجيا.
#يا_سادة؛ إذا ألقينا بنظرنا إلى مجتمعنا اليوم، وجدنا
الفجوة تتسع بين قدسية الزمن وسلوك الإنسان. ندرك حرمة الشهر، لكننا لا نحسن حرمة
الكلمة، ولا نكف أذى اللسان، ولا نراجع أنفسنا في ظلم اعتدناه أو قطيعة ألفناها. نطلب
البركة، ونصر على المعصية، نرجو الرحمة، ونقسو على بعضنا بعضا. وهنا تأتى رسالة
رجب التوعوية؛ أن العودة إلى الله لا تبدأ بكثرة الشعارات، بل بصدق النيات، وأن
تعظيم الأشهر لا يكون بالاحتفال، بل بالكف عن الخطأ، ورد الحقوق، وإحياء الضمير.
#فى_النهاية_بقى_أن_نقول؛ شهر رجب دعوة مفتوحة لتطهير
القلوب من الأحقاد، وتنقية العلاقات من الشوائب، وإعادة الاعتبار للروح في زمن
استهلكه الصخب والمظاهر. هو فرصة لنتعلم من سيرة سدنا النبى صلى الله عليه وسلم. إن
أعظم العبادة صلاح القلب، وأن أعظم القرب صدق التوبة. فمن أحسن استقبال رجب، سهل
عليه السير في شعبان، ووجد أبواب رمضان تفتح له دون عناء. إنه شهر الرسائل الخفية،
لمن أراد أن يسمع، وشهر الإنذار الرحيم، لمن أراد أن ينجو.

0 comments:
إرسال تعليق