• اخر الاخبار

    الجمعة، 26 ديسمبر 2025

    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن :بين نداء السماء وراحة الأرض..يقع فقه الواقع

     

     


    في الأزقة الضيقة، وقبيل انبلاج الفجر، يتسلل الصوت من مكبرات المساجد، يحمل آيات عذبة أو تواشيح قديمة، فيوقظ في القلوب ما نام، ويذكر الأرواح بأن للسماء حقا في هذا الضجيج الكوني.. غير أن المشهد لم يعد واحدا عند الجميع؛ فبين من يفتح قلبه للصوت، ومن يفتح هاتفه ليصور ويشكو، تتأرجح القضية بين روحانية مطلوبة وراحة مهدورة.

    من واقع الكتاب والسنة، لم يكن القرآن يوما مجرد صوت عال، بل رسالة سكينة. يقول الله تعالى "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

    فالرحمة هنا وليدة الاستماع لا الإزعاج، والإنصات لا الصخب. وكان سدنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب أو أوصى، راعى أحوال الناس، فلم يكن "هديه" تحميل النفوس ما لا تطيق، ولا إيقاظ المريض ولا قطع خيط المذاكرة عن طالب علم. بل قال صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".

    لا يمكن إنكار أن لآيات القرآن والتواشيح قبيل الفجر، وقبيل كل أذان، أثرا عظيما في تشكيل وجدان الطفل الصغير. ذلك الصوت الندى، إذا جاء رفيقا غير صاخب، يغرس في النفس الطمأنينة، ويعلم الأذن منذ نعومة أظفارها أن ترتبط بالذكر لا بالضجيج. الطفل الذي يستيقظ على القرآن، لا على الصراخ، يكبر وهو يرى الدين رحمة لا اقتحاما، وجمالا لا فرضا قاسيا.

    لكن في المقابل، هناك مريض يتقلب على فراشه، وشاب يسابق الوقت قبل امتحان، وامرأة أنهكها السهر. هؤلاء أيضا لهم حق. والدين الذي أمرنا برفع الأذان، هو ذاته الذي أوصانا بعدم الأذى، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". فكيف نطلب القرب من الله بإيذاء خلقه؟ وكيف نجعل من مكبر الصوت وسيلة دعوة، فإذا به يتحول عند البعض إلى سبب نفور؟

    وأعرب هنا إلى تصوير بعض الناس لهذه الظاهرة، فبرغم اختلافنا مع الأسلوب، ولكنه في جوهره صرخة بحث عن توازن مفقود، لا حربا على الدين كما يصوره البعض. فالقضية ليست قرآنا أو لا قرآن، بل كيف ومتى وبأي قدر.

    والحلول ليست بعيدة ولا معقدة منها:

    *ضبط مستوى صوت المكبرات الخارجية بحيث يسمع القريب لا يزعج البعيد.

    *الاكتفاء بالمكبر الداخلي للتلاوات الطويلة، وقصر الخارجي على الأذان فقط كما أوصت بذلك مؤسسات دينية عديدة.

    *اختيار توقيتات مناسبة للتواشيح قبيل الفجر، وبأصوات هادئة لا صادمة.

    *توعية القائمين على المساجد بأن حسن الأداء جزء من حسن الدعوة.

    *فتح باب الحوار المجتمعي بدلا من تبادل الاتهامات.

    #في_النهاية_بقى_أن_أقول ؛سيظل الأذان نداء السماء إلى الأرض، وسيبقى القرآن نورا لا جدال فيه. لكن النور حين يشتد أكثر من اللازم قد يؤذى العين، وحين يضبط يصبح هداية. وبين هذا وذاك، نحتاج فقها للواقع بقدر حاجتنا لنصوص نحفظها، حتى يبقى صوت المسجد رحمة تحتضن، لا شكوى تُصور.

     

     

    الخبر التالي
    هذا اخر خبر
    رسالة أقدم
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن :بين نداء السماء وراحة الأرض..يقع فقه الواقع Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top