النص// في جنازة الحب
حلمت....
بأنني أسير على الرصيف وحدي
على كتفي نعشي
كل حاجياتي، أمنياتي
وأنا أجهش باكيا ،
يشتد بي العويل
السحب سوداء قد حُملت ثقيلة
مررها قَدَري من خلالي الى ارض موت أسود
سألت عابراً للطريق
أَصادفت جنازة عابرة
محمولة من هنا؟
قال:
بلى....
أنها لرجل مات قبل يومه، يقال
قد قتله حبه
فوجدتني
، في بيت عزاء ،
كأنه بيتي القديم
أستقبل المعزين
أمد
ذراعي وأشير بأصابعي
مساحات خاوية
بقلب أسودت ندوبه
.. ما كان له أن يكون قلبي
لولا
امرأة أظلت طريقها إليه
هي بثوب حداد
مصنوع من
خيوط مدامع الليالي المظلمة
تلك الأيام
التي قضتها مع وطواط بشرى
أخذ على عاتقه الانتقام من كل ذي شرف مضيء
بعدما لطخته بعارها الرغبات الآثمة
وجعلت منه مصاصا للدماء المهدورة
سفكت
في مذابح الكرامة
القراءة//
السرد التعبيري سرد حكائي يحمل خصائص النثر،
يمتاز بتقنيات شعرية من مجازات، ورموز، وإيحاءات، ودلالات، وانزياحات، وظفها السارد
كمعادل موضوعي للسرد، وبقدر ما يحمله النص السردي من لغة ومعاني وصور وتراكيب ذات دلالة
إيحائية، فاللغة التعبيرية (لغة تتحدث عن المشاعر والعواطف والحالات الذهنية عن طريق
تكثيف اللغة وانزياحاتها)، فهي تحمل جمال السرد والتعبير والصورة والإختزال والتكثيف،
وهذا يستدعي وجود قارئ لديه المقدرة حتى يتمكن من فك شيفرات النص ومعرفة دلالاته التي
يوحي بها.
فكان نص الشاعر "حميد البهال" منفتح
على تقنيات سردية واضحة، تتسم بكثافة دلالية، وصورة شعرية تعبيرية، مصحوب بزخم لغوي
إيحائي شعرية ذات نزعة درامية.
اعتمد الشاعر "حميد البهال" في نصه (في جنازة الحب) على تقنيات السرد، والسير به نحو
الاتجاه الدرامي في تجسيد الحلم، من خلال استثمار طاقة السرد التصويرية في تشكيل النص،
والانفتاح على افاق جمالية فيه، ليقدم نصه بطريقة درامية، من خلال مزج السرد التعبيري
والتصوير الشعري، المليء بالرؤى العميقة، والإيحاءات الشعرية والكثافة الدلالية التي
تضفي عليه أبعاداً شعرية عميقة.
ولو أردنا ان نخضع حلم الشاعر "حميد البهال"
الى قواعد التحليل النفسي الفرويدية في تفسير الأحلام. وفق ما ذكرها "سيجموند فرويد" في كتابه (تفسير الأحلام)،
الذي عُد مذهباً في معرفة واكتشاف الأحلام المكنونة داخل النفس الإنسانية. الحلم حسب
"فرويد" حالة من الهذيان، وخليط من الأحاسيس والرؤى، القابعة في أعماق النفس
البشرية. الذي يرى في الحلم (استجابة نفسية لعامل فسيولوجي ليس إلا) وهناك من يراه
(تعبيراً عن اضطرابات سيكولوجية).
الشعراء لهم اهتمامهم الراسخ بالاحلام، فتراهم
يتكئون عليها، لان فضاء الاحلام فضاءً واسعاً، ويشكل لهم مهرباً من مواجهة واقع موضوعي
قاسي، جعلهم يهربون نحو عالم ذات ابعاد مألوفة. فهم يصيغون شعرهم بلغة الحلم، حتى يبقى
عالقاً في ذاكرتهم، لان الحلم بالنسبة لهم عمل فني، يتجاوز التفكير الواعي، حاله كحال
الشعر، فهو الوجه الانفعالي الذي يعبر عن الحالة النفسية العاطفية التي تنتاب الشاعر،
الذي يترك الأثر الانفعالي المباشر لدى المتلقي.
يمثل العنوان (في جنازة الحب) عتبة هامة لدخول
فضاء النص وعالمه، وهو بهذه الکيفية يصبح دالة سيميائية مرتبطة بالنص، فيبدو عنوان
النص بمثابة (علامات لسانية، تصدر وتعين، وتشير إلى المحتوى العام للنص)، "شعيب
حليفي، النص الموازي للروايه، استراتيجية العنوان، ص84".
شكل (الحلم) المحور الاساسي في النص الشعري بمجمله،
فهو العاطفة الذاتية المعبرة عن روح الشاعر وفكره، ومن خلاله تتضح رؤية الشاعر الشعرية،
التي هي نوع من التأمل الفلسفي أو الصوفي. أما لغة النص يمكن أن نضعها في مستويين،
بين الحلم والهذيان، فهي رحلة خيال مميزة، تكثر فيها تراكيب المنهج الفلسفي الوجودي
وتساؤلاته الذي يحملنا الى معنى مفتوح التأويل، معنى لا يشبه شيئاً سوى تفسير الأحلام،
فيحتم علينا التأمل في النص واستحضار دلالاته الرمزية، ومحدداته الشعرية التي قد تخضع
الى عملية (التحليل النفسي)، فثمة إشارات وعلامات يلتقطها القارئ، كمفاتيح لأبواب مغلقة
في النص، ينبغي أن نقرأ دلالاتها الرمزية وليس دلالاتها الصورية.
عند تناول هذا النص ليس (كل حلم قابل للتفسير)
كما يرى "فرويد"، بل ينبغي أن يكون تحليل للحلم وفك تشفير رموزه وتحليل عناصره
أولاً، وليس تفسيراً له.
النص الذي امامنا لا يخلو من صعوبة الفهم بسبب
ما يحيط به من تعقيدات فلسفية، قد تكون فيه الأحلام أداة أساسية في فهم وإضاءة للذات،
وكاشفة عن مشاكل نفسية ومخاوف ورغبات مكبوتة تظهر بأشكال رمزية.
فلا أريد في هذه القراءة ان أكون مفسراً لأحلام
الشاعر، بقدر ما أبحث في رموز حلمه وتأويلاته، لأن الشاعر يدور في فلك الصورة الخيالية
للنص، فهو بين عالمين (الواقع/الحلم).
يُختزل نص الشاعر "حميد البهال" (في
جنازة الحب) في صور وتراكيب مجازية، ذات وصف شكلي محسوس يبين براعة الشاعر السردية
في الوصف كأنك ترى ما يصفه وما تحسه، فهو يعيش واقعاً عنيفاً، يتم التعبير عنه في
(الحلم) الذي شكل الهيكل التأسيسي للنص، و (لازمة شعرية) مستدامة في متن النص.
فالشاعر "حميد البهال" شاعر مستيقظ
الوعي، يخترقه سيل جارف من المعاناة النفسية والوجدانية. يكاد أن يكون النص، بكائية
لإنسان فقد معنى وجوده، وصورة مأساوية للحب.
الحب شعور عاطفي شامل، له مستويات مختلفة ومتباينة،
لا يخضع للعقل ولا يلتزم بالمنطق، وطالما كان محور اهتمام الشعراء والكتاب والعلماء
والفلاسفة، وجميع هؤلاء يتفقون على هذا الوصف، فهو (قيمة وجودية كبرى)، كما قال عنه
"سارتر". يمثل مشاعر إنسانية معقدة ومتعددة، فلا يمكن أن نؤطره في إطار عقلي
أو عاطفي، فالحب (جواب على مشكلة الوجود الإنساني)، "إيريك فروم". والعاطفة
في النص لا تنفصل عن العاطفة العامة والمنسجمة مع وحدة الانتماء الإنساني، بمعناه العام.
جاءت سردية الحلم في نص الشاعر "حميد البهال"
على شكل مستويات ومنحى أنسيابياً داخل النص، بحيث يتنقل القارئ من مستوى الى اخر حتى
يبلغ الحلم ذروته، فقد اعتمد الشاعر الأسلوب التصويري من أجل تجاوز التشابه المألوف
في كتابة النص لأنه في لحظة حلم فكان إسلوب المقاطع المتسلسلة منسجم فنياً مع حالة
الحلم.
قد يكون الحلم معبر عن إشارة إلى مرحلة صعبة
يمر بها الشاعر. وفهم هذا الحلم بطرق مختلفة وحسب سياق ظروف الشاعر ومشاعره وتجاربه
الشخصية والعوامل المحيطة به، قد تكون له تفسيرات متعددة، طبقاً للرؤية الوجودية الشائعة
بين الذين يعانون من الحزن، والقلق، لان الأحلام امتداد لحياة اليقظة، ومعبرة عن وجود
الإنسان في عالمه واوهامه، هذه الاوهام هي (التي تجعل الحياة أمراً يمكن إحتماله،
لذلك يكره الناس الحقائق لأنها تبدد الأوهام وتضعهم أمام مرارة الواقع)، كما يقول
"كولن ولسون".
أتى النص كتلة واحدة، فيه سرد، ووحدة موضوع،
وايحاءات كثيرة، وأعطى مساحة واسعة لاستيعاب الحدث الدرامي. كذلك اعتمد الشاعر إسلوب
الوصف في تشكيل بنية النص، الذي يعد من اهم الركائز السردية، للتعبير عن الرؤية الدرامية
في النص بدلالاتها المتنوعة.
0 comments:
إرسال تعليق