سيبندية ملفوظ عراقي متداول منذ زمن طويل مع تحويل في المعنى الدلالي، الذي يشير الى الرجل السيء الاخلاق، الضال، التائه في الشوارع، العاطل الذي لا يسلم الناس من اذاه وشره،في مايعني باللغة الفصحى الرجل الذي دونما جذور واصول، هذه المجموعة من الناس منبوذة داخل المجتمع، لايتعامل معها ولايقبل بوجودها داخل النسيج الاجتماعي احداً، في الجنوب سيبندية كلمة كثيرة الاستخدام منها اداة النهي( يا رجل هذا سيبندي شلون تمشي وياه )، سيبندية عتبة نصية كاملة القصدية تثير اهتمام المتلقي وتساؤلاته مالذي يمكن ملاحقته داخل المسرودة فيما يخص هولاء المتجاهل لافعالهم وازمنتهم ، شوقي كريم ابن الريف الجنوبي بكل همومه وتناقضاته، كان اهتمامه الاول ولا اظنه الاخير تدوين سلوكيات شرائح ظل الادب يتجاهلها عن عمد وقصدية، او عن خوف في ولوج تلك العوالم التي تحتاج الى جرأة في سبر اغوارها،وهتك استار المسكوت عنه لهذاكانت مداخل روايات شوقي كريم النصية مثيرة للاستغراب والدهشة وملفتة للمتلقي الذي كثيراً مايكون غير عارف بماهيات هذه المكونات المدانة،و تنصب عنواناته الروائية تحديداًعلى هذا الشكل، هتلية / خوشيه / هباشون / شروكية / ثغيب / قنزه ونزة ... الخ وهي ليست غريبة على المتلقي كونه اعتاد ان يقرأ ما تقوم به هذه الشرائح في المجتمع العراقي من أفعال سواء كانت سيئة او غير سيئة من خلال صراعها في المجتمع .نجح الروائي شوقي كريم بتدوين تلك الشخصيات ومسمياتها وافعالهاوجذب الانتباه والتمتع بالقراءة مع فيض من الايحاءات والعبارات القصيرة المتنقلة ما بين سرد وكتابة وحوار وخاتمة مع حبكة الاحداث .
شوقي كريم يقول في حوارات التي اجريت معه(، أنه نباش تواريخ
أهله الفقراء، ومعلن حضاراتهم وانسانيتهم،
الفقراء الذين انتمي اليهم صناع الحياة ولذا رحت انبش في عمق تلك الحيوات، كاشفاً
عن المستور عنها، وسأظل ملتصقاً بهمومهم(، ويضيف عن السيبندية، (اكتشاف القاع
السياسي التافه وما الت اليه حياة الانسان الذي يشكل لدى ساسة البلاد واحزابها
رقماً.) تدخل سيبندية داخل احداث كونت التاريخ الملوث بالدم حيث مقتل الملك الشاب
فيصل الثاني وعائلته في مجزة يندى لها جبين الانسانية،ومن ثم مقتل الزعيم عبد
الكريم قاسم الذي كان وحشياً بكل مافي الكلمة من معاني.
تخاطب الجدة التي جعلت من صندوقها ارثاً مقدساً لاتسمح
لاحد فتحه او الاقتراب منه لان فيه ما يخص الزعيم وزمنه.
( وتناوشت جبينه بسيول هرمة من القبل الفياضة بالتقديس،
هامسة بحزن .
ــ الم اقل لك حاذر، تركتنا نصارع اليتم ... طيبتك رمت
بك وبنا الى التهلكة.. ما عسانا نفعل ووحوش الموت بدأت تملأ الطرقات.. الم اقل لك
ان الحذر غلب القدر )
قبل موت الجدة القاسمية، اوصت كرومي ان لا يفرط بصندوقها العجيب الحاوي على ازمنة اسرارها التي
ما باحت بها لاحد .
الحبوبة التي اطلق عليها الحبوبة القاسمية، تمثل الشريحة
الكبيرة المحبة للزعيم عبد الكريم قاسم، استطاع الروائي شوقي كريم ان يجسد تلك
الايام وذلك الحب من الناس بكلام غاية بالروعة، عندما تسأل الحبوبة عن خبر الزعيم،
تقول —انه حي، واذا ميت دلني على قبره!!
، هذه الكلمات قمة الوفاء للزعيم .قالت الحبوبة القاسمية
قبل موتها :
( —- كرومي
دنيانا بدأت بالزعيم وتنتهي به، ان لم يعد اخبر اصحاب كتبك هذه ان يحرقوها
او احرقها انت .. الفقير الذي لا يقرأ كتباً لا تتحدث عنه، ناكر الجميل وخائن عهد !!)
(وقفت العجوز التي نسميها ( حبوبتنا) المثقلة بالهموم
المجللة بثياب سود لم ارى تغيرها منذ مقتل الزعيم، اخذت بهجمتها تتأمل صورة ( ابن
كيفية ) كما تسميه، متفاخرة، ذارفة بقايا احزانها المتلاحقة، الدامعة الى التأمل،
اخذت الصورة الى صدرها، متوقعة ان ما حدث أخفى الزعيم الى الابد، قبلت بدلته العسكرية
)
بعد موت الحبوبة القاسمية، عمة كرومي تطالب بالإرث، ضانة
انها تركت ذهباً واشياء ثمينة في الصندوق الذي امنته الحبوبة عند كرومي .
اعتداء سافر على بعض العوائل، الروائي شوقي كريم رسم
المعاناة بالكلام والاحرف ( طرقات سريعة متتالية للباب .. تلك الاكف التي تجلد
الباب بسياط ارتباكها مصحوبة بصياح صوت ثمل أجش .. افتحي الباب .. نعرف انك تخفين
منشورات ممنوعة، لم يبق امامك غير دقائق .. بعدها نكسر الباب عنوة .. شيوعية تافهة.)
كلام مصحوب بكلمات اغنية ام كلثوم ( انا وانت ظلمنه الحب
بادينه )
شخص اسمه سلمان بن الحفافة كان يحبها لكنها تكرهه، لا
تطيقه، الوقت تغير واستلمت هذه الشخصيات القميئة السلطة, سلاح من جمال عبد الناصر،
رشاشات بور سعيد، سلمان يهذي ويهدد ذاكراً موقف الزعيم عبد الكريم عندما عفى عن
الشخص الذي اراد قتله عبد السلام محمد عارف بعبارة ( عفا الله عما سلف )
( ــ عن اي سلف يعفو كرومي .. وكل يوم لديهم سلف، رصاصهم
عرف قيمتك، فهرب .. ماذا عن المرة الثانية، رعاك رب العباد، دون استجابة لهاتف
يطالب الرب برعايتك !!)، كلمات بالعامية سب وغلط على كل شخص يطال توبيخه وعلى
الشيوعيين ومدح جمال عبد الناصر ( ابو خالد )وعارف ومدح الحرس القومي، سلمان ابن
الحفافة كلما يشرب الخمر المغشوش يأتي الى فائزة ويطرق الباب عليها وهي لم تستجيب
له تكرهه، يتغزل بها ويطالبها بالصداقة لأنه يحبها لكن من طرف واحد .
( ليتني اقدر على النسيان .. لكن هذا الاغبر الذي يسمونه
قلبا يهتف ليل ونهار، احبها .. احبها .. احبها )
يتجاذبون الحديث عن الكلام البذيء حوار عن الامهات
وعشقها والقوادة والكلام الذي يفتقر الى الادب والسلوك، لانهم اولاد شوارع يشربون
العرق المغشوش ويحملون رشاشة بور سعيد التي جلبها جمال عبد الناصر الى العراق
لمحاربة الاكراد، وانه سوف يعلن الوحدة القومية بين الدول العربية، والانتقاص من
الشيوعيين .قالوا عن الاسلوب هو بصمة الكاتب كل واحد لا يشبه آخر الا اذا كان
مقلداً، اجد ان الروائي شوقي كريم في رواياته سيبندية / هتلية / قنزه ونزة ،وغيرها
له تجربته الخاصة وهو يشبه نفسه ليس مقلدا لاحد، تاركاً الناس البسطاء تتكلمون لغتهم ولهجاتهم ومستواها
الثقافي مما اكسبها منطقية وواقعية وصدق في الافعال، متناسقة ومتسلسلة، هذا ما جعل
الاحداث متماسكة تمنح المتلقي فرصة متابعة ما كتب الى النهاية بنكهة سردية رائعة .
الدكتورة نادية علمت بوفاة امها ( علياء ربيع )طبيبة
الامراض المزمنة، نادية لا تعرف ان امها عضواً بارزا في القيادة الشيوعية والتي
قتلت بحادث غامض .. منعت الجهات التحقيقية اقامة مجلس العزاء.
صاح ابن الحفافة :
( ـ لا نريد الشيوعية في محلتنا .. هي كفر والحاد، قدموا
البراءة من الدم الاحمر نريدها قومية ناصرية، اسمعتم.. عبد الناصر حبيب الجماهير
وحلم عروبتنا المحتاجة الى الوحدة !!)
اعتقالات وغلط وسب من قبل الحرس القومي امثال سلمان ابن
الحفافة، وعدنان السطل على شخصية الشاب وهو حفيد الجدة ويحمل اسم الزعيم تباهياً (عبد
الكريم، )يصرخ بوجهه ( اهلك ما وجدوا غير هذا الاسم انت من جماعة ماكو مهر بس هل
الشهر، ونزيهة بالت على الجسر وتمزلك المهداوي
) .
يمارس شوقي كريم لعبة التذكر والنسيان في تشكيل روايته سيبندية، وصوغ عوالمها المختلفة
والمتنوعة والمترادفة مع بعضها والمتداخلة، تجعل المتلقي يعيش احداثها وخصوصاً ابن
الجنوب وكأنه عاشها سابقاً ولا زال يعيشها، تختلف عما يقرأ من الروايات العراقية
كونها اغلب سردها بما يسميه شوقي كريم(اللغة العراقية) والتي جعلت السرد يحمل نكهة
النشوة، خصوصاً احدثها التي بدأت في زمن عبد الكريم قاسم وحب الناس له، سرد جميل
ومؤلم للجدة القاسمية والتي تحمل صندوق ذكريات عن هذه الحقبة التي حدثت فيها
صراعات سياسية بعد مقتل الزعيم عبد الكريم ومجيء الحرس القومي، حيث تتوالد في نسيج
من الحكايات المتنوعة تجسد الواقع آنذاك .
اخيرا
الحوار في رواية سيبندية، يبعث فيها الحركة والنشاط، كما
برع الروائي شوقي كريم في تحريك شخوصه ببراعة ومرونة فائقة، مستخدماً اللهجة
العامية بالسب والتهور والتي اضافت الجودة الفنية الفائقة كونه ابن الجنوب، ملم
بكل التفاصيل الحافلة بالتعابير الشعبية والتي يتداولها الناس الاشرار والناس
البسطاء على نوعين من السرد، جعلها حافلة بالتعابير والمواقف وكذلك لجأ شوقي كريم
على التقطيع الزمني والذي ينساب في الرواية اكثر من القصة.
( جلست (نادية حسان) التي نسميها حبوبتنا رغم رفضها
المليء بالعناد على تسمية تشعرها بالكبر، ناظرة دفتر ناله الاصفرار، شديدة الحرص،
على ان لا يلمسه سواها قائلة :ــ كل الحروب التي عشناها وتعيشونها ما هي الا عقاب
اللحظة الوقحة التي غسلت جسد الملك الشاب بخيباتها المتواصلة حتى الساعة، سلسلة من
القتلة الذين لا تهدأ ارواحهم ولا تستكين الا برؤية الدم .. الصندوق مليء
بالذكريات كل ما اطلب ان تحافظوا عليه وتقديس هيبته، ان به السر الاعظم الذي لابد للأيام من كشفه وهتك خفاياه ) .
لم تنته الرواية
بانتهاء فترة الحرس القومي على ما اظن من خلال السرد بل ظلت مفتوحة على قراءات مسكوت عنها اخرى تشكل الحلقة
الاتصالية المستمرة يقول شوقي كريم من
السطر الاخير الذي كتبه موضحاً لمتلقيه انه دخل وكر عوالم شديدة القتامة تحتاج الى
فضح اخر —-
( الحكاية لم تنتهي بعد.... ربما ساجد طريقة البحث بين
خفاياها مرة ثانية )
رغم معرفة المتلقي ماهو قادم من الاحداث من حيث ماهو
شائع شفاهي عام، الا انه يظل متطلعاً
الى امكنة وازمنة اخرى تكمل سلسلة السرد الذي جردة شوقي
كريم عن تاريخيته وجعله واقعاً مؤثراً
تعرفنا اليه و تعرف الينا،،
سيبندية شوقي كريم،،مغايرة اسلوبية وبنائية في السردية العراقية وهو مهوس بتقديم ماهو جديد
ومختلف.
0 comments:
إرسال تعليق