تكتسي دراسة
النتاج الأدبي من شعر وسرد وأدب رحلة للكاتبة الأديبة سناء شعلان, الكتاب للأديب
عباس داخل كتبه بنكهة لغوية ممتعة تنساب رقراقة بكل رشاقة وعذوبة فتستقر في وجدان
القارئ بأريحية وإمتاع. ويمكن القول إن هذه القراءات النقدية هي كشف في مضمون
وأسلوب هذا السفر الخالد للكاتبة، حيث تنتمي بكل جدارة إلى تقنيات فنية من السيرة
الذاتية والمحطات الشخصية التي تعكس تجربة حياتية للكاتبة بكل ما فيها من معاناة
الكتابة ، وجهود فكرية.
منذ المصافحة
الأولى لغلاف “الكثافة الشعرية تداخل السرد في أدب سناء شعلان" يجد القارئ نفسه
أمام صورة الكاتبة وجها لوجه. صورة الغلاف ربما اتخذها المصمم عنصراً بصرياً
تصويرياً لتهيئة القارئ فكرياً للولوج إلى حياة الكاتبة الخاصة وأدبها الثر. حيث
لا يمكن فصل التصميم الفني لغلاف الكتاب عن متنها الموضوعي وفضاءها المكاني، كونها
مواطنة ورحالة أردنية وأستاذة جامعية وقد اقترن الدرس الأكاديمي بمظاهر همها
الفكري وتوطين رسالتها الإبداعية في المتلقي، ولذلك يظهرُ الغلافُ زاخراً باللون
والصورة الشخصية التي تعكس الزي العربي: تراث الأردن الشفيق.
إذن ومن خلال
القراءة السّيميائية لكلّ هذه المعالم للكتاب تظهر بشكل جلي دلالات مضامين الكتاب،
استطاع الكاتب عباس داخل قراءة قصص وروايات ومسرودات الأديبة والرحلات للكاتبة ومن
خلال الثقافة واللغة التي كتبت بها من أبعاد جمالية وفكرية ، ببراعة العارف في
مشغله النقدي والتي استنطقت الكثير من المهارات في فصول كتابه. ناقلاً فكر الأديبة
وذكرياتها وبعضاً من سيرتها الذاتية بكل براعة وإتقان من التشويق، والآلية المرنة
التي تمنحه القدرة على التشابك مع ما سبقها وما يتلوها من فصول الكتاب المتنوعة.
الكتاب قراءة
واعية بكل تفاصيلها جعلها الكاتب واحة معرفة للتفاعل الحسي والوجداني مع ما تكتنزه
الكاتبة من كتلة الإحساس بعبق أنفاسها المتدفقة في أرجاء نتاجاتها الواسعة
المتنوعة ومشوقة تحمل كماً هائلاً من الحب و الحنين والنوستالجيا لماض يهيمن
ويسيطر على أعماق تلك الإصدارات الأديبة، من صور ما زالت حية ونابضة بالذكريات. في
أدق تفاصيل حياتها، وهي مرحلة شعورية تمنح نصوصها خاصية القدرة على الإبداع
والجمال.
أخيراً أقول
تميز الكتاب بعبارات الشعرية وبسلاسة ووضوح المفردة اللغوية وتركيبات جملها
وفقراتها متماسكة المضمون ورشيقة الأسلوب، حيث زخرت اللغة السردية بتراقص المفردات
والعبارات المفعمة بروح واثقة تملك ذاتها . بمعنى انه كتب بسيمفونية لغوية واضحة
كخيوط الشمس، وبسيطة خالية من أيّ غموض أو رمزية، وهي تعكس ثراء قاموس الكاتب،
وشاعريته المرهفة، ومقدرته على توظيف مخزونه المعجمي بكل مهارة في صياغة جميلة
مفعمة بالتشويق والإمتاع. كما تبرز مهارته في إضفاء أجواء بهيجة على التعليق على
النصوص المسرودة، وتقريب المعنى بصورة أدق، سواء خلال الوصف أو الشرح أو الحوارات
لخلق فضاء زاخر بالتفاعل لإكمال الصورة الفنية العامة للكاتب.
بوضوح
وحميمية ودفء مفرداته التي استطاع الكاتب توظيفها للغايات الرئيسية للحوار وهي خلق
المزيد من الجاذبية، تحمل تشويقاً متزايداً وكشف جوانب إضافية حول علاقة الكاتبة
بأدبها. ونلاحظ أن الكتاب قد جاء ثرياً متضمناً عدة أوجه فكرية وعناصر فنية
متنوعة، نجده في خاتمته يستحضر جنساً فنياً آخر يجعله يتعالق معه بكل اندماج
وانسجام وهو أدب الرحلة المواكب لسياقات الرحلات البلدان مختلفة كشفت تلك الحيوان
من أحاسيس ومشاعر الكاتبة . هذا الهاجس هو استمرارية هيمنة الحب بكل معانيه على
وجدان الكاتبة والذي نلمسه من خلال حميمية الكتابة، مما يؤكد أن الجانب الحسي
والوجداني والاجتماعي للكاتبة لم يغادرها أبداً، بل ظل يتفاعل متجذراً في وجدانها
ومسكوناً بالحنين وقد كتبت بروح مفعمة بالود والشفافية الطافحة بالمحبة، والمكتسية
زخارف بلاغية عديدة كالوصف ، والاسترجاع ، ونبش الذكريات البلدان التي زيارتها
والتي تداخلت في السرد والشعر جماليات الأمكنة بشكل واضح.
إنَّ كلَّ هذه
التعالقات الأدبية والأساليب الفنية المتنوعة تعكس جانبين مهمين أولهما تعدد مناهل
الكاتبة وتنوعها واتساع مطالعاتها، وثراء فكرها وقاموسها اللغوي بصنوفٍ من قراءاتِ
الشعر والأدب.
ثانياً
براعتها في توظيف تلك الذخيرة المتنوعة في ارتباطات فنية مختلفة تتقاطع مع نصها
الإبداعي، والتي ظهرت في مواطن متعددة سواء أثناء السرد أو الوصف ، وهو ما يبرز
قدراتها ومهاراتها في نسج تلك الخيوط لرسم لوحة أديبة زاخرة بالجماليات وكذلك
المضمون الإنساني المعبّر عن تجربة حياتية بها الكثير من المحطات والتجارب
والمعاناة.
الكتاب جمع
بين الثنائية السيرة الذاتية للكاتبة وعملها الأدبي في الكثير من المحطات، هو
إنتاج عمل إبداعي نال رضا واستحسان القارئ-الناقد معاً.
أظهر الكاتب
براعة في إنتاجه الجديد استحضارا متميزا للكاتبة متحصناً بزادها الإنساني الوفير،
وبما يحمله بين طيات قلبها من أنهار محبة للجميع، وطيبة ورفعة خلقية، وعشق لا
يتوقف بكل أشكاله ودلالاته، وهذا –دون شك- يؤكد لنا خصلة من خصال الكاتبة السامية،
تمكن الكاتب من القبض عليها وتسجيلها في كتابه هذا جمله بكل صنوف المتعة الإدهاش
والفائدة الأدبية.
0 comments:
إرسال تعليق