لا أزال أذكر أجمل الذكر، المرة الأولى التى رأيت فيها
جمال عبد الناصر. كان ذلك فى عام المأساة الكبرى فى تاريخ الأمة العربية. مأساة
فلسطين. سنة ١٩٤٨. حين هبت مصر للذود عن الأرض السليبة. وذهب الجيش إلى هناك وكان
على أبواب النصر لولا أن دبرت له الدول الكبرى المؤامرة التى انتهت بخدعة الهدنة
الأولى ثم الثانية. فانقلب النصر إلى هزيمة وحوصر أبناؤنا فى الفالوجة حصاراً
قاسياً مريراً. أبدوا خلاله ألواناً أسطورية من البطولات فى الصمود فى وجه العدو. كانت
مثار إعجاب العالم.
كنت أتتبع أنباء إخوتى وأبنائى أبطال الفالوجة يوماً
بيوم. وساعة بساعة. وقلبى معهم. يخفق لهم فى كل لحظة. ويضرع إلى الله أن يؤيدهم فى
صمودهم العظيم إلى أن يردهم إلينا سالمين. واستجاب الله الدعاء. وعاد أبطال
الفالوجة إلى القاهرة وعلى رأسهم قائدهم البطل المرحوم السيد طه الذى اشتهر يومئذ
باسم الضبع الأسود.
ودعوتهم جميعاً
جنوداً وضباطاً إلى حفلة شاى فى
بيتى. ووجهت الدعوة كذلك إلى وزير الحربية فى ذلك الحين. الذى اتصل بى معتذراً عن
عدم إستطاعته تلبية الدعوة. وأضاف أنه لا يرى ضرورة لدعوة الضباط والجنود أيضاً.
وأستغربت منطقه وقلت له:
لقد وجهت إليهم
الدعوة وإنتهيت. وسأكون سعيدة بهذا اللقاء بهم. فإذا شرفتنا بالحضور فأهلاً وسهلاً.
وإذا لم تستطع فهذا شأنك.
***
اللقاء الأول
وجاء الأبطال إلى بيتى، وأستقبلتهم بدموع المصرية الفخور
بأبناء مصر. وجلست بينهم وأنا أشعر أنهم أسرتى. صميم أسرتى. إخوتى وأبنائى. وأذكر
أننى أقمت لهم فى حديقة البيت محطة إذاعة صغيرة تذيع عليهم ما يطلبون من أغنياتى. وقدم
لى الضبع الأسود ضباطه وجنوده واحداً واحداً. وحدثنى عن أصحاب البطولات الكبيرة
منهم. وكان فى مقدمة أصحاب هذه البطولات الضابط الشاب. جمال عبد الناصر.
وشددت على يده وأنا أصافحه. وأتأمل ما يتألق فى عينيه من
بريق الوطنية وحدة العزم وعمق الإيمان. وكان هذا هو أول لقاء لى بالبطل قبل أن
يلعب دوره التاريخى فى حياة مصر بأربع سنوات.
0 comments:
إرسال تعليق