كنت فى سبات عميق و ذكريات ما رواه صديقى عن مجلسه
بصورها المتناقضة و كلماتها الحائرة تتطاردنى جلست اليه فبدا حديثه من حيث شاء كعادته
التى ألفتها بمرور الأيام و تعاقب السنين فهو يتحدث و كأنه يطرح ما كان يلح عليه و
يطارده حتى يتمكن من مراجعته و اعمال العقل فيه و كأنه يدعو من يستمع اليه أن
يشاركه ألا يكون منه بمنزلة المتفرج بل ربما يتصور مستمع اليه أنه يطلب منه العون
أو انه يرفعه الى منزلة قاض بعيد عن دائرة الاحداث معصوب العينين الا عن الحقيقة و
لا يقاسمه فى درجة انفعاله بما يعرض فكذلك هو –صديقى -حين يتحدث . فقال دون سابقة
تمهيد انطلاقنا عقب صلاة الجمعة و كنت برفقتهما قد جمعتنى بهم الصدفة على ما
بينهما من المتناقضات التى ربما تكاد تكون
كما بين الليل و النهار فأحدهما خالى يفرط فى التفاؤل أو الاستهتار بالعواقب و
الأخر صديقة يسرف فى التشاؤم تضخيم التبعات فما من صفة هنا الا و تناقضها أخرى
هناك الا المال فهم يجمعان عليه كقيمة و هدف ان اختلف كل منها فى تفسيره لما يجب
أن يكون عليه و السبيل الى جمعه فيما يبدو فلا ثمة شىء أبقى على هذه العلاقة سوى
العشرة التى يبدو أنها على لا تهون كالمثل القائل الا على ابن ..............
على أية حال
انتهى بنا المجلس على ضفة فرع النيل على أطراف القرية حيث تقل حركة المارة يتوفر
شىء من الهدوء لجلستهما الاسبوعية افتتح خالى الحديث بقوله انه كان الأسبوع الماضى
فى زيارة صديق قديم ومشترك لهما قائلا : كنت عند أحمد يا اسماعيل بتاع دموه -هى
احدى القرى القريبة لنا-و الولد دا بيشكك فى الدين جلبية الدين عنده مشقوقه . فقاطعه اسماعيل بصوته
الخفيض فى غير حدة بضحكة قصيرة محتجا باشارة من يده قائلا اسمع بس هو انت يعنى اللى جلبية الدين عندك سليمة هو محتاج حد يكون لديه حجة و علم ليجادله . فينهى
بقوله هذا الحوار قبل أن يمتد الى أكثر من اللازم على الرغم من أن خالى ينظر اليه
و لا زالت على وجهه نظرته الباسمة الساخرة و لكنه يغير مجرى الحديث ما أن ينتهى
مجلسنا و نحن فى طريق العودة حتى يبادر مرة أخرى بالحديث عن صديقهما قائلا و
اليومين دول عاد ماسك حكاية الأعمار يا اسماعيل
اسماعيل مستفهما ازاى ؟
-يعنى بيقول مدحت زملينا مش هيعمر أكتر من خمس سنوات و
بطريقته الساخرة علم الكلام اللى دا يا جدع محاكيا لهجة صديقهما التى بطبيعة الحال
تختلف عنا حيث تميل تلك القرية الى الاطالة فى الحديث .
- الأعمار بيد الله
- بس هو برضه بيكلم بمنطق يعنى فعلا شوف مدحت الشكل
العام بيقول ان صحته فى تدهور و انه مش هيعمر
-الله أعلم
ترتسم على وجهه علامات ابتساماته الساخرة مرة أخرى و
يقول اذا كان هو بيقول عليك ان المتر مش هيعمر
بالكتير أوى قدامه عشر سنين
فيرد عليه فى تأفف واضح و قد قطب جبينه :يقول اللى هو
عاوز يقول له .
********************
2
بينما نسير بخطوات متهملة و قد خيم السكون على القرية و
قلة الحركة و شرعت المحلات فى الاغلاق يبدو كمن تذكر شىء فيحدثنى متسائلا بس ايه
رايك فى كلام أحمد بتاع دموه عن الأعمار ؟ فكره ؟
-اه طبعا اللى أنت و الأستاذ اسماعيل كنت بتكلموا عليه
يوم الجمعة الفات .
- اه هو دا
-أنا أعتقد لو ربطت كلامه بظروفه الصحية هتقدر تفسره
-ازاى
-يعنى هو رجل الله يعافيه بيقوم بالغسيل كلوى هو شىء
مرهق فطبيعى ان الانسان فى منحة المرض يتجه تفكيره لمسألة الموت و الحياة تصبح أمرا
ملحا عليه و على تفكيره
-اه هو فعلا بيتكلم كلام كتير شبه ده يعنى ساعات كتير
يقول أنا مراتى ممكن تتجوز بعد وفاتى و بس
أنا خاف على العيال هيعملوا ايه و كلام من ده ثم يشير بيده بما يفيد الاستطراد فى
ذلك .
-طبيعى لأى حد فى ظروف فانه يفكر بالطريقة دى .
-بس كلامه عن الأعمار منطقى برضه و لا كلام فارغ
-الأعمار بيد الله كم من مريض عاش أبدا من الدهر كم من
صحيح مات بدون علة
-بس المتر شال المهم من كلام أحمد ان هو مش هيعمر و يغرق
فى الضحك يختم به حديثه هذا و غير مجراه
الى شأن أخر .
****
3
فى مكان عمله وسط ضجيج الألات التى تنتج الجوارب كنا
بمجلسنا على أريكه يتركها دائما لضيوفه و يجلس هو كعادته على كرسي بلاستيك الصنع
يتابع حركة ماكينات بدا حديثه فى تلك الليلة قائلا أحمد بتاع دموه بيقول لى هو ربنا هستفيد ايه
لما يعذبنا هو فى أب يموت أولاده علشان
أخطئوا
-الأستاذ اسماعيل رد عليك قبل كده و قل لك انه عاوز حد
عنده علم يرده و يجادله . و فهز رأسه ثم صمت برهة و ثم انتقل بكلماته الى شان أخر
.
و ما نتهت تلك الجلسة التى يعدها صديقى جلسة ترفية بعد
يوم عمل طويل حتى انصرف ليقضى بعض الوقت فى
التمشية فى أرجاء القرية مراجعا و مستذكرا
حواره مع خاله عن صديقه أحمد و ما يردد من أفكاره التى نقلها اليه فى شكل تساؤل لتثير
جملة من التساؤلات أخرى بداخله فلماذا لم أحاوره أو أجادله فيتذكر علامات السخرية
التى ارتسمت على وجه أن الموقف كله كان مختلفا فقد سبق و أن أجبه عن كيف يمكن لعالم الفيزياء شهير كستيفن هوكيج أن يتوفى ملحدا بأننا لو تكلمنا بلغة العلم فأولا
ان العالم الحق لا يتكلم الا فما يعلم بما انه عالم فيزياء فكلامه عن الدين مردود
عليه او على الأقل هو محل أخذ و رد
ثانيا ان حقائق العلم نفسها نسبية فمن أشهر الأمثل على
ذلك هو ما يعرف أصغر طالب علم من أن هناك ما يسمى بالتيار الاصطلاحى حيث كان يعتقد
العلماء أن التيار الكهربائى يسير من القطب الموجب الى القطب السالب و ثبت بعد ذلك
أن العكس هو الصحيح تماما رغم ذلك ظلت الأجهزة التى صممت على هذا التصور الخاطء تعمل
بكفاءة حتى الان . أن كل ما استطاع العلم الحديث أن يجيب عنه هو سؤال ( ماذا ) و
لكنه لم يستطيع أن يجيب عن ( كيف أو لماذا ) فمثلا ان الماء لا يتجمد عن درجة سالب
أربعة سليزس و لكنه لا يخبرنا لماذا أو
كيف و لا نجد غير تفسير منطقى انها ارادة الله حتى تظل الكائنات البحرية حية تحت
طبقات الجليد التى تطفو على سطح الأنهار و البحيرات .حتى انه عند تلك الحظة قال
أتذكر أن شاهدت يوما برنامجا وثائيقا عن انشتاين كان يجزم باستحالة تفتيت الذرة هو
ما تكمن منه العلماء فيما بعد بل ان تصوره هذا كان دافعا لغيره هو ما تحقق اليوم و
صارنا نعيش فى عهد الذرة أو تفيتها .علق صديقى أيضا قائلا أتذكر انى قرأت يوما
فيما قرأت نجيب محفوظ تأثره بفكرة روجها العلم فى عصره و هى استحالة انعدام الزمن
قد ربطها الأديب فى احدى روايتها بما يحدثنا الدين به عن حياة البرزخ و تلاشى
الزمن و قيام الساعة و كأن العلم كان يهدم ما يقوله الدين فى هذا الشأن و لكننا اليوم
نجد عالم كالدكتور أحمد زويل يحدثنا كيف
يعطى العالم اليوم اهتماما شديدا لفكرة no time أى انعدام الزمن أن هذه القضية باتت من القضايا
المحسومة علميا . كما أضاف فى موضع أخر انه كعالم لا يجد تناقض بين العلم و الدين
و هناك الكثير من العلماء من هم على درجة عالية من التدين كنيوتن ان القضية برمتها
مفتلعة أكثر منها حقيقية و نقل صديقى اليه هذا القول معقبا عليه بأن كثير من
الأباء و المؤرخين يجدون أن تلك القضية عرفها الغرب و ذاق مرارتها نتيجة تسلط
الكنسية على الحياة فى أوربا عبر عصورها الوسطى أما الاسلام فعلى النقيض من ذلك أن
الغرب عندما جاء الينا جاء كما يات كل قادم و هو يحمل ميراث تجربته . انهى يومها
النقاش بقوله انه ابتاع من الشركة اليابانية بعض الماكنيات لازالت تمثل قدر التكنولوجيا
الهائلة و المتقدمة و اذا به يكتشف أن صاحب الشركة يعبد الثعلب هذا الحيوان !
و لكن عاودته الابتسامة و
الملامح الساخرة لتذكر صديقى أنها كانت نفس الجواب الذى انهى به نقاشا أخر كان قد
دار بينهما ففى يوم كان يتبادلنا أطراف الحديث حول كتب التنمية البشرية التى عكف
على قرأتها فى الفترة الأخيرة بل متابعت محاضراتها عبر شيكة الا نترنت حتى أنه قد
دفع بكتابين منها الى صديقى لقرأتهما و أبدى له رأيه قائلا لقد قرأت الكثير من كتب
التنمية البشرية و لكنها ليست علما على حال من الأحوال فالعلم نتائجه حقيقية قابلة
للتعميم و مجردة فى ذاتها
أما التنمية البشرية فشىء أخر .
-
كيف ؟
-
أعتقد انها يمكن تشابها
بثقافة ( تيك أوى ) سريعة و سهلة حيث يستخلص المؤلف ما يتسخلصه و يعرضه بأسلوبه يغلفه
بالأمل و بث روح الطموح و المثابرة و التجربة و عدم الاستكانة و مداعبة الخيال أن
ذلك كفيل بأننا يجمعنا سوف نصبح فى وقت وجيز أثرياء و مشهورن و ناجحون و فعالون
و.....فهى هنا تغرى بالنموذج أما الاسلام كثقافة –هو جائز كثفة حتى الغير المسلم - فهو يغرى
بالنموذج و لا يتجاهل الواقع .للأمانة فان القليل منها هو ما يتسم بالدقة و
الموضوعية
فارستمت على وجهه بعض علامات عدم الاقتناع فسعى صديقى ليبرر وجهه نظره
-انهم يردون أن يخروجوا من بعض التجارب بنقاط محددة يجوز تعميمها و هذا قد
يكون مستحيلا
-كيف ؟
- على سبيل المثال لو اخذنا الحاج محسن عبد الوافى مثالا هذا رجل يحتذى به
فى مجال علمك كصاحب أكبر مصنع للملابس و حجم راس ماله و كما أنه من الشخيصات التى
يعرفها الجميع جيدا و نحن على الأقل بحكم قربنا منه فى فترة من الفترات .
-ما له ؟
- لو نظرة الى حياة مع بساطة الشخصية و قلة الحظ من التعليم و هذا الجرأة
التى يحسد عليها فى ادارة عمله و توسعه فيه الذى يفوق امكانياته .
مقاطعا على الفكرة بتوع التنمية البشرية بيقول ان دا من أسرار النجاح
-و ليكن ما يقولونه و لكن كيف تأتى لرجل مثل هذا أن ينهض من عثرته و قت أن
أل أمره كله أن أصبحت الديون تطارده و أقر لك أنت أحد أصدقاء هو موظف عنده أنه
أنفق فى عام واحد فى غضون تلك الأزمة ما تجاوز المليون جنيه رسوم قضائية فقط .
-لأنه واجه أزمته و لم يهرب كغيره
-أتدرى ماذا كان دافعا الأ يهرب
-ايه ؟
- دافعا هى تلك القوة الكامنة بداخله من تدين فطرى ارتكان حقيقى الى الله و
يشهد على ذلك توسعه فى أعماله الخيرية سواء قبل أزمته أو بعدها كأنه كان يقول
بلسان الحال " كلا ان معى ربى سيهدنى "
هنا ترسم الابتسامة الساخرة على وجهه مرة أخرى و كأنه يبدى اعترض يستطيع أن
يجمع هذا المال و يسثمره لانه فقط بداخله يؤمن بربه هذا الايمان .
يدرك صديقى ما يدور فى ذهنه و فيبادر اليه بالقول على ما يبدو أنه قضية
القوة الكامنة هذه لا تقنع و لكن لدى قول بسيط فقد ذكر أحد جنرالات الجيش الصين فى
احدى محاضراته سائلا طلاب الكليات العسكرية هناك أتدرون ما هو سر قوة الصين ؟
فأجاب ان سر قوة الصين ليس فى العلم و لا التكنولوجيا المتقدمة و لا فى
الجيش بعتاده أو سلاحه بل ان سر قوتنا و قوانا الكامنة تكمن فى امتلاك الصين مساحة
شاسعة من الأرض و أنها تمكنت فى خلال مائتى عام من مدج جميع الأقليات فمن لم يكن
مثلنا قتلنه أو عذبناه حتى يكون مثلنا فالجميع هنا صنيون و فقط .
*****
4
فى نفس لمكان الذى اعتاد به الجلوس وسط ضجيج الالات و ما أن انتهى بصديقى
المجلس حتى بادره بقوله اسماعيل كان هنا و بعدين كنا قعدين بنتكلم عن أحمد بتاع
دموه و بيقول ان مفيش لا جنة و لا نار و لا حساب و لا أخرة .
و لقيت المتر بيقول أنا أويد هذا الكلام و فجأة ليقت منتصر –هو عامل يستعين
به على فترات لاتمام بعض عمله –بيقول ايه يا جدع الكلام اللى انت بتقوله ده محاكيا
طريقة فى التلويح بيده و بطريقة ما توحى بأن مجمل قوله هو لجاهل متدين
فهب صديقى واقفا قائلا ربنا يهدى الجميع على العموم أنا هصور ورقتين فى
المكتبة اللى فى أخر الشارع و راجع تانى .
فأشار له بيده أن يجلس بعد أن تحولت ملامحه الى الجدية و الوقار مرة
أخرى هو يقول أنا هخلص شغل و هجى معاك .
فاضطر صديقى للجلوس . غير أن ما أصاب
صديقى بالحيرة هو أن جلستهم فى اللية التالية قد بدأها و دون سابقة تمهيد قائلا على
الفكرة أنا قرأت فى الكتاب بتاع القوة _ كتاب 48 قانون للقوة –أن الشخص الذى يسعى
لجذب انتباه الأخرين عليه أن يأتى بكلام و أفعال غريبة و مختلفة عن السياق المحيط
به فربما يكون أحمد بتاع دموه بيلجأ للكلام ده علشان يجذب النظر اليه و خصوصا أنه
رجل المريض و طبيعى أنه بيحب المجالس و يحب يلم الناس حوليه على الأقل يضيع وقت و
انتهت الجلسة كما تنتهى كل ليلة .
و لكن بدأت الحيرة تدب فى عقل صديقى فهو على علم بحكم صلة بخاله أن المال
هو قبلته و هو بدوره لا ينفى ذلك و بل أنهما كثيرا ما تجادلا فى شان ذلك حيث يعتقد
أن المال ليس هدفه فقط بل هو هدف الجميع و فكثيرا ما حاول صديقى أن يضرب له المثل
بأن المال لم يكن لعاقل أن يختلف على قيمته دوره فى الحياة فسأله يوما ماذا تقول فى شهوة
الحكم أى السلطة و النفوذ ؟ من سعى اليها على اختلاف صورها و من مارسها حتى لو على
نطاق أسرته الصغيرة هذا النموذج الأخير قد
عانى هو منه شخصيا فقد مارس أخوه الأكبر و والدته نوعا من التلسط عليه و كان تسلط
أخيه عليه لحب التلسط ذاته فكان كثيرا ما يجلس صديقه اسماعيل ليحدثه عن الحاج
محمود عبد القوى هو أحد موكليه الأثرياء عن كيف كان يدير أمور عائلته بقبضة من
حديد و كيف انهارت تلك السيطرة بتعاقب الأيام و بلوغ الأجيال الجديدة داخل الأسرة و
فيعقب على قوله و الحال عندنا كذلك فالتلسط مصيره دائما الى الصدام و لكن ما يشفع له هو ما انجزه و انظر كيف كانت
بداياته على تواضعها و انظر كيف انتهت الى ما نتهت اليه اليوم من سعة الرزق و
الشركات و أملاك تقدر ب....و .....و....ان كان هذا الانجاز دليل فى نظر الغير على
توافر الرؤية القوية السلمية و المختلفة على لا فعالية التلسط .
ظل سخطه المكتوم على تلسط أخيه عليه الذى كان حبيس صدره فلم يتجاوز معه
يوما حد اللياقة و المودة التى تربط الأخوة حتى عندما حاول أن يعطل نقل ميراث
والدته اليهم كان فى سبيله لهضم حقوقهم قد تزامن ذلك مع أزمة مالية كان يمر بها هو
على وجه الخصوص الى أنه لم يتجاوز معه !مما دفع صديقى الى الانتباه الى أن نفسه
على توقها الشديد للمال لم تخلو من بصمة انسانية متحضرة حتى أنها لتخنق هذا
الاتهام الموجه له دائما بالمادية من بعض ممن يتعاملون معه بل لعله لمس فى غير
موضع كما هو سعيد بهذا الاتهام بل انه فى الحقيقة
الأمر ناقم على هؤلاء الماديون حتى لو جمعوا من المال ما يعجز عنه بل انه منحاز
الى من يرفض المال اذا كان جمعه يقتضى تلك المادية المفرطة ببشاعتها فهنا ينظره
اليه على انه مال لا يغنى .
هنا تذكر أيضا كيف أنه عندما كان
يردد ذات مرة بعض من أفكار صديقه أن حديثها قد تحول بعد ذلك الى هيثم
هو شارب خفيف الظل يتسم بكثرة الاطلاع و الأصدقاء ليشغل بهم وقت فراغه حيث أنه
مازال أعزب على الرغم من أنه قارب على أربيعين ربيعا الجدل الدائر بيهما بشأنه حيث
يؤكد له دائما أنه هذا الشاب يستطيع أن يعرف ماضى أى شخص يحدثه من خلال النظر فى
عينيه من خلال استدعاء قرين من الجن قد نفى هذا الشاب الأمر برمته لاعنا المؤهل
فوق المتوسط – هو مؤهل خالى – الذى يدفعه أن صديق أشياء كذلك .
و قد أبلغه صديقى هذا النفى المعلن الا أنه يعقب بعد تأكيده بقوله دائما بحركة من خائنة عينه
" كله فى الفاضى " أولا هو لا يعلم الا الماضى و لا يعلم شىء عن
المستقبل ثانيا لا فائدة تعود عليه من ذلك الا انه يشغل باله بقراءة كل من يقابله
و ربما عاد عليه هذا الأمر بالكراهية
على الرغم من تعرض ذلك الشاب فعلا لعملية نصب من شخص سيىء السمعة فى
معاملاته المادية الا أن ذلك لم يغير من رأيه فى شىء فهو يصر على رأيه و كذلك
صديقى الا أن سمة شىء استوقف صديقى هنا
كيف تؤمن بوجود جن و بل تجادل فى ذلك مستشهدا بعض أيات من القران الكريم و مع
تحذير العديد من العلماء الدائم بأن ليس
للجن من سلطان على الانسان هذا هو صميم جداله مع صديقى فى نفس الوقت بل فى نفس الجلسة
التى تهدم الدين كله بقول صديق قد أقررت يوما انه يجادل فى الله بغير علم .
ثم تداعات الى ذاكرة مشهده يوما وجده يسير فى أثرأولاده فى طريقهم الى
المسجد على الرغم من تقصيره فى أداء الصلاة لا يدرى لماذا استشعر منه يومها انه لا يجد بأسا
فى أن يقطع بعض خطوات فى هذا الدرب و لا يجد تعارضا بين هذا و بين حديثه عن انزعاجه من تدين ابنه ان كان تدينه هو تدين تحرص عليه جميع الأسر لأنه ذلك
التدين الذى يغذى الناحية الخلقية لا يتسم بشىء أكثر من الاعتدال . قد لعبت السرة دورا
ما فى تثبيت فؤاده فها هو ذا يقارن بين من
جمعوا المال و كان حظ أولادهم من التعليم يسير مرتكنا فى ذلك لتفوق أولاده الدراسي
ان كانت فى حقيقة الأمر ثمرة لم يعنى يوما بغرسها و لا عنايتها بل تنوب عنه الأم
فى ذلك فهو لا يستشعر الحرج فى قطفها و اضافتها الى ميزانه بل انه يسخر من أنه
يقوم تجاه أسرته بدور
" الحاصلة " كما يحب ان
يسميه فهو عليه أن يدفع نفقات و فقط ان اشترط فيما بينه وبين نفسه الأ يكون ذلك
على حساب نفسه و يعلن بكل حزم أنا لست ذلك الأب الذى يحرم نفسه لحساب أولاده و ان
أراد الله الوفرة فى الرزق فلتكن مشيئته و ان لم يكن فتلك ارادة الله .
غير أن حالة الوفرة المنشودة لربما دفعته أن يعرض الأسرة
لصدمة من نوع أخر هى زوجة جديدة هذا هو الأمر الوحيد الذى يحسمه بوجهة النظر
الدينية أنه أمر حلال و جائز شراعا غافلا عن البعد الاجتماعى أثره النفسي على الأسرة
أنه أفضل من أوضاع أخرى تطابق وجهة نظره مع أمره الواقع فى تلك نقطة بما يدفع عنه
تهمة الانحلال أخلاقى . فكلا الحالتين و حتى
مع عدم الاستعداد للتضحية من أجل الأسرة فهو لا يكفر بها بل على العكس
فنظرة الاكبار التى يعطيها للغرب و لكل ما وارد منه بحكمه قضائه جل شبابه هناك باحثا
عن الرزق فان يجد الأشخاص الذين يعيشون بمنطق family
one person أى عائلة ذات الشخص الواحد مصيرهم الى كأبه كما هو الحال مع هثيم
فى معرض تدليله لتسخيره للقرين أن غضب الله و انتقامه منه هو ما جعله هكذا الى
اليوم بدون أسرة و أن تلك المجتمعات فى
مجملها باالاحصائيات الرسمية و المعلنة فى
طريقها الى زوال فبمرور الأعوام لن يكون هناك على سيبل المثال ألمانى من أصل
ألمانى .
و قد أعطى صديقى مكانه الأسرة و مدى انحلال الأخلاقى تركيز مضاعفا حيث
أنهما من أهم أشياء التى تتعلق بالايمان فالأسرة نوعا منه و الانحلال الأخلاقى منافيا
له .
غير أن مشهد أخر ألح على صديقى هو يوما كان يمرون و معهم الاستاذ اسماعيل
بالسوق ثم أخذ يغمز بهذا و يتعجب من صنيع ذلك و كيف يصيح الواقف هناك و ماذا تقول
الجالسة هنا و كيف يمشون و كيف يبعون بالكليو و ربما بالنصف الكليو و هناك على مسافة غير بعيدة يقبع تجار الجملة
الذين يلتهمون المكاسب حتى بادره اسماعيل قائلا بجديته و الله انى لأتعجب منك كيف تنظر اليهم هكذا فأنت
من المفترض أن يكون الأصل فيك أن "ابن سوق " بحكم طبيعة عملك على الأقل فعليك أن تقدر أنهم ما يصحون أو يجادلون الا أنهم يخشون
أنت تبور سلعتهم و ينقضى السوق قد عاد من حيث جاؤا يبدو انك تعجز ان تفهم هذا ان
فهمته فانك لم تجربه فقد هناك دائما من يسدد فاتورة أخطائك . فيجيب بضحكه و النظر
فيما حوله فيستطرد اسماعيل قائلا استمع بمرورك فى الأسواق فهى متعة على أى حال .
***
5
واستيقظت فوجدت أشعة الشمس قد ملئت الغرفة حتى صارت أبحث
عنها أين كانت لقد كانت عاكفة هنا و خارج هنا أيبدد النور بهذ البساطة .
0 comments:
إرسال تعليق