لم اك اعرف ان للكلاب حضوة ملكية دافعة الى التأمل الممزوج بالدهشة والحبور، حضوة تتأرجح بين القبول المطلق والرفض الحاسم غير القابل للتحوير او الالغاء،يضع والدي المغرم بالسجائر اللف وصحبة مخابيل قريتنا الذين ازداد عددهم بعد اعلان حربنا الثالثة بشكل ملحوظ، زاد جوعنا المتوارث عند قدمي(فدعوس) الاليف المانح لوجودنا الكثير من اسئلة الاستغراب والفوضى مزيحاً اكفنا الراعفة الاشتهاء من اجل ان يتقدم (فدعوس )بخطوات ماكرة متجبرة عالية الجاه، ليتذوق مالذ من الاطعمة التي لاتطالها افواهنا اطعمة لانعرف كيف يحصل عليها،نبصر ه بتوسل الجياع ان يقاسمنا والكلب المليء بالغرور، لكنه ينهر ارتجافنا الذي يزداد حراناً ،مع لعقة اللسان الحذرة يسيل لعاب عقولنا اليابسة والمحتاجة الى ارواء،داعين من نعتقده مؤثراً جريئاً ليقتل (فدعوس )ويخلصنا من قحط الانتظارات البادية الطول،ماسمعنا للكلب الفاقع السواد نباحاً،يظل طوال يومه هائماً وسط ملكوت همهماته المزمجرة مثل اسد جريح،النازة قبحاً،يفتح عينيه على الاتساع مراقباً امتداد الطريق المحفوف بالمخاوف والانكسارات ،وبمكر يغمضهما كمن امسك باشياء ثمينة لا يريدنا التعرف والاطلاع عليها ،تستهويني اللعب الشرسة التي امارس من خلالها كل وقاحاتي وخبالي ،اقعدي مقابلاً له ،فاتحاً عيّني على اتساعهما عليَّ ابصر مايبصر،ببطء يتحول الامتدادالى سيول من الافاعي الخضر المصدرة لاصوات تشبه نواح امهات ازمنة الحروب،اغمض عيني خوفاً،ليجرني الظلام الى وسط مخابيء ودهاليز سرية، اجساد معلقة تتأرجح، مرددة بفتور مقهور،آهات فجيعتها،رؤوس. تتلمس حواف الفراغ ،ضحكات مدجنة تسيح مثل قطرات ماء موحلة، يقف الكلب منتصباً مثل جذع نخلة ميت ،يراقب بعينين نازفتين حقداً،اللوحة التي تغير اشكالها بين فينة واخرى ترتكز الى ملامح شوهاء لاتمنح متابعها سوى الاسى والحزن،يشعل سيجارته متوهماً العظمة،وسعة الاستحواذ,شامراً الى البعيد بكل ما لايرغب فيه، يبصرني بشزر،متراجعاً الى الوراء،نابشاً بقداميته تلالاً من التراب الممزوج بروث الابقار ،تقول أمي بحياء شديد الافصاح،.
—-فدعوس روح شيطانية،،جلبت النحس
الى البيت،،اطرده او دعه يعيش بعيداً عنا البارحة رأيته يبصرني لاعقاً شفتيه
السائلين بدبق الاشتهاء،كلما اشرت عليه بالابتعاد اقترب مني مثيراً سخط نباحه؟!
— كلب بيت يتودد..لا تخافي منه،،
فدعوس سليل كلاب الملكة الانجليزية،تأملي جسده
المفتول ونظرات عينية المشعتين
توهجاً لتعرفي اية ثروة نجني..لولاه لاضعنا خيرنا كله!
قالت الام ضاحكة— واين هو خيرنا
الذي تتحدث عنه خمس دجاجات يركضن وراء ديك خفية العرجاء،وبقرة جف ضرعها،،
وهمك ياخذنا الى خيبات روح لانقدر على الخلاص منها!!
—- القادمات من الايام تحمل خيرها
فلا تبطري ..دع الكلب المسكين يحمي ماتبقى
منا منذ اتينا به صغيرا ماشفنا
غير المودة والفعل الحسن!!
—سنوات وانت تقول هذا،،تطعم فدعوس
وتهتم به اكثر مما تهتم بنا وتطعمنا..ليتك
تتخلص من ابن الشياطين هذا،،شيطان
مسخ كلباً!!
— من اين تأتين بهذه الحكايات
الماسخة جنس الكلاب لاتصلها ممسوسات الشياطين،،اتركيه والتهي بحياتك!!
تطرق أمي رأسها محوقلة،فيما يقدم
أبي زاد عشائه بين يدي فدعوس الذي ازاح الماعون
بلطف،محدقاً في الجدار الطيني
الذي بدء
يهتز،تبادلنا واياه النظرات فاشار
بطرف عينه صوب الرازونه التي كشفت عن مساحة خضراء تقف عند منتصفها فتاة طينية بجدائل
بيض ترفرف مثل رايات صغيره،
تحاول اعادتها الى اصطفاف النهدين
،
لكنها تندفع الى علو اخذة بين
احضانها
لوعة الروح الهامسة —-مالذي
تنتظرين
وحيدة لاينتبه اليك احد!!
قال فدعوس— تنتظره عله يجيء!
قلت—- من اتعرفه؟!!
قال—- اعرفه مثلما اعرفك،،لكنه
لايعي معرفته،،كلما تكشفت الرويا امام باصريه
تراجعت روحه خاتلة وراء هلعها!!
قلت متوسلاً— ليتها تجيء اليَّ !!
قال—ليتك تجيء اليها،، الاناث
ادمن الانتظار ومثلك ادمن التراجع والانكفاء،
لاجدوى من ابصار الوراء،خذ زوادة
عمرك
ومضي!!
قلت— الى اين دلني على طريق
يوصلني الى غايتي ومبتغاي!!
بهدوء حكيم،ووعي عارف،اشار الى
الدرب المليء بالوحول،درب تكفنه سوادات
احزان
تمرق تاركة اثارها فوق شعاف
النفوس، التي
لاتجيد غير ولوج المماشي بحثاً عن
منقذ مخلص،اوقفت اصابع (فدعوس) الاضاءات
المبهرة،وغدت الكوة فوهة بركان
تهدر بصراخ التوجع المثير للفزع،حاولت التراجع لكنه قادني الى حيث يجب ان اكون،أمي
المسكينة تذرف دموع اساها متوسلة روح
والدي الصامت بان يسهم بانقاذي،
يظل
صافناً لايعرف ما يمكن فعله،يبتسم
(فدعوس)بابتسامة كلب انسنته الحكايات،
وعلمته الانصات والاقوال التي
تلون الارواح بمساحات المودة والارتياح،
قال—-رأيت؟!!
صرخت أمي—ما راى غير اثام وحشته!!
قال—رأيت؟!!
صرخ والدي—الرؤية وجد لايجب نسيانه
الرؤية جدل الارواح وحبور مراميها!!
قال—- رأيت؟!
قالت أمي—-حاذر مايأخذك اليه!!
قال والدي— لاتقصص رؤياك على فراغ
الازقة وبيوتها المهجورة،،لاتقصص رؤياك على ناووس معفر بالقلق من نيران حرب
وخفاياها،،التوابيت دونما ذاكرة
فحاذر الاقتراب!!
قال—ارأيت؟!!
قلت—اكتملت الرؤيا وظهر الخفي
الفاضح للمستور،،دعني اقصص رؤياي على احدٍ من المنسيين عند قيعان الحرائق!!
قال—- رأيت؟
قلت—المعنى جواد احلامي الطامحة
الى مالا استطيع لاتتركني اراهن على فشل تحققه الارتباكات!!
قال والدي— ارأيت؟
صاح فدعوس ناسياً كلبيته التي
تلبستها ارواح شياطين الرهبة،
— اقترب..لتكتشف ان الامتحان رغبة
تجاوز الى خارج المألوف!!
رأيت اليه،يقعي ضاماً رأسه الى
مابين ساقيه الاماميتين،مبصراً رؤياه التي فاضت بالاماني المشتهاة،
صاحت أمي—-اقتله!!
بهدوء،ابتسم فدعوس ومضى لا يأبه
لتوسلات أبي الذي كان يود عودته التي ظلت حبيسة امانيه حتى لحظات رحيله الاخيرة.
0 comments:
إرسال تعليق