كتب الشاعر والكاتب المصرى فاروق جويدة فى عموده هوامش حرة بجريدة الأهرام المصرية رسالة طارق عامر رئيس البنك المركز السابق الذى يعترف فيها بفشل سياسات النظام وهروبه من المركب قبل الكوارث القادمة وإليمكم نص الرسالة :
رسالة من طارق عامر
يدور جدل صاخب
فى مصر حول السياسة النقدية والمالية للدولة ويوجه لها نقد شديد ولآن الأشياء تحتاج
إلى توضيح فقد وصلتنى هذه الرسالة من الصديق طارق عامر محافظ البنك المركزى يوضح فيها
بعض الحقائق.
تناول الإعلام فى الفترة الأخيرة السياسات النقدية
والمالية وتكييل الاتهامات والانتقادات للاقتصاد المصرى.. وحقيقة يصعب علينا أن نرى
الصورة مشوشة للمواطن وأن الموضوعات لا يتم تناولها بالعمق الكافى والمعرفة المطلوبة،ولم
تسلم سياسات أسعار الصرف والفائدة والبورصة وميزانيات البنوك ومراكزها النقدية من كل
هذا النقد،وسوف أحاول توضيح بعض الأساسيات التى لم يتم التطرق إليها..وفى حين أن السياسات
الاقتصادية الكلية كانت قد أسست عبر عشرات السنوات بناء على توجهات متطابقة مع أفكار
الخبراء الذين يتم استضافتهم ونجدهم اليوم غير راضين عن النتائج، بل نصبوا من أنفسهم
نقادا للنتائج التى هم أساسا أسسوا لها على مدى عقود.. فهم الداعون لبيع أصول الدولة
وتحويلها كلها لأسهم وتوزيعها على المواطنين ونذكر البعض من هذه التصرفات،
ـــ بيع شركات
الدولة للقطاع الخاص وفى بعض الأحيان تمويل هذا البيع من البنوك المصرية،وهذا ما أوقفه
البنك المركزى بقراراته فى عام 2005.
ـــ وكان من أساسيات
السياسات التى انتهجت سياسة التجارة الخارجية الحرة وإبرام اتفاقيات لتنفتح أسواقنا
أمام البضائع الأجنبية المنافسة فتهاوت الصناعة المصرية الضعيفة والزراعة وبدأ المواطن
المصرى يتحول إلى النمط الاستهلاكى وبدا استنزاف موارد مصر من النقد الأجنبى..
ــ وبسياسات مالية
مصاحبة لسياسات خطيرة فى التجارة الخارجية انهارت الصناعة والزراعة حتى وصل الوضع إلى
أن مصر أصبحت تستورد احتياجاتها الضخمة من الغذاء من الخارج وهذا الضعف الاقتصادى تحول
إلى اعتماد تام على الخارج وأصبح المجتمع متعودا على هذه السلع وهذا النمط من الاستهلاك
لذا أصبح من اللازم من الدولة توفير احتياجاته وأصبحت مستويات الأسعار والتضخم فى سيطرة
المنتجين فى الخارج.. وبدأ المواطن فى الاستدانة لتوفير الاحتياجات وأصبحت القروض الخاصة
أساسية فى حياته..وعندما يقوم البنك المركزى بزيادة أسعار الفائدة لتعويض المواطن عن
التضخم يثور هؤلاء أن مصر لديها أعلى أسعار عائد فى العالم وأن هذا يؤثر على البورصة
المصرية ولكن ماذا عن 20 مليون مواطن يعيشون على العوائد لمدخراتهم فهل هذا غير مهم
!.
واكمل السيد طارق
عامر أهم جوانب السياسة المالية والنقدية التى تعمل بها الدولة رغم الظروف الصعبة التى
يعانيها منها الاقتصاد المصرى.
واستعجب من الاهتمام
الكبير بالبورصة وهى الفكرة والغرض منها أن تكون مصدرا لتوفير رؤوس الأموال للمشروعات،
وهذا لم يحدث تقريبا وأصبحت هى فقط بورصة للمضاربات والاتفاقات غير العلنية التى تحقق
خسائر للمجتمع وعندما يتدخل الرقيب لضبط قواعد التعامل يتكالب عليه أصحاب المصالح بالضغوط
والإعلام غير الفاهم أو الوسائل الأخرى.. ثم أجد من يتحدث عن النقد الأجنبى وهم لم
يدربوا التدريب العملى الكافى على هذه الأمور الفنية، فمثلا قرار أسعار الفائدة يتكلمون
عنه بكل بساطة رغم أنه يتم بناءً على تحليلات وبرامج معقدة جدا.. هذه بعض الخواطر لموضوع
كبير، ولكن يجب أن يكون واضحا آن أساسات المناخ الاقتصادى التى تم إرساؤها قبل
2011 افتقدت فى رأيى الإدراك والفهم العميق وتاثيره على المدى الطويل..
وحاليا تحاول الدولة
تدارك هذه النتائج لتوجهات سياسات يتم تصحيحها تدريجيا وهذا واضح فى توجهات الدولة
فى الاهتمام بقطاع الزراعة حتى تحولت 1٫5 مليون فدان إلى حدائق فاكهة فى حين نستورد
المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والذرة وزيت الطعام والأسماك واللحوم والفول بعشرات
المليارات من الخارج.. وبدأت صناعات تقودها الدولة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية من
اجل التصدير وتصدر لأربعين دولة، وهذه مشروعات تدار بكفاءة كبيرة وانضباط وخبرة مهندسين
فى الجهاز وخبراء علوم وكيمياء فى مشروعات كيماوية وبتروكيماوية.. حقيقة وأنا أعمل
فى مجال المال والأسواق دوليا وداخليا وكنت مسئولا عن أعمال بنوك كبرى فى عدد من الدول
فى المنطقة واوروبا، أرى أننا بعد أن قررنا أن القطاع المملوك للدولة غير ناجح وأهملناه
وهذا خطأ، وأن القطاع الخاص فتحت له الأسواق على مصراعيها لسياسات من رأيى أنها كانت
قاتلة.. لأنها خلقت فرص عمل لشعوب الدول الأخرى على حساب مواطنينا بفتح أبواب الاستيراد
دون ضوابط وتدهورت الصناعة المصرية.. لم تنجح تجربة القطاع الخاص فى تحقيق التوازن
الاقتصادى والنقدى ومن ثم فقدنا هذا وذاك، ونحن الآن ومنذ سنوات نعمل فى سياسات تصحيحية
طبعا بالتأكيد تجد المقاومة من ذوى المصلحة الخاصة، ولكن الدولة لا تعمل لمصالح فئة
ولكن لمصلحة الجزء الغالب من المجتمع المصرى.
المصدر: جريدة
الأهرام المصرية
0 comments:
إرسال تعليق