• اخر الاخبار

    السبت، 6 أغسطس 2022

    منزلة النقد الحواري من العقل التواصلي بين اليقظة الفكرية والمستقبل..ملخص دراسة بقلم د.رسالة الحسن

     

    مفهوم الحوارية:- هو أحد المفاهيم الحديثة في النقد الأدبي، ويعتمد على نظرية الناقد ميخائيل باختين (1895م- 1975م) والآليات التي دعا إليها في دراسة الرواية والتي تجمع بين الجانبين الشكلي والإيديولوجي حيث يؤكد باختين أن العمل الروائي يتشكل من مجموعة أصوات وخطابات متعددة، وأنها تتحاور متأثرة بمختلف القوى الاجتماعية من طبقات،وإن المسافة بين الإنسان التواصلي والناقد الحواري، لا تعرف انفصالاً بل اتصالاً مستمراً.. فالناقد يجب أن يكون مختلف مؤتلف يؤمن باختلافية الرؤى النقدية وهذا ما يبني ائتلافية فكره الحواري الذي يتجسد في مرجعياته النقدية المنفتحة على الآخر النقدي الذي يرى فيه آلية منهجية لفهم الأنا الإبداعي والمعرفي باشكاله المتعددة...ويجب أن يتدرج الناقد الحواري في المقاربات النقدية من النقد الموضوعاتي إلى النقد الجمالي ومن النقد النصي إلى النقد الحواري ومن النقد المقارني إلى النقد الثقافي والحضارة وبذلك يكون نقده نقدا دنيويا يؤمن بالاختلاف لصناعة الائتلاف المعرفي داخل المؤسسه النقديه فمفهوم “النقد الحواري” ليس مفهوما جديدا في مجال التداول الثقافي لدرجة يمكن تصوره من منتجات الفكر الحداثي المحض، كما أنه ليس قديما لحد يجوز عده من منجزات “الفكر التاريخي” الصرف. إنه مفهوم حداثي تنظيرا وتصورا، كما أنه تاريخي تراثي أجرأة وتطبيقا، (على نحو ما توحي بذلك العديد من الممارسات التخاطبية التواصلية الضاربة في القدم من قبيل محاورات أفلاطون وأرسطو عجميا، ومناظرات المتكلمين والفقهاء عربيا).

    وعلى هذا الأساس فـ”التفاعل الحواري” مع النصوص وقراءتها وفق “منطق تحاوري” قد يكون سلوكا معرفيا سبق فيه التطبيق التنظير، وتميز فيه الحضور العملي عن التجلي الإدراكي (المعرفي)، لكون اللغة حوارية بطبيعتها، تفاعلية بجوهرها. وعليه من يريد قراءة منتجات الفكر الإنساني بعقلية أحادية، ويقاربها وفق “منطق مونولوجي”، كأنما يتحدث لغة غير إنسانية، أو يعيد كتابة المقروء بحروف غير آدمية، لا يفهمها إلا هو، ولا يستوعبها إلا جهاز اللغو (الخاص) عنده.وإذا صح، عقلا وواقعا، إسناد الحوارية باعتبارها خصيصة صميمة في الكلام إلى كل جهد نقدي وتفاعل لغوي، على سبيل الارتباط واللزوم، صح معه كذلك، توثيقا وبحثا، أن الحوارية (Dialogisme) –بوصفها نظرية نقدية- عائدة إلى الأديب والفيلسوف الروسي ميخائيل باختين. ذلك أنه أصدر في أواخر العشرينات من القرن الماضي ثلاثة مؤلفات على قدر كبير من الأهمية أحدثت ارتجاجا في الأوساط الثقافية يومئذ. وعدت منعطفا نوعيا في مسار تطور الفكر الحديث، وهي: (الفرويدية: 1927)، و(المنهج الشكلي في الدراسات الأدبية: 1928) ثم (الماركسية وفلسفة اللغة: 1929).

    وما يميز هذه المؤلفات جميعها طابع مشترك تمثل في نقدها للتوجيهات النظرية الحديثة السائدة في مجالات علم النفس والأدب واللسانيات. وقد مكن هذا الطابع النقدي من إرجاع تلك التوجيهات إلى منزعين متصارعين:

     أولهما: يغرق في “الموضوعية المجردة”، كما الحال بالنسبة إلى السيكولوجيا (علم النفس) واللسانيات البنيوية، أو في “الشكلانية الضيقة”، كما هو الأمر في المناهج الشكلانية لدراسة الأدب.

    وثانيهما: يبالغ في الذاتية المثاليةكما هو حاصل في “الفرويدية” واللسانيات المثالية، أو في “الإيديولوجية الضيقة” على نحو ما هو متداول في المناهج الإيديولوجيةالأمر الذي جعله (باختين) يتصور العلم إنسانيا كان أو طبيعياممارسة تخاطبية قائمة إما على المونولوجية(Monologisme) أو على الحوارية (Dialogisme).

    فالنقد الحواري، كما العقل النقدي التواصلي، قادر على تجاوز الذات الضيقة والإجراءات والتفاصيل المباشرة والأمر الواقع وفق “رؤية تجاوزية”. فهو لا يذعن لما هو قائم ويتقبله، وإنما يمكنه القيام بجهد تأويلي تحويلي إزاء الأفكار والممارسات والعلاقات، والبحث في جذور الأشياء وأصولها، وفي المصالح الثاوية وراءها والأبعاد المرتبطة بها؛ الأمر الذي يجعل الجهد النقدي الحواري من هذه الجهة جهدا “تفكيكيا” بامتياز.

    وفي مقابل هذا يمكنه كذلك القيام “بجهد تركيبي إبداعي. فهو قادر على التمييز بين ما هو جوهري وما هو عرضي. وعلى صياغة نموذج ضدي، لا انطلاقا من المعطي فحسب، وإنما مما هو متصور وممكن في آن واحد. ويمكن على أساسه تغيير الواقع، لذا تغدو أمام الإنسان إمكانية تجاوز ما هو قائم دائما، انطلاقا من إدراكه لما هو ممكن داخله، بمعنى أنه يفتح باب الخلاص والتجاوز على عكس التكيف والإذعان للأمر الواقع على نحو ما هو الحال في النقد المونولوجي والعقل الأداتي، الذي يتعسر عليه إدراك الحقيقة وتنوع معانيها وتعدد زوايا النظر إليها، لعدم إيمانه بمشروعية الاختلاف ومبدإ التباين والتغاير أساسا لممارسة التفكير، ومنطلقا للتحاور والتشاور، لذا لا مجال لإمكان، أو محاولة، زحزحة الحقائق “عن وضعها المعطى سلفا” أو “المبتغى آنيا ومستقبلا”، إلىوضع “الأفق المشترك” لكل بحث ونظر.

    اما النقد “المونولوجي”

    فهو “فعل” (Acte) مركوز في نطاق عقلانية منكفئة على نفسها، مكتفية بذاتها. فالمعرفة المتولدة عنه أقرب إلى السكون والثبات منهما إلى غيرهما، لكونها صادرة عن نظر أحادي ومنطق دوغمائي وثوقي لا يؤمن إلا بما يعرف تقديسا وتمجيدا، أو اجترارا وتكرارا. مما يقوض إمكانات تفاعل هاته الذات مع غيرها، وتواصلها مع ما سواها، بقصد التجديد والتطوير أو التحويل والتحوير. ومن ثمة تتقوى دواعي الاستئثار في نفس صاحبها، ويبتعد عن التعاون والمشاركة المأصولين بروح وطبيعة الجماعة. لذا يكون مقام إنتاج المعرفة النقدية، هاهنا، مقاما استعلائيا انعزاليا مقطوع الصلة بمفهومي الاتفاق والتداول اللذين تقتضيهما المعرفة (عامة) اقتضاء، ويقرهما العقل الجمعي إقرارا.

    ولعل “التصور الوهم” الكامن وراء هذا النمط النقدي منبن على مبدإ كون البحث عن الحقيقة لا يتأتى إلا في حيز وعي ذاتي فردي مجرد ومنعزل، باعتباره وعيا مستقلا بذاته، قادرا على بلوغ الحق والوصول إلى الصواب

    ولهذا التوجه من آفات ونقائص ناتجة، تحديدا، عن تعطيل قاعد في التحاور والتذاوت من حيث هما شرطان أساسيان من شروط وجود الذات وخصيصتان من خواصها الاجتماعية والمعرفية.

    على هذا الأساس فـ”الناقد المونولوجي” وهو يمارس التفكير (النقد) في موضوع من المواضيع، أو ظاهرة من الظواهر أو قضية من القضايا، ويقلب نظره فيها، قراءة وتفسيرا وتحليلا، لا يعدو أن يكون، إما موظفا لمفاهيم الإذعان والولاء وميكانيزمات التماهي والتطابق (الاتفاق المطلق)، وإما مقدسا للأنا، معتقدا بطهرانية الذات التي هي –في نظره- مركز الحقيقة ومصدر اليقين (الاختلاف المطلق )

    وفي كلتا الحالتين فهو يقرأ بعقلية اليقين التي لا تقبل باقتسام الحقيقة ولا حتى الاشتراك في البحث عنها. إنه لا ينظر إليها إلا على نحو ما يعتقد ولا يفسر الأشياء إلا وفق ما يراه، بمنأى عن المحاججة العقلانية والمحاورة الديمقراطية اللتين تجعلا النقد بناء للإمكان وليس تكريسا للكائن (القائم)، من خلال نبذ المختلف واستئصال الآخر معرفيا ومعنويا، مخافة خوض المغامرة النقدية (الفكرية) بما تستلزمه من تحرر وانفتاح وحوار، وما قد ينجم عن ذلك من تكسير أصنام الأفكار الموروثة، وخرق سياج المواقف الثابتة، والآراء المتراكمة، بوصفها تشكل مجد الذات وقوتها ومناعتها التي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تضعف أو تهتز.

    وتبعا لهذا تغدو “العقلانية المونولوجية” أقرب ما تكون إلى القاعدة التصورية الحاملة “للعقل الأداتي” (Raison instrumentale)  من جهة اتحادهما في الخصائص الآتية:

    ☆☆ـ النظر إلى الواقع من منظور التماثل وإبعاد أي اهتمام بالخصوصيات؛ أي البحث عن السمات المتطابقة في الأشياء وإهمال الصفات المميزة لظاهرة عن أخرى

    ☆☆ـ تفتيت الواقع إلى أجزاء غير مترابطة دون إعادة تركيبه إلا من خلال نماذج تبسيطية اختزالية، مسنودة غالبا بنظر ضيق ومنطق متخشب

    ☆☆ـ السقوط في النسبية المعرفية والأخلاقية والجمالية، مما يؤدي إلى بروز حالة من اللامعيارية الكاملة التي لا تقود إلا إلى تقبل الأمر الواقع، والتمسك بالوضع الكائن، مما يعني تثبيت دعائم الأفكار والمعتقدات والعلاقات السائدة، من جهة، وكبت أية نزعات إبداعية قد تتجاوز ما هو مألوف، أو تنفتح مع ما هو ممكن.

    فالنقد المونولوجي كما العقل الأداتي يبدو عاجزا عن قراءة الواقع كما يجب، واستنطاق النصوص على نحو معقول مقبول، أو الاقتراب من الظواهر اقترابا فعَّالا ومنتجا، بل إنه غير قادر حتى على التواصل مع ما سواه المختلف عنه، المغاير له، لانتفاء شرط التحرر عنه أولا، ورسوخ مبدإ الوثوقية والمطابقة فيه ثانيا. وغير خاف أن الحرية و الاختلاف مدخلان أساسان لكل فعل تواصلي، ومنطلقان مركزيان لأية علاقة حوارية مجدية، بل إنهما ميزتا الفكر نفسه، فالفكر حر بطبيعته حتى في أشد الظروف الاجتماعية والسياسية قهرا وتسلطا والعقل بطبيعته الحرة الاختلافيةيسأل قبل أن يجيب، ويتساءل قبل أن يستلهم، ويتشكك قبل أن يحكم، بهدف التشكيك في الوضع القائم، معرفة وسلوكا من أجل تصور رؤية أكثر دقة وأكثر قربا من ماهيات الأشياء والظواهر، وربما  عللها وكلها أمور لا تحقق إلا في سياق تواصلي، وفضاء حواري، ونطاق تفاعلي، كشروط لممارسة نقدية حوارية قوامها التخطي والتجاوز عوض التماهي والتطابق، والتحويل والتحوير، بدل الترديد والتكرار.

    ..........

    المصادر

    العقل النقدي والنقد الحواري موقع ميديا بلوس

    موقع صحيفة الرأي الكويتيه

    حوارية باختين وتنام كريستيفا وتودوروف في النقد الأدبي.. للدكتورة . حفيظه احمد

    موقع معرفة

    النقد المنولوجي والنقد الحواري للأستاذ العياشي ادراوي مقال بتاريخ ١ يناير ٢٠٢٠

    موقع ويكيبيديا

    موقع المنظومة

    موقع جامع الكتب الإسلامية

    موقع الحوار المتمدن

    النقد الحواري ومابعد الحداثة مقال للكاتب ابراهيم الحيدري ٥/ ٨/ ٢٠١٤

    موقع صفحات سورية

    موقع معرفة

    الرابطة المحمدية للعلماء: معالم استلهام روح فلسفة المناظرة الإسلامية: منزلة النقد الحواري من العقل التشاوري .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: منزلة النقد الحواري من العقل التواصلي بين اليقظة الفكرية والمستقبل..ملخص دراسة بقلم د.رسالة الحسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top