الرواية تشكيل لعالم يعتمد على اللغة ، تدور عوالمه الخاصة على وفق مسارات ذهنية السارد وبما ينسجم وتوافقية هندسة هذا الخلق الإبداعي ، وبطبيعة الحال فالحياة التي يحاول السارد أن يبنيها ضمن تراكيبه وجمله والتي تعدّ مواداً أولية تقوم على أساس تطوير الفكرة المحورية في محاولة اعتمادها ضمن تدرجات زمنية مختلفة ، تمنحه القدرة على توليف كل هذه الأبعاد والسيطرة عليها .
الموت وبما يحمله
من تضادية للحياة ، ومن فكرة توظيفية طالما نتوقف عندها ، لنتفحّص هذا العالم المزدحم
بالاضطرابات المتولدة من سباقات الزمن المجهول ومساقط ظله المعتم .
الروائي شوقي كريم
حسن في روايته ( نهر الرمان ... تجربة موت ) ،
يمنحنا فرصة سردية جديدة لرحلة ( الخراب صناعة حكاية ص 37 ) ، ( أني جسد خرب
بروح فاسدة ص 35) في سبر أغوار شيوع الخراب
حياتياً وبكلّ تمظهراته وصولاً إلى نقطة تقبّل فكرة الموت والرضوخ إليها ضمن أطر لعبة
النهاية الحتمية ( النهاية بالنسبة إليه تعني خلاصاً أبدياً ص 27) ، مما جعل الروائي
يعتمد على الظهور العلني - أحياناً - مع كلّ
حدثٍ واقعي يسوقه سردياً ، رغم التمويهات المفتعلة في محاولة اضفاء الاختفاء القسري
هنا وهناك .
لقد قسّم روايته
حسب بوابات سبع شائكة غاصّة بتراكمات كثيرة ، والتي تضمنت أفكاراً عدّة ( البوابة الأولى
الحبس وفقدان الحرية / البوابة الثانية الخوف وقتل الحلم / البوابة الثالثة النفي والبحث
عن المكان / البوابة الرابعة البحث عن الحكمة واستكشافها / البوابة الخامسة القيمة الانسانية المفقودة / البوابة
السادسة الشعور بالارتياح / البوابة السابعة مسار الظلمة والحتمية الموت ) .
فالبوابة دلالياً
تمثل الانتقالية والانفلات والانفتاح على عوالم أخرى ، إنّها نافذة واسعة الأفق ، حيث
استطاع من خلالها الروائي شوقي كريم أن يجعلنا نسير على وفق مطبّات واقعية لا مصطنعة
، مطبّات جعلته يميل الى اعتماد نوعين من الشخصيات في روايته ، الشخصية الظاهرية والتي
سمّيت بأسمائها ، ( الملا فليح – علوان الجاسم ص 9 / خالد خلف ص 15 / فطيم وحيلي ص
18 / فاضل ابراهيم ص33 .... الخ ) والشخصية
المبهمة غير الواضحة المعالم ( الجد ص 9 / المرأة المتشحة ص 16 / طبيبة التخدير ص
17/ المرأة ص 18 / البضّاع ص 23 / سيدة الكرسي
ص 25 / المساعد ص 30 .... الخ ) ، وما بين الشخصيتين عمق دلالي يحاول الروائي من خلاله
اشاعة الغموض والابهام على جوانب عدة ، وعدم الكشف عما يدور خلفها ، وهذا الشيء مردّه
الى طبيعة الروائي ذاتياً .
القارئ الفاعل
سيجد أن لغة الجسد ، وبما تمثله من اشارات ارسالية دالة على ما توحي إليه ظاهرة بين
سطورها ، فالجسد حركة ذات بعد ايحائي عام ، ( يذعن الجسد مستسلما ص28 / امسك الجسد
بشطآن حضوره 28/ الجسد يمسك بقوة ص 29 / يتزحزح
الجسد فتدفعه الأكف ص 29 / يقول الجسد أنت تدفع بنا الى الهاوية ص 31 / جسده الثقيل
ص 43) .
ثم أن الروائي
اعتمد مبدأ الاشارة الدالة في مواضع أخرى ( قباب صفر ص 13 ) اشارة الى مراقد اهل البيت
في العراق ، ( صاحب الكرش ص 15 ) الإنسان الابله ( صاحب النظارة ص 15 ) الإنسان المثقف
( الشيلات السود ص 19 ) حجاب أسود يرتدينه النساء الجنوبيات .
كما نجد لديه قوة
المحافظة على استقرارية الحدث السردي ، رغم رغبته في خلق تشظيات أحداث صغيرة مبعثرة
، فالحدث لديه متماسك نوعاً ما ، وبطريقة تنمّ عن براعة تامّة وقدرة فاعلة لجذب القارئ
الى مناطق المشاهد اليومية المتكررة .
ناهيك عن أن القارئ
متحفّز ايضاً مع الأسئلة المطروحة ضمنياً والتي تؤدي بطبيعة الحال الى البحث عن إجابات
مقنعة ،وبالتالي هي نتاج البحث المعرفي عن
نهاية حتمية حقيقية لا مفرّ منها .
أمّا لغة الرواية
فقد كانت ذات مستويات مختلفة ما بين الفصيح واللغة الدراجة ، كون الروائي يتمتّع بخزين
لغوي ، أتاح له فرصة كبيرة لزجّ مثل هذه المفردات والتراكيب التي تحمل بين طياتها اقترابية
من الفصيح لشيوعها وتداولها اليومي ، فهي مستحبة لدى سامعها ولا تولد لديه أي نفور
( تشوف ص7 / شنهي ص 8 / حجيك – كورك وكوره ص 8 / تنهمد ص12 / تفرفح – ذروك ص13/ كرشه
ص 14 / نزرف ص 27 / يتدهدر ص 28/ الحوش ص35 .... الخ ) وميله الى التضمين القرآني
( ولئن شكرتم لأزيدنكم ص 8 ) ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ص 8 ) وتضمين أغنية
( يا حضيري بطل النوح واهجع شويه ... ص 162) مما يؤكد لنا تمسك الروائي بجذوره السومرية
التي هي تمثل امتداداً حقيقياً لثقافته الواعية وتجربته الإبداعية.
0 comments:
إرسال تعليق